محمد لواتي*
في الطائفية لا مجال للرأي ولا مجال لإمكانية التفاهم مع دُعاتها، وهنا يبدو الفرق بين «محور المقاومة» بقيادة إيران و«محور الموالاة» بقيادة السعودية. وبين الصدى السعودي والصدى الإيراني خلافٌ سياسيّ وعقديّ، فالصدى الآتي من السعودية مُتماهٍ مع الصدى الأميركي إنْ لم يكن جزءاً منه، أي أنه ليس صدًى إسلامياً كما تدّعي، بينما الصدى الآتي من إيران صدًى تصادميّ مع السياسة الأميركية في المنطقة والقائمة على مفهوم الاحتواء والتصادُم مع الآخر.
سياسة إيران اللاطائفية تحتوي الكثير من العناصر الإيجابية، حتّى وإنْ كانت إيران تبدو راديكالية في فهمها للإسلام وفي طرحها له كبديل ضد فلسفة الغرب وإيديولوجيته، ونعتقد أن هذا الصراع السعودي المُفتعَل ضدّ إيران ثم ضدّ جيرانها وبمفهوم الاستقطاب الطائفي ليس في صالح الإسلام ولا في صالح السياسة السعودية، لا سيّما وأن الإسلام هو المُستهدَف الآن بقوّة من طرف الآليات التي يرتكز عليها النظام الدولي الأحاديّ القطب، والغرب لا يُفرِّق في تعامله مع الأمّة الإسلامية بين الشيعة والسنّة، فالإسلام أياً كان المنحى الاجتهادي فيه هو في نظره يُمثّل البديل المُضاد لأطروحاته الاستعمارية، وأنّ الأجيال الجديدة الإسلامية لا تؤمن بالفكر الغربي إلا كفكر مجرّد يصلح للتطبيق في مجال العلوم المادية فقط..
ثم إن هذا الصراع الذي تحاول السعودية إيجاد مُبرّرات سياسية له، وعلى حساب مكوّناتها الدينية والاقتصادية، يخلق نوعاً من الانقسام الطائفي المُتعدّد في الجسم الإسلامي ككلّ، انطلاقاً من أن المجموعة الإسلامية تتكوّن من دول مُتعدّدة العِرقيات والمذاهب، وبالتالي فإنّ أيّ تنافس عربي ضدها يُشعرها بأنها على خط مُناقِض للخط الإسلامي في الجزء العربي، وكثيراً ما أُثيرت هذه الحساسية في المؤتمرات الإسلامية.
وقد حاول الغرب ذاته استغلال هذه الفجوة المصطنَعة منذ الانهيار الذي لحق بالعالم الشيوعي، ومنذ ذلك الحين ونحن نعاني من الابتزاز الغربي لهذه الظاهرة، حتّى صارت عقدة دامية في كثيرٍ من الأحيان...
إن الرؤية المقلوبة وذات البُعد الطائفي هي التي أخرجت الإسلام من بُعده الإنساني فضاع الإسلام وانهار المسلمون.. وما من مكان ظهرت فيه النزعة التحرّرية من الهيمنة الأميركية إلا وأصيبت بنكسة رهيبة جرّاء هذا التصادُم الذي تصنعه السعودية والتي تدّعي الوصاية على الإسلام!
لكنْ يبدو أن الحقد السعودي على إيران أُضيف إليه حقد آخر، وإن لم يكن جديداً في نظرنا على الأقل، إنه حقد ضد أنقرة (على خلفيّة المواجهة السعودية مع قطر). وربما يقودها إلى صراع دموي معها بعد أن خرجت قطر من طاعتها لتأخذ من تركيا مظلّة لها.. غير أن الفشل نصيبها؛ لأن القوى العالمية التي ظلّت تحتمي بها هي أيضاً في صراع داخلي وخارجي بسبب فشل سياسة دونالد ترامب. فهل تتّعظ السعودية وتعود إلى البيت الإسلامي كطرف فيه وليس كمُهيمن عليه كما تفعل ذلك مند سبعين عاماً؟
*رئيس تحرير يومية المستقبل المغاربي
المصدر:مجلة شعائر