الى من يؤيد التطبير... مبرراتكم واهية!!!

الجمعة 27 يوليو 2018 - 14:12 بتوقيت مكة
الى من يؤيد التطبير... مبرراتكم واهية!!!

إنّ ما دلّ على محبوبيّة البكاء والإبكاء ناظر إلى الطرق الإنسانيّة المألوفة لذلك، ولا يشمل الوسائل غير المتعارفة في التعبير عن الحزن، كما هو الحال في عادة ضرب الرأس بالسيف...

في هذه المقالة سنتكلم عن المقاربة الفقهية لهذه المسألة الحساسة، و نستعرض أدلة المدافعين عن هذه العادة. فالمدافعون عن التطبير تشبَّثوا بعدّة وجوه وشواهد وهي ما يلي:

الأول: إنّه لا دليل على حرمة هذا العمل رغم أنَّ فيه إضراراً بالنفس، ولكن هذا المقدار من الإضرار لم تثبت حرمته، وإنّما ثبتت لدينا حرمة قتل النفس أو قطع الأعضاء أو نحو ذلك، أمّا ما دون ذلك من إلحاق الأذى بالنفس، فهو محكوم بالحليّة، بمقتضى أصالة البراءة والحلية الثابتة بحكم العقل القاضي بقبح العقاب بلا بيان، وبحكم الشرع، من خلال قوله تعالى:{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} (الإسراء:15).

ولكن نقطة الضعف في هذا الاستدلال هي نهوض الدليل على الحرمة، كما سيأتي، ومعه، فلا مجال للتمسك بالأصل المذكور، كما هو معلوم ومحقق لدى الفقهاء والأصوليين.

الثاني: إنّه لا ريب في أنَّ البكاء والإبكاء على الإمام الحسين(ع) مطلوب ومستحبّ، كما نصت عليه الروايات العديدة والمتظافرة الواردة عن الأئمة (ع)، والبكاء أو الإبكاء فعلٌ يحتاج إلى محفّز، والمحفّز إمّا قوليٌّ كذكر المصائب وإنشاد المراثي، أو عمليٌّ كضرب الرأس بالسيف.

والجواب: إنّ ما دلّ على محبوبيّة البكاء والإبكاء ناظر إلى الطرق الإنسانيّة المألوفة لذلك، ولا يشمل الوسائل غير المتعارفة في التعبير عن الحزن، كما هو الحال في عادة ضرب الرأس بالسيف.

الثالث: إنّ في هذا العمل (إدماء الرأس) اقتداءً بالحسين(ع) وصحبه، ومواساةً وتعزيةً "لآل البيت (ع)"، ولا ريب في أنّ الاقتداء بالحسين(ع) مطلوب ومحبوب، ومواساة أهل البيت (ع) هي من أعظم القربات.

 

والجواب على هذا الاستدلال الذي هو من غرائب الكلام :

أولا : إنّ الاقتداء بالإمام الحسين (ع) يكون بأن نُقتَل حيث قُتِل، ونجرح رؤوسنا حيث جَرَح رأسه، وهو لم يجرح نفسه بعقل بارد وهو يسير في الطرقات، وإنّما جرح نفسه وضحَّى بنفسه وهو في ساحة المعركة، يقاتل في سبيل الله، فلنجرح رؤوسنا ونبذل دماءنا في مواجهة العدو، فبذلك يكون الاقتداء .(1)

ثانيا: أمّا مسألة المواساة، فإنّها مطلوبة ومستحبَّة بالتأكيد، ولكن السؤال : كيف تكون المواساة، ثم لمن تكون ؟ أمّا السؤال الأول عن كيفية المواساة، فجوابه : أنها تكون بالطرق المألوفة والمتعارفة، دون الطرق المستهجنة أو المحرّمة، ومسألة أن يجرح الإنسان نفسه لأنَّ حبيبه جُرِح، أو يجلد ظهره لأنّ حبيبه جُلِد، ليست من أساليب المواساة لدى العقلاء، ليشملها ما دلّ على مطلوبيّة المواساة.

وأما السؤال الثاني، وهو : مَنْ نُواسي بهذه التصرُّفات؟

فالذي يتردَّد على الألسن أنّنا نواسي سيدتنا الزهراء (ع) أو رسول الله (ص) أو أمير المؤمنين (ع) ، نواسيهم بدمعتنا ولطمنا على الصدور وجرح رؤوسنا.

من اللطيف ما ذكره الشهيد مطهَّري تعليقاً على قضيّة مواساة الزهراء، قال (رحمه الله): "إنّ هذا أمر مثير للسخرية، فهل تحتاج الزهراء بعد مرور 1400 عام على المأساة إلى المواساة، في الوقت الذي نعلم أنّها الآن مجتمعة مع الحسين (ع)... وهل إنَّ فاطمة عندكم طفلة صغيرة حتى تظلّ تلطم وتبكي بعد 1400 عاماً حتى نأتي لنعزّيها ونأخذ بخاطرها هذا هو الكلام الذي يخرّب الدين" .(2)

الرابع: إنّ العقيلة زينب الكبرى (ع) عندما رأت رأس أخيها الحسين(ع) مرفوعاً فوق الرمح أمام محملها نطحت جبينها بمقدَّم المحمل حتى سالَ الدم وتقاطر من تحت قناعها(3)، وقد حصل هذا العمل بمرأى الإمام زين العابدين (ع) وقد أقرّه وأمضاه ولم ينهها عنه.

ولكن هذا الدليل مردود لعدة وجوه أهمها:

أولا : إنّ الرواية التي نقلت ذلك ضعيفة السند؛ لأنّها مرسلة، كما صرّح بذلك العلامة المجلسي (4)، قال: "رأيت في بعض الكتب المعتبرة رُوي مرسلاً عن مسلم الجصاص"، ثم ذكر الرواية، ومع ضعف الرواية سنداً فلا تصلح لإثبات حكم شرعي، وهو إباحة ضرب الرؤوس بالسيوف، والظاهر أنَّ الكتاب الذي نقل عنه المجلسي هذه الرواية هو "المنتخب" للطريحي، كما ذكر العلامة النقدي (5)، وكون الكتاب معتبراً عند المجلسي كما ذكر في كلامه، لا يعني أنّ رواياته كلّها معتبرة عنده، فضلاً عن غيره، كما هو واضح.

ثانيا: إنّ من المستبعد صدور هذا الفعل من العقيلة زينب(ع)؛ لأنّه مخالف لوصيّة أخيها الإمام الحسين (ع)، فإنّه أوصاها قائلاً: "أُخيّة، إنّي أقسمت فأبري قسمي، لا تشُقِّي عليَّ جيباً، ولا تخمشي عليّ وجهاً، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هَلَكْت" (6). وهذه الوصيّة فضلاً عن كونها واردة في مصادر أكثر اعتباراً من تلك الرواية، فإنّها منسجمة مع العمومات أوالمطلقات الكثيرة الناهية عن خمش الوجه، وفي بعضها النهي عن لطمه(7) ، واستناداً إلى هذه الروايات أفتى فقهاؤنا بحرمة خمش الوجه ولطمه، بل ادعي عليه الإجماع .(8)

فإذا كان الحسين (ع) ينهى زينب(ع) عن مجرّد خمش وجهها، فكيف تنطح جبينها حتى يسيل الدم؟!

وقد تطرح محاولتان لرفع المنافاة المذكورة بين ما تضمنته تلك الرواية وما اشتملت عليه الوصية :

المحاولة الأولى: أن يقال: إنّ الإدماء لم يكن مقصوداً لزينب(ع) ولا كانت تتوقّعه عندما لطمت رأسها، فلا يتنافى فعلها هذا مع وصية الإمام (ع) لها.

ولكنّ هذا التوجيه لئنْ رفع المنافاة، فإنّه سيقضي على إمكانية الإستدلال بالرواية لإثبات جواز الإدماء؛ لأنّ إدمائها (ع) لرأسها غير مقصود لها بحسب الفرض.

المحاولة الثانية: أن يقال: إنّ وصية الحسين (ع) نهتها عن خمش الوجه، وكلامنا في إدماء الرأس.

بيد أنّ هذه المحاولة أضعف من سابقتها، وذلك لأننا في هذه المرحلة من البحث لا نبغي الاستدلال بما جاء في الوصية على حرمة التطبير ليورد علينا بما ذكر، وإنّما نريد القول بأنّ الوصية معارضة للرواية المذكورة، والمعارضة محققة، لأنّ تلك الرواية لم ترد في إدماء الرأس ليقال بعدم المنافاة بينها وبين الوصية، وإنما نصّت على أن زينب نطحت جبينها حتى سال الدم، والجبين جزء من الوجه، فالتعارض بينها وبين الوصية الناهية عن خمش الوجه محكم، هذا على أن لقائل أن يقول: إنّ ما ورد في الروايات من النهي عن خمش الوجه يستفاد منه حرمة إدماء الرأس أيضا ولو في غير الوجه أيضا، لأنّ خمش الوجه هو بنظر العرف مثال للإدماء، أو أنه تعبير عن الجزع.

الخامس: إنّه ورد في الخبر عن الإمام الرضا (ع): "... إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا..."(9) ، بتقريب أنّ تقريح الجفون معناه جرحها .

ولكنّ هذه الرواية، فضلاً عن كونها غير نقيّة السند(10)، ، فإنّها لا تدلّ على المدعى وهو جواز التطبير، إذ يمكن الاعتراض على دلالاتها:

أولا: إنَّ تقريح الجفون هو عبارة عن ظهور أثر البكاء على جفون العين، فترى محمرة لذلك، وهذا التقريح لا يصل إلى حد الجرح كما لا يصل ضرره إلى حدّ ضرب الرأس بالسيف وما يستتبعه من نزف كثير للدم وربّما إغماء، ولذا فإنّ الكثير ممن يضربون قاماتهم يضطرون إلى مراجعة المستشفيات والأطباء، كما نرى ذلك رأي العين، وعليه، فلا يقاس الأعلى بالأدنى.

ثانيا: إنَّ تقريح الجفون – كما يرى السيّد الأمين في رسالة التنزيه – يحصل بصورة قهرية، نتيجةً لكثرة البكاء وليس عن اختيار وتعمُّد – كما في ضرب الرأس – وإنْ لم يمكن الجزم بذلك، فلا أقل من احتماله احتمالاً قوياً يمنع من الاستدلال. وعِلْمُ الإمام (ع) بترتّب القرح على بكائه غير معلوم إلّا من باب عِلْم الغيب الذي لو سلم لا يكون مناطاً للتكليف.

السادس: إنّ الإدماء هو من مصاديق الجزع، والجزع وإن كان مبغوضاً في المصائب لكنه جائز في خصوص مصيبة أبي عبد الله الحسين(ع)، بل ومحبوب، طبقاً لما جاء في الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار (ع) والتي تتقدم على العمومات والمطلقات الناهية عن الجزع تقدم الخاص على العام والمطلق على المقيد.

ويلاحظ على ذلك:

أولاً: إنّ الرواية الأساس والتي عليها الاعتماد من روايات الجزع هي رواية معاوية بن وهب عن الصادق (ع) والتي جاء فيها: "كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين (ع)" (11) ، وبصرف النظر عن سند ها وما فيه من إشكال (12)، وبصرف النظر أيضاً عما قيل بشأنها أو يقال من منافاتها لحكم العقل باعتبار أنّ الجزع في بعض تعبيراتها العنيفة كالتطبير أو نحوه مما قد يدخل تحت ظلم النفس هو أمر قبيح في ذاته (13)، أو هو في الأقل صفة غير حسنة في الإنسان بل مستقبحة عقلائياً، وبصرف النظر عما قد يُطرح كمعارضٍ لرواية الجزع تلك، والمعارض هو ما تقدم من نهي الإمام (ع) لزينب عن خدش وجهها حزناعليه، باعتبار أنّ الخدش من مصاديق الجزع كما هو واضح، وبصرف النظر أيضاً عن منافاته - أي الجزع- لقيمة الصبر التي أكدّ عليها القرآن بتأكيدات لا تقبل التقييد، الأمر الذي يجعل من الصعب الركون إلى هذه الرواية أو غيرها في إثبات هذا الحكم المخالف للمطلقات والعمومات الناهية عن الجزع ولا سيما بناءً على مبنى حجية الخبر الموثوق، أقول: بصرف النظر عن ذلك كله، فإنّ هذا الخبر يتضمن ما لا يمكن الالتزام به وهو الحكم بكراهة البكاء إلاّ على الإمام الحسين (ع)، فإن هذا مما لا يمكن الإلتزام به، إذ كيف يُحكم بكراهة مطلق البكاء، والحال أنه أمر فطري، وقد بكى رسول الله(ص) على ولده إبراهيم (ص) وعلى جعفر بن أبي طالب، وبكت الزهراء (ع) على أبيها(ص) وعلى أختها رقية بنت رسول الله (ص)، وبكى الكثير من الأئمة (ع) في موارد مختلفة . (14)

ولأجل ما ذكرناه من الإشكال فقد سعى غير واحد من الفقهاء لتوجيه الكراهية الواردة في هذا الخبر بتوجيه يرفع الإشكال والإعتراض ، وقدّم في هذا المجال توجيهان:

الأول: ما ذكره الشيخ يوسف البحراني حيث قال: إنّ "المراد بالكراهة هنا عدم ترتب الثواب والأجر عليه مجازاً لا الكراهة الموجبة للذم" .(15)

الثاني: ما ذكره السيد الخوئي رحمه الله من أنّ "المراد بالكراهية فيه الكراهية العرفية، لعدم مناسبته – أي البكاء- مع الوقار والعظمة والمنزلة" .(16)

إلا أنّ هذين التوجيهين مخالفان للظاهر، ولا سيما الثاني، فلا يصار إليهما، والسيد الخوئي رحمه الله معترف بأنّ ما ذكره هو تأويل للخبر، فلا ملزم للأخذ به، لأنّنا ملزمون باتباع الظواهر دون الإحتمالات والتأويلات، ومن الواضح أنّ حمل الكراهية في كلام المعصوم على الكراهة العرفية هو مجرد احتمال يحتاج إلى قرينة، لأن المعصوم هو في صدد بيان الأحكام الشرعية، لا الأحكام العرفية، على أن كراهية البكاء عرفا وعدم مناسبته للوقار أمرغير دقيق، إذ لنا أن نسأل أين هو العرف الذي يستنكر البكاء؟ وهل يستنكره بالنسبة للرجال أم للنساء ؟ لا يخفى أنّ النساء من دأبهن البكاء ولا يعيبهن ذلك، والرجال أيضا يبكون في المصائب ولا يعيبهم ذلك ولا ينافي وقارهم، أجل المكروه عرفا هو مرتبة من البكاء تبلغ حد الجزع، وفي ضوء ما تقدم من عدم وجود جواب مقنع للإشكال المتقدم، فسوف يضعف الوثوق بالخبر المذكور، ويزداد وهنا على وهن، ولا سيما على مبنى القائلين بحجية الخبر الموثوق.

ثانياً: مع التسليم بصحة الرواية وقابليتها لتخصيص المطلقات وإمكان توجيه كراهة البكاء الواردة فيها بشكل أو بآخر، إلاّ أنّ كون التطبير من مصاديق الجزع غير واضح، لأن التعبير عن الجزع لدى الناس لم يعهد من خلال الإدماء ولم يُعرف عن أحداً أنه كان يعبر في حالات جزعه بجرح رأسه وإدماء نفسه بشكل متعمد واختياري، وإن كان قد يحصل الإدماء ويترتب على بعض تصرفات الإنسان الجزع بشكل غير مقصود له.

ثالثاً: مع التسليم بمصداقية التطبير للجزع إلا أنّ ما دلّ على حرمة التطبير ولو بالعنوان الثانوي – كما سيأتي- يخرجه عن المصداقية المذكورة إخراجاً حكمياً، لأنّ الجزع - على فرض إباحته - لا يُؤدى بطريقة محرمة، أترى هل يتوهمنّ أحد أنّ دليل الجزع يشمل صورة خلع الإنسان ثيابه بالكلية والمشي عارياً أمام الناظر المحترم باعتبار أنّ ذلك من مصاديق الجزع؟! أو يشمل صورة خلع المرأة لحجابها وكشفها لأجزاء من جسدها بنفس الإعتبار؟ وهل يتحقق الجزع بقطع الإنسان لبعض أصابع يده؟! بالطبع لا، لأنّ دليل الجزع ليس مشرّعا أو مبيحا للمحرمات، وإنما يؤدى الجزع – على فرض شرعيته في نفسه - بالطرق المشروعة، وعليه، فلا بدّ من إثبات عدم حرمة التطبير في الدرجة الأولى ليتمسك بعد ذلك بدليل الجزع لإثبات إباحته.

رابعاً: إنّ المستفاد من بعض الروايات أنها وضعت سقفاً أعلى للجزع فلا يُتجاوز، ففي خبر جابر عن أبي جعفر (ع)، قال: "قلت له: ما الجزع؟ قال: أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر وجز الشعر من النواصي"(17). فهذا هو أقصى الجزع وأشده أما ما هو غير ذلك أو أعنف منه كالتطبير فلا يدخل في الجزع، وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند، إلاّ أنّها تؤيد ما ذكرناه.

وهناك حجج أخرى لمؤيّدي التطبير أضعف ممّا تقدّم فلا ضرورة لذكرها.

إقرأ أيضا:رسالة... إلى المدافعين عن التطبير

إقرأ أيضا:التطبير ... جاءنا من أرثوذكس القوقاز؟!

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الجمعة 27 يوليو 2018 - 12:53 بتوقيت مكة