رغم كل الدعايات...نشهد إقبالا مستمرا على الحجاب...لماذا؟

الأربعاء 15 أغسطس 2018 - 18:18 بتوقيت مكة
رغم كل الدعايات...نشهد إقبالا مستمرا على الحجاب...لماذا؟

إنّ هذا العداء الغربي المستفحل لهو أمرٌ طبيعي متوقَّع؛ ومن الصعب أن يضمحل إلا بعد تحطيم الذهنية الاستكبارية لهذا الغرب...

السيد عباس نورالدين

الذين أدركوا مدى حضور الإسلام في وجدان المسلمين وقلوبهم لم يتفاجأوا من العودة القوية إلى كلّ المظاهر الإسلامية، من حجاب وغيره؛ وذلك بعد عدّة عقود من التسلّط الغربيّ على حكوماتهم ومجتمعاتهم.. ومع ذلك ها هي المحاولات المستميتة من قبل الغافلين عن ماهيّة الإسلام وما يمثّله للمسلمين، تعود إلى الواجهة من أجل القضاء على هذه المظاهر. ومن لا يعلم أنّ نتيجة ذلك ليست سوى القضاء على الإيمان بالإسلام والارتباط المعنويّ والعاطفي به!
يمكننا أن نتفهّم جيّدًا مساعي الغربيّين للقضاء على الإسلام، نظرًا لما يرونه في هذا الدين من طاقة عظيمة لمقاومة مشاريعهم ومخطّطاتهم، التي تهدف إلى السيطرة على إرادة المسلمين وثرواتهم، ولما يتضمّنه هذا الدين من قيم معنوية تتناقض تمامًا مع رؤيتهم المادية الشهوانية للحياة.
إنّ هذا العداء الغربي المستفحل لهو أمرٌ طبيعي متوقَّع؛ ومن الصعب أن يضمحل إلا بعد تحطيم الذهنية الاستكبارية لهذا الغرب. لهذا سوف نبقى نشاهد كل الحملات الدعائية والإعلامية والسياسية والاقتصادية التي تستهدف هذا الإسلام دون هوادة. ولكن لماذا نجد أنّ هذه الحملات المتصاعدة تبوء بالفشل تلو الفشل فيزداد معها تمسّك المسلمين بدينهم ومظاهره؟
في الواقع، إنّ الإجابة عن هذا السؤال تكمن في فهم طبيعة المواجهة التي كانت تجري منذ مئات السنين بين هاتين الحضارتين.
فالتأمّل في التاريخ الإسلاميّ يدلّ على أنّ مسار المجتمعات المسلمة ومصيرها، كان غالبًا ما يتحدّد بحسب طبيعة هذه المواجهة والتصادم بين المسلمين والأوروبيين، وقد اشتدّ ذلك منذ اندلاع الحروب الصليبية، وأصبح سمة بارزة لهذه العلاقة الملتبسة إلى يومنا هذا. وهكذا كان المسلمون يشهدون كل فترة كيف أنّ مصيرهم وأوضاعهم ترتبط ارتباطًا وثيقًا بهذه المواجهة. وفي يومنا هذا، من الصعب أن نمحو من الذاكرة الإسلامية ما فعله الاستعمار الأخير، وما يعمل عليه منذ مدة تحت عناوين استعمارية وصليبية جديدة.
من الواضح أنّ المسلمين عمومًا كانوا يفتقدون إلى عناصر المناعة الذاتية التي تحميهم من هذه الهجمات العسكرية ومن تبعاتها الحضارية، وخصوصًا في القرن الأخير، حيث جاء الصليبيّون هذه المرّة مدجّجين بأسلحةٍ، لم يخبرها المسلمون من قبل، فاستطاعوا أن يعيدوا بناء مجتمعات المسلمين وفق إرادتهم ومخطّطاتهم (سايكس بيكو مثالًا). وكان ممّا أفرزه الاستعمار الغربيّ هو تلك النخب المتعلّمة والحاكمة، التي جعلت من تقليد الغرب وتبعيّته هدفها الأعلى؛ فانتشرت تلك القيم الغربية البعيدة عن الإسلام وعن مظاهره، حتى كادت تصبح السمة البارزة لحياة المسلمين، ومنها على سبيل المثال ظاهرة السفور والتهتّك(التي احتمت بعناوين الحرية والمساواة وتحرير المرأة).
لم يطل الأمر كثيرًا حتى بدأ المسلمون يشعرون بأنّ هذه النخب لم تكن سوى بيادق مقنّعة بيد المستعمر الجديد، لا دور لها سوى أن تمعن خرابًا وفسادًا وعبثًا في جسد الأمّة. ثمّ جاءت الثورة الإسلامية في إيران لتكون انفجارًا لصحوة عارمة تردّدت أصداؤها في أقاصي البلدان المسلمة.
إنّ سعي المسلمين للعودة إلى إسلامهم يرجع بالدرجة الأولى إلى فشل أتباع الغرب ومقلّدوه، في تحقيق أي نوع من التقدّم الحقيقيّ (فهذه لم تكن مهمّتهم من الأساس) على صعيد المعيشة والرخاء والعدالة والحرية وغيرها من القيم الاجتماعية الراقية. لهذا، كانت الصحوة الإسلامية حركة سياسيّة بامتياز، وإن كان العديد من آثارها بعيدًا عن السياسة وعن هذه المواجهة. هذا في الوقت الذي ما انفك الغرب عن خوض هذه المواجهة بعناوينها الحضارية والثقافية؛ الأمر الذي يؤدّي حتمًا إلى ربط أجندته السياسية في أذهان المسلمين بمطالبه وأهدافه الثقافية.
أجل، إنّ مستوى الإلتزام الدينيّ يعبّر عن مدى تأييد النظام، لكنّه في الوقت نفسه يدخل في التعبير عن الهوية والانتماء والبقاء والقيم الذاتية. وحين يستحضر المسلمون ذلك التاريخ المذلّ، والمليء بالعداء والحقد من قبل الغربيّين، فيجدونهم مصرّين على عدائهم للإسلام، فسوف يغلب الانتماء إلى الإسلام ومظاهره لأنّها إحدى الوسائل المهمّة للتعبير عن الهوية والاستقلال والحرية.
وخلافًا للتصوّر الشائع، فإنّ الرغبة بالحرية هي المحرّك الأوّل نحو الإسلام، لأنّ الإسلام ما فتئ يقدّم للمسلمين أجمل المعاني المرتبطة بالحياة والعزّة والكرامة والوعي والمعرفة والتفوّق. وكلّما اشتدّت ضغوط الغربيّين ومساعيهم للتحكّم بالمسلمين، سيشتدّ تمسّك المسلمين بدينهم ومظاهرهم

مركز باء للدراسات

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأربعاء 15 أغسطس 2018 - 18:18 بتوقيت مكة