آية الله السيد محمد حسين فضل الله
إن صورة الإمام في أخلاقه مع الناس، وسيرته وتهذيبه الأخلاقيّ وتواضعه لمن هو أدنى منه وأقلّ، تتحدث عنها الروايات بكثرة ،فيذكر عنها في ما رُويَ عن إبراهيم بن العبّاس قال: "ما رأيت أبا الحسن الرضا(ع) جَفَا أحداً بكلام قطّ ـ عاش(ع) مع الناس كلِّهم، مع الصغير والكبير، مع أصدقائه وأعدائه، ومع الطبقات الدنيا في المجتمع.. ومن الطبيعي أنَّ الإنسان الذي يعيش مثل هذه التجربة في علاقته بالناس، لا بدَّ أن يصطدم مع الناس، وأن يتألم من مواقفهم السلبيّة، ويتأذّى بشيءٍ يأتيه من هذا وذاك، وكم هم الناس الذين كانوا يؤذون أهل البيت(ع) في داخل السلطة وخارجها، ومن الطبيعي أن يعبّر الإنسان عندما يؤذيه الناس الآخرون ويتعسّفون معه، بأن تصدر منه كلمةٌ قاسيةٌ ضدَّ من يؤذيه، أو كلمةٌ غليظةٌ ضدّ مَن يعتدي عليه.. أليست هذه سيرة الناس في ما يواجهونه من مشاكل ومن عُقَد؟ ولكنّ الإمام الرضا(ع) كان يملك تهذيب الكلمة، لأنَّه كان يقرأ القرآن قراءةً تنفتح على الإنسان في سلوكه، وكان يقرأ قوله تعالى: {وقُلْ لِعِبادي يقولُوا الّتي هي أَحْسَن} [الإسراء:53].
كان يطلق الكلمة الأحسن مع أعدائه ومع أصدقائه على السواء، ويتحدّث بالكلمة الأفضل مع الذين يؤذونه ومع الذين يُحسنون إليه، لأنَّ قصة الكلمة عندما تصدر منك، إنَّما هي قصتك أنت، فالكلمة تمثّل روحك وعقلك وقلبك، فإذا كنت الإنسان الطيّب، لا بدَّ أن تكون كلمتك طيّبة، وهذا رسول الله(ص) أسوتنا وقدوتنا في ذلك، وأهل البيت(ع) يقتدون به، وهم فرعٌ من ذاك الأصل، ويقول الله تعالى عن رسوله(ص): {فَبِمَا رحمةٍ مِنَ اللّه لِنْتَ لَهُم وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَليظَ القَلْبِ لانفضُّوا مِن حولِك} [آل عمران:159]، فإذا تعلّمنا أن نطلق في مواقفنا الكلمة الطيّبة الحلوة، وتعلّمنا أن نهدّىء أعصابنا، وأن نُحضر عقولنا عندما نتكلّم، فإنَّ ذلك يمكن أن يحقّق لنا الكثير على مستوى العلاقات الاجتماعية التي تحوّل أعداءنا إلى أصدقاء. وهذا ما ذهبت إليه الآية الكريمة: {إدفعْ بالتي هي أحْسَنُ فإذا الذي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عداوةٌ كأنَّهُ وليٌّ حميمٌ} [فصّلت:34].
المصدر:موقع بينات
إقرأ أيضا: الإمام الرضا(ع)...مناقبٌ خرجت عن حد الإحصاء