أولاً: لا بد من الإلتفات الى أن التصريحات الأمريكية تأتي ضمن مسار من الحرب الكلامية المُشتعلة بين الولايات المتحدة وإيران. فقد شهدت الأيام الماضية عدة مواقف تصعيدية بين الطرفين، بلغت ذروتها مع تصريح قائد قوة القدس في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني. وهنا يُدرك الأمريكيون ما يعنيه أن يتصدى سليماني شخصياً للرد، وهو المعني مباشرة بإدارة ساحات الصراع الإقليمية المُتعددة.
ثانياً: ربطاً بالنقطة السابقة، لا بد من التوقف عند المشهد الإقليمي وتغيُّراته لا سيما تعاظم قدرات محور المقاومة وفرضه للمعادلات الإستراتيجية المؤثرة في الصراع. في المقابل تعيش واشنطن وحلفاءها في المنطقة حالة من التخبُّط. فالكيان الإسرائيلي يعيش حسرة عودة سوريا الى ما كانت عليه قبل الحرب السورية. إضافة الى شعوره بالقلق المتزايد من قوة حزب الله العسكرية وتعاظم قدراته كماً ونوعاً. كل ما تقدم، بالإضافة الى التصعيد اليمني الأخير، وتهديد الملاحة في البحر الأحمر وما يعنيه في المعادلات الإستراتيجية للصراع، دلالات تجعل المشهد الإقليمي مُتغيراً لصالح محور المقاومة فيما الطرف المقابل عاجز.
يُعتبر القلق الإسرائيلي طبيعياً فالخيارات التي تمتلكها "تل أبيب" شبه معدومة
ثالثاً: يُعتبر القلق الإسرائيلي طبيعياً. فالخيارات التي تمتلكها "تل أبيب" شبه معدومة. ومن أطلق الخطاب التهدوي تجاه إيران، هو الرئيس الأمريكي ترامب المعروف بمواقفه المتقلبة. وموقفه يعني بالنسبة للإسرائيليين، إشارة، الى امكانية تراجع ترامب عن موقف واشنطن التصعيدي تجاه طهران حالياً أو في المستقبل. وهو ما يكفي ليُشعر "تل أبيب" بخطر إستراتيجي إضافي للخسارات المتراكمة التي باتت تعاني منها. هنا ما زلنا نناقش بالتوجه الأمريكي بعيداً عن موقف الطرف الإيراني وسلوكه الممكن أو المحتمل.
رابعاً: يمكن الربط بين لهجة دونالد ترامب الحالية (التسووية) وتهديداته السابقة، بأنها تأتي ضمن سياق يهدف للضغط على الطرف الإيراني من أجل دفعه للتفاوض من جديد. كما يمكن وضع تصريحه في خانة اللعب على الإختلافات الإيرانية السياسية الداخلية بين مؤيدي ومعارضي المفاوضات حول الإتفاق النووي، في محاولة لإحداث شرخ في الصف الإيراني الذي أظهر رغم التحديات الكبيرة الحالية وحدة في الموقف والآداء، لمواجهة كل ما يُهدد الأمن القومي الإيراني.
عدة نقاط أشرنا لها، توضح حقيقة الموقف الأمريكي المُتقلِّب والمتخبِّط. ولعل الزيارة التي أعلن عنها الكيان الإسرائيلي والتي سيقوم بها رئيس مجلس الأمن القومي الأميركي جون بولتون لـ"تل أبيب" منتصف الشهر الحالي، والتي سيكون محورها "السياسة الأميركية تجاه إيران"، توضح أيضاً حجم القلق الإسرائيلي.
لكن الحقائق البعيدة عن الخطاب والحرب الكلامية، تُشير الى أن العقوبات الأمريكية لم تدخل حيز التنفيذ بعد، وبالتالي فإن خيارات واشنطن في الضغط على إيران لم تُستنفذ. مما يُبقي واشنطن في مسار التصعيد حالياً دون استبعاد أي سيناريوهات أخرى. ما يجعل التقدير الأمثل للموقف الأمريكي، بأنه عبارة عن محاولة لتجنب التصعيد في الصراع العسكري بين واشنطن وطهران، ولو مرحلياً، وإبقاء سقف الحرب بالرسائل الكلامية. أما "تل أبيب"، ومنذ بداية خساراتها المتكررة في سوريا، وفقدانها عامل الإطمئنان الإستراتيجي، فهي لن تستطيع بعد اليوم، إلا أن تعيش القلق!
محمد علي جعفر
31