فرغم كل محاولاتها وتهديداتها والمسؤولين الأميركيين لدمشق لمنع جيشها من اطلاق هذه العمليّة، الا انّ الجيش السوري ضرب بكل الوعيد المعادي عرض الحائط، ويستمرّ وحلفاؤه امام مرأى قادتها العسكريين في الجولان، عبر عمليّات نوعيّة وبسرعة قياسيّة بتطهير المزيد من المواقع العسكرية والبلدات بريف درعا من قبضة مرتزقتهم، بعدما استعاد العشرات منها وانتزع السّيطرة على كامل الحدود مع الأردن، ليبدأ العدّ العكسي لإطلاق معركة القنيطرة المحاذية لخطوط جيش الاحتلال الإسرائيلي” في الجولان المحتل، وهو ما دفع تل ابيب الى التدخل سريعا، والإغارة مرّة اخرى على مطار تيفور لتحذير الجيش السوري من استكمال عمليّاته باتجاه هذه المنطقة – حسب تعقيب موقع ديبكا الإستخباري “الإسرائيلي” على الغارة الأخيرة، والذي اعتبر انّ اطلاق الرئيس الأسد لمعركة الجنوب السوري قُبيل ايام من لقاء نتنياهو-بوتين في موسكو، هو بمثابة تحذير للأخير، تقصّد الرئيس السوري من خلاله، إبلاغ نظيره الروسي، انه سيشنّ معركة القنيطرة وفقا لقواعده وليس وفق قواعد الرّوس.
وفي وقت كشفت مصادر صحافيّة فرنسيّة انّ تل ابيب تلقّت مؤخرا تقارير استخباريّة “حليفة” حذّرتها من مغبّة الوقوع في فخّ الإستدراج الى معركة على الحدود مع سورية “لانّ الهجمة عليها ستكون جماعيّة”، شدّد الباحث الفرنسي لوران فابيولان، على ضرورة ان تبدأ تل ابيب بالتحضّر لما بعد درعا، كاشفا –استنادا الى معطيات وتقارير وصفها ب “الموثوقة” انّ الحدث الأكبر القادم سيكون في الجولان!
لا شكّ انه احتمال بات اكثر من واقعي لدى قادة تل ابيب بعدما اصبح المحور المعادي لها في قلب ملعبها الذي كان حصريّا لها ولمرتزقتها حتى الأمس القريب. ومن يراقب حركة بنيامين نتنياهو وسائر مسؤولي وقادة الأمن والاستخبارات في الكيان الصهيوني، والهرولة الى موسكو بشكل متكرّر للإستنجاد بالرئيس الروّسي، والصّراخ عالي النّبرة بالرّد على ايّ تجاوز للخطوط “الإسرائيليّة” الحمر الى درجة الإحتماء باتفاقيّة فضّ الإشتباك لعام 1974 والتمسّك بها، يدرك انّ معارك الجنوب السوري والخوف من المفاجآت التالية، أصاب في الكيان الاسرائيلي مقتلا.. فمنذ متى يحترم هذا الكيان القرارات الدوليّة؟؟ هذا من دون إغفال انّ معارك الجنوب السوري تمثّل “بروفة” غير مشجّعة لقادتها بضمان الفوز في الحرب القادمة مع محور المقاومة، سيّما بعد الضربات القاسمة التي وجهها الجيش السوري لغرف عمليّاتها وعملائها وميليشياتها المسلحة، والتي دعمتها بقوّة لوجيستيّا واستخباريّا في وجه الدولة السوريّة طيلة السنوات المنصرمة بهدف اقامة حزامها الأمني الموعود.
فعدا عن أطنان الأسلحة “الإسرائيليّة” والأميركية التي أطبق عليها الجيش السوري منذ بدء عملياته العسكرية، فقوّاته غنمت ايضا “كنوز” معلومات حسّاسة، ودمّرت غرف عمليّات كان جهاز “امان” الإستخباري الإسرائيلي قد استحدثها في غير بلدة جنوبيّة، بدءا بالغرفة الرئيسيّة في منطقة “اللجاة” الجبليّة، وليس آخرُها شبكة الإتصالات “اورانج” التي زرعها الجهاز المذكور في خراج بلدة داعل.. هدف “ثمين” آخر أنجزه الجيش السوري لا يقلّ أهميّة عن سابقيه، تمثّل بتدمير غرفة عمليّات “اجنبيّة” قرب مدينة الحارة في درعا، كانت القيادة العسكرية السوريّة قد وضعتها ايضا تحت رصدها الدقيق، ويُرجّح انّ الإستخبارات البريطانيّة كانت تُديره، وهذه ضربة قاسمة اخرى في شباك تلك الإستخبارات، تُضاف الى اخرى تلقّتها الأخيرة خلال تطهير الغوطة الشرقيّة، وكمنت بالقبض على فريق استخباري بريطاني في احدى بلداتها جهدت لندن للإفراج عنه عبر وساطة اقليميّة دون جدوى. ولربّما كان ذلك دافعا لها للإنتقام عبر مشاركتها بتسديد ضربات جويّة على مواقع الجيش السوري وحلفائه في البوكمال الشهر الماضي، ردّت عليها الدفاعات الجويّة السوريّة بإسقاط احدى مقاتلاتها المغيرة-حسبما كشفت صحيفة ” theSunday times” البريطانيّة في الثاني من الجاري.
وعليه، لن تستكين “اسرائيل” للهزيمة المدويّة في سورية، في وقت تواجه هزيمة مماثلة في معارك الحديدة اليمنيّة حتى اللحظة. فلم يعد خافيا مشاركتها الرئيسيّة في تلك المعارك الإستراتيجيّة الى جانب واشنطن والسعودية والإمارات، بهدف الإمساك بكامل خليج عدن والمضيق الإستراتيجي باب المندب وبالتالي محاصرة ايران..فهل ستسكت الأخيرة عن الرّد في وقت تمتلك اذرعا قويّة للمواجهة على امتداد جبهات المنطقة؟ سيّما الملاصقة ل”اسرائيل”؟ ولذلك، ليس من قبيل الصّدفة في هذا التوقيت تحديدا، ان يتمّ تقصّد نشر صور مقاتلات جويّة سوريّة من طراز “ميغ29- اس-ام” مزوّدة بأحدث الصواريخ من نوع جو-جو”ار 77 “، ذات رادار ذاتيّ التوجّه يمكّنها تتبّع عدّة اهداف معادية وتدميرها، بدءا بالطائرات الصغيرة، وصولا الى القاذفات الإستراتيجيّة، والتي نشرتها مؤخرا الموسوعة العسكرية السوريّة، وحيث الحقتها بنشر صور صواريخ “سكود” بعيدة المدى بإمكانها تدمير اهداف على مساحة 600 كلم، لم يتمّ استخدامها حتى الآن رغم كل التحرّشات الإسرائيليّة المتكرّرة بهدف كشف ما تختزنه دمشق من صواريخ كاسرة للتوازن.. هي بالطبع عيّنة من المخفيّ الذي حيّر قادة تل ابيب، وبمثابة رسائل من سورية وحلفائها “الى من يهمّهم الأمر” تمّ تمريرها على وقع تواتر تقارير صحافيّة عراقيّة نقلت عن أحد قادة الحرس الثوري الإيراني اشارته، الى انّ عمق الكيان “الإسرائيلي” لن يكون وحده في عين عاصفة الصواريخ السوريّة وحليفاتها عند اشعال فتيل الحرب، بل على الجميع الا يتفاجأ بامتداد الضربات الصاروخية الى القواعد العسكريّة الأميركية في المنطقة.
واذ اكتفى بالتلميح الى انّ النصف الثاني من العام الحالي سيُتوّج بمفاجآت خارج توقّعات الحلف الأميركي-الإسرائيلي-السعودي خصوصا في اليمن وسورية، التي سيكون رئيسها نجم حدث استراتيجيّ غير مسبوق قبل نهاية العام، شدّد على ضرورة التوقّف امام جملة هامّة مرّرها الامين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في إحدى اطلالاته الأخيرة، على متن نصيحة كرّرها لمئات آلاف المستوطنين “الإسرائيليّين” بضرورة مغادرة فلسطين، وقوله “إنّ يوم الحرب الكبرى قادم”، كاشفا انّ هذا اليوم بات اقرب مما يتصوّره الجميع!
بقلم:ماجدة الحاج
المصدر:الثبات