دخل دعبل الخزاعيّ (رحمه الله) على الامام الرضا (عليه السلام) بمرو، فقال له: يا ابن رسول الله إنّي قد قلت فيك قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك، فقال (عليه السلام): هاتها، فأنشده:
مدارس آيات خلت عن تلاوة ***** ومنزل وحي مقـفـر العرصات
فلمّا بلغ إلى قوله:]
أرى فيئهم في غيرهم متـقسّماً ***** وأيـديـهم من فـيـئهـم صـفـرات
بكى الامام الرضا (عليه السلام) وقال له: صدقت يا خزاعيّ. فلمّا بلغ إلى قوله:
إذا وتروا مدّ وا إلى واتريهم ***** أكـفـاً عن الأوتار منقـبضات
جعل الامام (عليه السلام) يقـلـّب كفـّيه ويقول: أجل والله منقبضات. فلمّا بلغ إلى قوله:
لقد خفت في الدّنيـا وأيّـام سعـيها ***** وإنّـي لأرجـو الأمـن بعـد وفـاتي
قال الرّضا (عليه السلام): آمنك الله يوم الفزع الأكبر. فلمّا انتهى إلى قوله:
وقـبـر بـبـغـداد لـنـفـس زكـيّــة ***** تـضـمّـنها الـرّحمان فـي الغـرفـات
قال له الرّضا (عليه السلام): أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين، بهما تمام قصيدتك؟ فقال: بلى يا ابن رسول الله، فقال (عليه السلام):
وقـبـر بطـوس يـــا لها مـن مصــــيبـة ***** تـوقـّـد بالأحـشاء فـي الحـرقـات
إلى الحـشر حـتـّى يبـعث الله قائـماً ***** يـفـرّج عـنّـا الـهـــــمّ والـكــربـات
فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟ فقال عليه السلام: قبري! ولا تنقضي الأيّام واللـّيالي حتّى يصير طوس مختلف شيعتي وزوّاري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له.
ثمّ نهض الرّضا (عليه السلام) بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة وأمره أن لا يبرح من موضعه، ودخل الدار فأرسل له بيد الخادم صرة فيها مائة دينار.
فقال دعبل: والله ما لهذا جئت، ولا قلت هذه القصيدة طمعاً في شيئ يصل إليّ، وردّ الصرّة، وسأل ثوباً من ثياب الرّضا (عليه السلام) ليتبرّك به، ويتشرّف به، فأنفذ إليه الرّضا (عليه السلام) جبّة خزّ مع الصرّة.
فأخذ دعبل الصرّة والجبّة، وانصرف.
المصدر: وكالة أهل البيت(ع)