وسلط الشيخ راشد الشرقي الضوء على خلافات بين الإمارات السبع المكونة لدولة الإمارات العربية المتحدة متهما إمارة أبو ظبي بالتفرد بقرار المشاركة في حرب اليمن والابتزاز وغسل الأموال وذلك في تصريحات جديدة أدلى بها لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
في الذكرى السنوية الأولى للأزمة الخليجية، تلك الأزمة التي اندلعت في الخامس من يونيو/ حزيران 2017، عندما قامت السعودية والإمارات ومصر والبحرين بسحب السفراء من قطر، وفرض حصار اقتصادي وسياسي عليها. كان لدى البعض أمل في أن تكون هذه الذكرى مناسبة جيدة لحلحلة الأزمة، لكن هذه الآمال أخذت تتبدد شيئًا فشيئًا بعدما تواترت أخبار عن لجوء نجل أحد حكام الإمارات إلى قطر في انشقاق يبدو أنه الأول من نوعه في تاريخ الإمارات العربية المتحدة.
وبدا الخبر عند تداوله أول الأمر، شائعة سخيفة غير قابلة للتصديق، لكن نشر جريدة الأخبار اللبنانية، المعروفة بقوة واطلاع مصادرها، للخبر في 29 مايو/ آيار الماضي أعطاه بعض المصداقية، ثم جاءت جريدة التليجراف البريطانية، بعدها بـ10 أيام، لتؤكد أن الخبر صحيح.
ما الذي نعرفه حتى الآن؟
ويدعى الأمير الإماراتي اللاجئ إلى قطر، الشيخ راشد بن حمد بن محمد الشرقي، وهو نجل حاكم إمارة الفجيرة ورئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام. من مواليد العام 1987، ويحمل شهادة الدكتوراة في الاقتصاد من جامعة لندن متروبوليتان عام 2013، وماجستير في التمويل والاستثمار عام 2010 من الجامعة ذاتها، وبكالوريوس في الإدارة العامة عام 2009 من "جامعة ويبستر" في المملكة المتحدة.
واتفقت مصادر الأخبار والتليجراف على أن الشيخ راشد ذهب بقدميه إلى سفارة قطر في لندن، وطلب اللجوء. رحبت الدوحة بالصيد الثمين وآوته في سفارتها بلندن لمدة 3 أيام، ثم نقلته بسيارة دبلوماسية تابعة لها إلى مطار هيثرو البريطاني، ومنه بطائرة خاصة إلى الدوحة التي دخلها بجواز سفره الدبلوماسي.
واستعان الإماراتيون بالبريطانيين للكشف عن مكان الشيخ الشاب، عقب اكتشافهم اختفاءه من جناحه في فندق «45 بارك لاين»، الذي كان يقيم فيه منذ 34 يومًا. أجرى ضباط وحدة الحماية الدبلوماسية البريطانيون تحرياتهم ثم أكدوا لسلطات أبو ظبي لقاء راشد الشرقي بشيخ قطري من آل ثاني في ردهة فندق «45 بارك لاين» في اليوم نفسه الذي اختفى فيه، ملمحة إلى أن الشيخ الإماراتي ليس مختطفًا، وذهب إلى القطريين بإرادته.
وبحسب التليجراف، فقد أخبر الشيخ راشد بعضًا من أصدقائه بأنه التقى السفير القطري ببريطانيا وعددًا من مسئولي السفارة عدة مرات خلال الفترة التي قضاها في لندن، ما يشير إلى وجود مفاوضات بين الأمير والسلطات القطرية من أجل الوصول لاتفاق بخصوصه.
وقالت مصادر الجريدة البريطانية إن السبب في هروب ابن حاكم الفجيرة إلى قطر عدو بلاده، هو تدهور علاقته بالرجل الأقوى في الإمارات ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، والتي أدت إلى طلب الأخير تعيين الشقيق الأصغر للشيخ راشد وليًا لعهد الإمارة بدلًا منه. لكن معلومات التليجراف في هذا الشأن غير دقيقة، فالأمير راشد ليس أكبر أبناء حاكم الفجيرة حتى يصبح وليًا للعهد، بل أخوه الشيخ محمد المولود عام 1986 هو الأكبر، وهو بالفعل ولي عهد الفجيرة منذ العام 2007، ما يعني أن الخلاف بين الشيخ راشد وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، إن كان حقيقيًّا، فليس سببه ولاية عهد الفجيرة.
ورفضت الشرطة البريطانية وإدارة فندق «45 بارك لاين» التعليق على الاستفسارات الصحفية حول الموضوع. كما لم ترد السفارة الإماراتية بالمملكة المتحدة على طلبات جريدة التليجراف المتكررة بالتعليق.
وحتى أسابيع قليلة مضت لم يكن هناك ما يشير إلى نية الشيخ راشد الشرقي الهرب من بلاده أو على وجود أزمة بينه وبين أحد من حكام الإمارات، فظهور الشاب كان طبيعيًّا للغاية، حتى أنه أطلق في 29 مارس/ آذار الماضي جائزة باسمه للإبداع خلال فعاليات منتدى الفجيرة الثقافي، كما شهد ختام الدورة العاشرة لمهرجان الفجيرة للمسرح المدرسي، في 19 من أبريل/ نيسان الماضي.
ويقتصر نشاط الشيخ راشد على المجال الثقافي والاجتماعي باعتباره رئيسًا لهيئة الفجيرة للثقافة والإعلام. ويُذكر له تأليف أغنية ياسم "حلم زايد" التي قُدمت خلال حفل افتتاح مهرجان الفجيرة الدولي للفنون في فبراير/ شباط الماضي.
معارك تكسير العظام مستمرة
لجوء الشيخ الإماراتي راشد الشرقي إلى قطر ليس خبرًا عاديًا، فالشاب الثلاثيني ابن حمد الشرقي حاكم إمارة الفجيرة، وكان يحضر اجتماعات المجلس الأعلى لحكام الإمارات، ما قد يجعله مصدرًا ثمينًا للمعلومات بالنسبة لقطر، وقد يجبر أبو ظبي على التفاوض المباشر مع الدوحة من أجل تسوية الأزمة الخليجية.
امتداد معارك تكسير العظام القطرية الإماراتية لتصل إلى اللعب على خلافات الأسر الحاكمة أمر جديد على الدوحة، لكنه معتاد منذ زمن بالنسبة لأبو ظبي، إذ تدعم سلطات الأخيرة معارضي أمير قطر من آل ثاني، إذ نظمت القيادة الإماراتية، في فبراير/ شباط الماضي، استقبالًا حافلًا للشيخ سلطان بن سحيم آل ثاني، أحد أبرز معارضي أمير قطر من أسرته.
ولأول مرة في تاريخ الإمارات منذ 47 عاماً، يقوم أحد أبناء العائلات الحاكمة في إماراتها السبع، بانتقاد حكام الإمارات علناً.
والشيخ راشد الشرقي، هو الابن الثاني لأمير الفجيرة، وهي واحدة من أصغر الامارات السبع مساحة وأقلها ثراء، وحتى وقت قريب، كان يدير العملية الإعلامية المؤيدة للحكومة المركزية في صراعها مع قطر من مكان إقامته في الفجيرة.
الامير الإماراتي يكشف المستور
قالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية اليوم إنها أجرت حوارا مع الشيخ راشد بن حمد الشرقي.
وذكرت الصحيفة أن الشيخ راشد سلط الضوء في حواره على خلافات بين الإمارات السبع، متهما إمارة أبو ظبي بالتفرد بقرار المشاركة في حرب اليمن والابتزاز وغسل الأموال.
وأوضحت أن نجل حاكم الفجيرة أبلغ المسؤولين القطريين أنه يخشى على حياته بسبب خلافات مع حكام أبو ظبي الذين اتهمهم بالابتزاز وتبييض الأموال، لكن الصحيفة قالت إنه لم يقدم أدلة على هذه الاتهامات.
وأضاف أنه قرر إجراء المقابلة على أمل أن يساهم الاهتمام العلني في حماية عائلته في الفجيرة من ضغوط أبو ظبي، التي قال إن مخابراتها ضغطت عليه لتحويل عشرات ملايين الدولارات نيابة عنها لأشخاص لا يعرفهم في دول أخرى كي لا يبدو الأمر خرقا للقوانين الإماراتية والدولية لجهة غسل الأموال.
وقال للصحيفة "أنا أول عضو من العائلة الحاكمة أغادر الإمارات، وأتحدث عن كل شيء عنهم".
وكشف الشيخ راشد الشرقي أن الجهات التي تم تحويل الأموال إليها كانت في الأردن ولبنان والمغرب ومصر وسوريا والهند وأوكرانيا، وأن إيصالات هذه التحويلات لا تزال في الفجيرة.
وأشار إلى أنه بدأ برفض مطالب مسؤولي المخابرات في أبو ظبي الذين أتوا على ذكر عائلته كحكام للفجيرة، وهو ما فسره على أنهم أرادوا منه السعي ليحل محل أخيه الأكبر وليا للعهد.
ومن أجل معرفة وجهة النظر الأولى بشأن الموضوع، قالت نيويورك تايمز إن ممثلا لسفارة الإمارات في واشنطن رفض التعليق، في حين لم تتمكن من التواصل مع حكام الفجيرة.
أبو ظبي وغسيل الأموال
واتهم الشيخ راشد قادة إماراتيين بالابتزاز وغسيل الأموال المنظم من قبل سلطات متنفذة في العاصمة أبو ظبي.
وتحدث أيضا عن توترات قائمة بين قادة الإمارات الست والحكومة المركزية في الإمارة السابعة أبو ظبي، وأكد وجود استياء من قيادة أبو ظبي للتدخل العسكري في اليمن.
العدوان على اليمن
وكشف أن أبوظبي لم تستشر الإمارات الست الأخرى في إرسال الجنود إلى الحرب المستمرة من ثلاث سنوات. وذكر أن جنوداً من الإمارات الأصغر و الأفقر مثل الفجيرة، هم في خطوط الحرب الأمامية وأنهم يشكلون الغالبية في عدد الضحايا.
وأكد: "الخسائر من الفجيرة أعلى من أي مكان آخر".
وأوضح الشيخ: أن أجهزة الاستخبارات الإماراتية ضغطت عليه لتحويل عشرات الملايين من الدولارات نيابة عنهم إلى أشخاص لا يعرفهم في دول أخرى.
وقال: "دوما يقولون أرسلوا أموالاً هنا وأرسلوا أموالاً هناك ونحن سنقدمها كجزء من جدول أعمالكم"، ومضيفاً أنه نقل ما يصل إلى 70 مليون دولار إلى الأردن ولبنان والمغرب ومصر وسوريا، وفي وقت ما أرسل اموالاً إلى الهند وأوكرانيا.
وقال أنه لم توقف عن الاستجابة لمطالب أخرى من المخابرات في الربيع الماضي، فان عناصر من المخابرات طرحوا موضوع عائلته الحاكمة في الفجيرة، و انه فهم من ذلك ان المخابرات الإماراتية تريد منه انه يسعى لخلافة شقيقه الاكبر كولي للعهد.
تهديده بكشف المزيد سيحمي عائلته من بطش بن زايد
وأوضح الشيخ راشد أنه قرر إعطاء هذه المقابلة للصحيفة لحماية عائلته في الفجيرة من ضغط ابوظبي. وبحسب الصحيفة فإن تهديده بكشف المزيد سيعطيه بعض الحماية.
واتهم الشيخ راشد أجهزة مخابرات أبو ظبي بابتزازه شخصياً بالتهديد بإطلاق مقاطع فيديو محرجة ذات طابع شخصي. ووصف مقاطع الفيديو بأنها “ملفقة” ، لكنه رفض الكشف عن محتوى المادة.
و أشارت الصحيفة أن قطر رفضت الاعتراف علانية بوجود الشيخ راشد.
وأكدت الشخصية القطرية القريبة من الأسرة الحاكمة في الدوحة أن قطر منحت الشيخ راشد اللجوء، لكن المتحدث الرسمي باسم الحكومة رفض طلبات عديدة للتعليق في ذات الشأن.
انصار الله يعلق على اختيار الأمير المنشق قطر للجوء
وعلق قيادي بارز في حركة أنصار الله على أنباء اختيار أمير إماراتي دولة قطر لطلب اللجوء.
وقال محمد علي الحوثي وهو رئيس اللجنة الثورية العليا، في تغريدة أمس الأحد 15 يوليو/تموز: "الشيخ راشد بن حمد الشرقي اختار مكانا مناسبا للاقتصاص ممن آذوه وعرقلوا مسيرته العملية وبالتالي فاختيار قطر يدل على البعد السياسي للأمير".
وأضاف: "ولن يدرك أمراء آل زايد ذلك إلا بعد برهة من الزمن واعتقد سيزداد ال زايد العجرفة على حكام امارة الفجيرة بعد ذهاب الأمير للضيافة بقطر ونحن مرحبين بزيارته لليمن".