لاهيجان: كسائحة في مسقط رأسي

الإثنين 6 أغسطس 2018 - 11:04 بتوقيت مكة
لاهيجان: كسائحة في مسقط رأسي

معالم إيرانية - الكوثر: بعض سكان هذه المدينة يُطلقون عليها اسم “الجمال النائم تحت المطر” لأنها تظل جميلة حتى عندما تكون السماء رمادية اللون وممطرة في فصل الخريف و حتى في الشتاء أيضاً عندما تكون السماء مُثلجة وقاتمة اللون. بالنسبة لي فلاهيجان هذه المدينة الجبلية القابعة بسلام على سفوح جبل البرز في شمال إيران أُحبها أكثر في باقي فصول السنة. أُحبها أكثر عندما تُشرق الشمس على هوائها الرطب في فصل الصيف, أُحبها عندما تخضر أوراق الشاي في فصل الربيع.

أوراق الشاي الخضراء في فصل الربيع

لا أعلم إذا ما كانت هذه المشكلة فقط لدي أما أن الأشخاصٍ الآخرين أيضاً لديهم نفس المشكلة, فدائماً كان من الأسهل عليّ أن أكتب عن مكان جديد غير معروف على وشك أن أقوم بإكتشافه من أن أكتب عن المكان الذي ولدت فيه. ربما لأنني عندما أكتب مقالة عن هذه المدينة أشعر بنوع من المسؤولية وبأنه يتحتم عليّ أن أكتب أجمل ما عندي, المدينة التي تقاسمت معها ذكريات طفولتي وأجمل لحظات عمري, أو ربما لأنني أملك الكثير من الأشياء عن هذا المكان لكتابتها ولا أعلم بالضبط أيُها أختار لأبدأ. لنكن صادقين, فالسبب أبسط من ذلك بكثير. في الواقع فأنا لم أقم يوماً بإكتشاف المدينة التي ولدت فيها بعنوان رحالة. ولم أنظر إلها نظرة سائح قط. على الأقل حتى وقتٍ قريب.

لكننا جميعاً متشابهون في هذا, أليس كذلك؟ فأصدقائي في أصفهان كانوا قد أخبروني أنهم بالكاد يخصصون وقتاً للذهاب لساحة الإمام (ميدان إمام), كذلك الحال بالنسبة لبعض أصدقائي في مشهد الذين لم يذهبوا أبداً لسوق الإمام الرضى (بازار امام رضا) هذا السوق التاريخي والسياحي في تلك المدينة. وحتى عندما زرت لبنان تفاجئت بإكتشاف أمور مماثلة, فأصدقائي اللبنانيين أيضاً كذلك, فهم لا يقومون بزيارة الآثار الرومانية في مدينة بعلبك إلا عندما يأتيهم أصدقاء من دولة أُخرى من أجل التوقف فيها للسياحة. فنحن غالباً ما نأخذ الأمور المألوفة بالنسبة لنا والقريبة على أنها أمور مفروغ منها وتبقى بعيدة عن أعيننا, في الوقت الذي نسافر آلاف الكيلومترات وننفق الكثير من النقود لزيارة ومشاهدة الأماكن الغريبة التي كنا قد سمعنا عنها أو قرأنا حولها.

“التلفريك الأخضر”

تله کابین

منذ عدة أشهر سافرت صديقتي اللبنانية سلام لإيران من أجل رؤيتي ولتقوم بجولة سياحية. وقالت بأنها متشوقة للغاية للقيام بزيارة المدن المشهورة في جميع أنحاء إيران والتي لم تُتح لها فرصة زيارتها أثناء زيارتها الأولى. قامت بزيارتي وأمضت أربعة أيام في منزلي الواقع في شمال إيران. لقد كانت المرة الأولى التي أُصبح فيها دليل سياحي للمدينة التي ولدت فيها, كذلك قمت باصطحابها للأماكن المشهورة والمعروفة في المحافظة. وكانت هذه فرصتي الوحيدة التي قمت فيها بإكتشاف مسقط رأسي بطريقة جيدة. فهذه المرة وبمعزل عن كوني أعرف أنني أنتمي لهذه المدينة إنتابني شعور الزائر وشعرت وكأنني سائح, ربما من الأفضل القول أنه كان لديّ زائر.

كان لدينا يوم واحد فقط للتجول في لاهيجان وأحسست أن الوقت الذي قضيناه في مسقط رأسي لم يكن كافياً فما زال هناك الكثير من الأماكن التي لم نجد الوقت لزيارتها. حاولت أن أقوم ببعض الأمور السياحية مع سلام. لذلك قمنا بزيارة مقام الشيخ الزاهد, المكان الذي دفن فيه هذا العالم الإيراني المعروف. بعد ذلك, أوقفنا السيارة في منتصف الطريق لنذهب عميقاً ضمن حقول الشاي والتي كانت مزدهرة وخضراء في ذلك الوقت من السنة. وبعد انتظار دام ساعة في الطابور الطويل قمت وللمرة الأولى مع سلام وأختي بصعود التلفريك وذهبنا نحو الجبال. بعد ذلك قمنا بالعودة للمدينة وزرنا متحف الشاي, وبعدها قمنا بالسير حتى نهاية الطريق متجهين للبحيرة حيث قمنا بشرب قهوة لذيذة في المقهى المفضل لدي, وعندما غابت الشمس بشكل كامل عدنا للبحيرة حيث أمضينا هناك بعض الوقت. بالضحك, والبهجة وفي هذا الجو الربيعي المنعش كنت أُوضح لسلام حول تلك الأماكن التي قمنا بزيارتها, عندها بدأتُ بالمرور على الشوارع والأشجار والألوان والشعب في هذه المدينة وكأنها بدت أكثر زهواً, تماماً كما كان يحصل معي عندما كنت أسافر للخارج. وبدأت بالمرور على الأشياء التي طرأت على المدينة وعلى الذكريات القابعة خلف كل إسم وخلف كل مكان. هذه الصورة الجديدة عن لاهيجان أعطتني الكثير من الطاقة الإيجابية فقد كنت أعرف كل شئ عن هذه المدينة الشمالية الصغيرة, هذه المعرفة ولدت عندي حساً بالأمان والطمأنينة والثقة وكأنك تلتقي فجأة شخصاً تعرفه لمرة أُخرى وسط شارع مزدحم في بلد غريب.

لديّ هذه العلاقة الغريبة مع لاهيجان, ليست من نوع الحب أو الكراهية, ولكن نوع من التأرجح صعوداً وهبوطاً. فقد تركت لاهيجان صغيرة ومنذ ذلك الحين أعود إليها بين الفينة والأخرى, وأبقى هنا لفترة من الزمن قصيرة أو طويلة. فأنا ومسقط رأسي صديقين حميمين نعرف بعضنا البعض بشكل جيد, ومع أننا أبتعدنا قليلاً عن بعضنا إلا أننا أبقينا على هذه العلاقة محفوظة في قلوبنا. في ذلك اليوم أدركت أنني لم أقم بأخذ هذه المدينة على محمل الجد كما كان يجب أن يكون. فهذه المدينة فيها الكثير من الأماكن التي طالما بدت عادية بالنسبة لي, ولكن وهذه المرة وبنظرة سائح فقد إختلفت هذه النظرة. فأحياناً وفي بعض الأوقات وبسبب معرفتي الكبيرة لهذه المدينة أقوم بخلط الأمور مع بعضها وأُصبح مشوشة, تماماً كما يحصل معنا عندما نتعامل مع الأشياء أو الأشخاص الذين نعرفهم بشكل جيدٍ جداً.

كسائح في لاهيجان, هذه المدينة التي طالما كنت أناديها بالـ “بيت” ضمتني إليها بحرارة. كلانا قد كبر كثيراً. ومع ذلك, فإن هذه المدينة قد حبست أنفاسي وجعلتني أبتسم مع كل تلك الذكريات التي سمحت لي باسترجاعها.

31

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 6 أغسطس 2018 - 11:04 بتوقيت مكة