صدّق أو لا تصدّق... أول عملية زرع رحم في لبنان والشرق الاوسط وشمال افريقيا، حصلت في مستشفى بيلفو الطبي في لبنان بعد أن انتهت بنجاح. فقد سجل لبنان انجازا طبيا بطلته طبيبة لبنانية. اذ انه زرع الأمل في أحشاء امرأة متزوجة حالمة بالأمومة.
رهام شحاة شابة أردنية متزوجة ذات الـ 26 عاما، تعاني من متلازمة "ماير روكيتانسكي كوستر هاوزر" وقد ولدت من دون رحم. رغم ذلك، لم تفقد الأمل بل تشددت بحلمها وراحت تبحث برفقة زوجها عن حلول وعلاجات للتخلص من مشكلتها الصحية. ومن هنا بدأت "المغامرة" اذ وجدت رهام الطبيبة رندة عاقوري، بطلة لبنانية بإمكانها تحقيق حلمها.
سنتان استغرقت عملية التحضير، من إجراء الفحوص الطبية اللازمة والمتابعة للتأكد من جهوزية الشابة. وفي 21 حزيران الماضي، خضعت رهام لأول عملية زرع رحم في لبنان والشرق الاوسط وشمال افريقيا بمساعدة فريق طبي لبناني وبالتعاون مع فريق طبي سويدي متخصص، بقيادة البروفيسور ماتس برانستورم والطبيبة اللبنانية رندة عاقوري.
وكانت قد تبرعت لها والدتها برحمها، وهي تبلغ 50 عاما. واستغرقت العملية حوالي 18 ساعة متتالية، مقسمة ما بين 12 ساعة لاستئصال الرحم من والدة رهام، و6 ساعات أخرى لزرع الرحم في أحشاء الابنة المتلقية.
صحيح أن العملية حصلت منذ شهر تقريبا، ولكن الاطباء أرادوا التأكد من نجاح العملية تماما ومن عدم حدوث أي مضاعفات، فخضعت المتلقية للمراقبة مدة شهر كامل، على أن يتبع هذه المرحلة التلقيح الصناعي (IVF) بعد 9 أشهر لزرع الاجنة، وليسفر عن هذه العملية في ما بعد حمل طبيعي وولادة سليمة.
وتجدر الاشارة الى ان وزارة الصحة اللبنانية بدورها كانت وضعت أطرًا تنظيمية واضحة حول عملية زرع الرحم التي حصلت، بمشاركة ومتابعة من اللجنة الوطنية لوهب الأعضاء ووزارة الصحة العامة.
اذاً حلم رهام بأن تصبح أمّ لم يعد أمراً صعب المنال، بل أصبح حقيقة. وما أجمل أن تحمل رهام رحم والدتها الذي حملها 9 أشهر، ويكون هو الأمل بولادة طفل جديد.
هذه العملية لم تكن بشرة خير على رهام وعائلتها فحسب، بل نجاحها سيعطي الأمل لنساء كثيرات كنّ قد فقدن الأمل بالانجاب لاصابتهن بأمراض في الرحم أو لولادتهن من دون رحم، وهو نوع العقم الوحيد الذي يفتقر إلى العلاج حاليا. وتشير التقديرات الى ان عدد النساء المصابات بهذا النوع من العقم يصل الى 100000 حالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وتركيا.
ويذكر إلى أن المرأة التي تخضع لهذه الجراحة تحتفظ بالرحم المزروع لديها حتى تنجب أطفالها. وغالبا ما يستعمل الرحم مرة أو مرتين، ثم يتم إزالته، لتتجنب بذلك أخذ أدوية كابتة للمناعة طيلة حياتها.
مستشفى بلفو من بين الأوائل عالميا لاختبار زرع الرحم
برعاية وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال غسان حاصباني وحضوره، عقد مستشفى ومركز بلفو الطبي مؤتمراً صحافياً يوم أمس، بمشاركة المدير الطبي ونائب الرئيس عن الشؤون الطبية في المستشفى البروفسور غسان معلوف والمدير التنفيذي نايف معلوف، أعلن خلاله عن نجاح أول عملية زرع رحم في لبنان والمنطقة.
وفي هذا السياق، استهل حاصباني كلمته مهنئا لبنان "بهذا الإنجاز الجديد للقطاع الصحي والفريد من نوعه الذي يجعله سباقا، إذ إن عشرة مراكز فقط في العالم قادرة على القيام بعمليات زرع الرحم، ما يجعل لبنان أول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ويعطي الأمل للسيدات اللواتي يردن أن يصبحن أمهات بالإنجاب".
ووجه حاصباني التحية للفريق الطبي في مستشفى "بلفو"، وقال: "إن هذا الفريق كان حريصا على أن تجري العملية ضمن الإطار الصحيح، ما يسهم في إعطاء صورة مشرقة عن لبنان من ناحية الإنجازات، رغما عن كل الذين يبذلون جهدهم من داخل لبنان أو من خارجه لتشويه صورة لبنان والتشويش على الذين يعملون بالأسلوب الصحيح".
وتابع حاصباني: "التقارير الدولية الآنية تقول إن لبنان يحتل المرتبة الأولى في العالم العربي والمرتبة الثانية والثلاثين على المستوى الدولي. وهذه المرتبة الأخيرة تعني أنه متقدم ببضع نقاط على الولايات المتحدة الأميركية من ناحية الخدمات الصحية. وهذا الواقع يدفع إلى توجيه التهنئة للبنان ولكل من يعملون بصدق لتطوير القطاع الصحي".
ويشار الى ان مستشفى ومركز "بلفو" الطبي كان قد وقع عام 2016 اتفاقية مع جامعة جوثنبرج في السويد ليصبح بين الأوائل عالميا، حيث يجري اختبار زرع رحم. وتم اختيار المستشفى لتوقيع اتفاقية الاختبار حصريا معه في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وتركيا وفقا للمعايير العالية الجودة التي يتبعها.
ومن جهته، تحدّث الرئيس التنفيذي في "بلفو" نايف معلوف، عن سبب اختيار الفريق الطبي السويدي للمركز، فلفت إلى أنه "بعد مسيرة دامت عامين من التواصل مع الفريق السويدي تحقق أخيراً هذا الإنجاز الذي يؤكد أن لبنان ليس منارة في العالم الاستشفائي في المنطقة العربية وحسب، بل هو موضوع على الخارطة العالمية في هذا الإطار، إذ إنه واحد من بين 10 بلدان فقط حول العالم تقوم بعمليات زرع الرحم".
وأضاف أنّ الفريق الطبي السويدي تأكد من أن "بلفو" يستوفي الشروط والمقومات اللازمة ومنها على سبيل المثال تجهيزات غرف العمليات ووجود أنظمة تهوئة متقدمة منعاً للالتهابات وفريق تمريضي قادر على متابعة الواهبة والمتلقية بعد العملية… وهذا ما يؤكد أننا في سلم الريادة في لبنان، بل في الشرق الأوسط".
ما هو معدل نجاح هذه العملية؟
تماما كمضاعفات زراعة أي عضو آخر، ثمة مضاعفات محتملة بعد إجراء عملية زرع الرحم، فيمكن أن تتمثل في رفض الرحم المزروع أو التهاب أو نزف دموي في مكان الزرع.
ومن هذا المنطلق، يشار الى ان معدل نجاح هذه العملية جيّد اذ أنه، على سيبل المثال، ولد في السويد 8 أطفال من إجمالي 11 عملية زرع ناجحة. كما انه مع الفريق السويدي، ولد في كل من البرازيل وصربيا طفل من عملية زرع واحدة.
من هي الطبيبة رندة عاقوري
الدكتورة اللبنانية رندا رشو عاقوري من العاقورة في جبيل، غادرت لبنان مع عائلتها عام 1980 بسبب الحرب اللبنانية، وعاشت في السويد. وأصبحت إختصاصية في الطب النسائي والعقم.
ودخلت الدكتورة رندة التاريخ الطبي من الباب العريض، اذ سجلت إنجازا طبيا في السويد وانتشر ليصل الى العالم، بعدما استطاعت منح "الأمومة" لامرأة سويدية بلا رحم تبلغ من العمر 32 عامًا، إثر خضوعها لعملية "زرع رحم" هي الأولى من نوعها في العالم، في أيلول 2014.
عام 2015، أعلنت الطبيبة والباحثة اللبنانية رندة عاقوري أنها قررت، بالتعاون مع المستشفى والجامعة التي تعمل لديها في السويد، تأسيس أول مركز لزرع الأرحام في العاصمة اللبنانية بيروت، بمساعدة البروفيسور ماتس برانستروم.
وها هي اليوم، بمساعدة فريق طبي لبناني وسويدي تحرز انجازا طبيا هو الاول من نوعه في لبنان، بزرع رحم لامرأة أردنية وإتمام العملية بنجاح.