إضافة إلى تفاقم الغضب داخل الأسرة الحاكمة نفسها اتجاه سياسات محمد بن سلمان في إدارة البلاد على المستويين الداخلي والخارجي والتي بلغت ذروتها بعد إُزاحة ولي العهد وزير الداخلية السابق محمد بن نايف، والذي على أثرها أصبح بن سلمان ولياً لعرش الملك في الرياض. يرى الباحث السياسي الدكتور محمد صادق الحسيني أن التماهي مع (تل أبيب) سوف يكون بمثابة حبل المشنقة الذي سيلتف على عنق ولي العهد محمد بن سلمان وأنه لن يهنأ ربما حتى بتسلم زمام السلطة فيها.
“مرآة الجزيرة” حاورت الدكتور الحسيني, الباحث في الشؤون الإقليمية والخبير في الأمن القومي العربي, في حديث مطول تناول التطورات الإقليمية وأبعادها وتأثيراتها على مستقبل ومصير العائلة الحاكمة (آل سعود) والمآلات التي يمكن أن تفضي إليها التغيرات المتسارعة وسط أروقة السلطات السعودية.. وهنا الجزء الأول من نصّ الحوار..
مرآة الجزيرة: هل لا يزال النظام السعودي قادراً على حماية وتثبيت شرعيته السياسية من خلال توظيف الدين في خدمة أجندته ومشاريعه داخلياً ودولياً لاسيما بعد الموقف السياسي الأخير المتمثل في التوجيهات الرسمية للكتاب والمثقفين في الترويج إلى التطبيع مع الكيان الإسرائيلي..
برأيك كيف تفسر البيان الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية ضد تصريحات ترامب في اعتبار القدس عاصمة "إسرائيل"؟
مع كل يوم يمر على تطورات الأحداث في الداخل السعودي كما في المحيط يفقد نظام آل سعود قدراً أكبر من مشروعيته الدينية التي ظلّ يوظفها حتى الأمس القريب على طريق البقاء على قمة السلطة السياسية في الرياض، ومع ولوجه في مستنقع حرب الاحتواء المزدوج لكل من شبه الجزيرة العربية واليمن الذي خطط لها وأدارها ولا يزال الأمريكيون من غرفة عمليات قابعة في سفارة أمريكا في الرياض نستطيع الاستنتاج بأن سلمان سيكون آخر ملوك آل سعود, وأن إبنه محمد أما سيتم التخلص منه أمريكيا أو في إطار الصراع الداخلي بعد فشله الذريع على كافة الساحات الداخلية والخارجية، وبالتالي نكون ليس فقط أمام نهاية صلاحية توظيف الدين لاستمرار الحكم السعودي بل ورؤية نهاية قاتمة لهذه السلالة التي تحكم الحجاز ونجد باسم الدولة السعودية الثالثة.
وعلامات ومؤشرات هذا الأمر واضحة سواء من خلال برنامج 2030 التنموي الذي هو نسخة ماسونية صهيونية لدول العالم الثالث، أو من خلال ما تبين من بين فلتات لسان العوبتهم محمد بن سلمان يوم صرّح مفتخراً ومبتهجاً بأنه سينهي التطرف الديني الذي قال أنه دخل إلى البلاد والمحيط منذ 1979 وأنه سينعش بالمقابل الإسلام المعتدل والمنفتح، الذي هوعملياً ليس سوى “الإسلام الأمريكي” الذي سيحدد هو ساعة الصفر للطلاق بين آل سعود والوهابية التقليدية التي حملت آل سعود إلى السلطة وأبقتهم فيها حتى اللحظة الراهنة.
من هنا يمكن فهم الزواج غير المقدس الذي صار مطلوباً إعلانه بين حكم الرياض المتفلت من أي دين واقعي وبين دويلة الصهاينة في فلسطين والتي هي ليست سوى أسطول أمريكي على اليابسة الفلسطينية.
وتأتي دعوة الحاكم الجديد, الطامح ليكون صاحب كرسي الحكم الأول تحت القيمومة الأمريكية ما بعد تحالف أسرة آل سعود مع المذهب الوهابي, إلى الإعلام السعودي للانفتاح على الصهيونية العالمية ومحاولة السيطرة على الإمبراطورية السعودية التقليدية بذريعة مكافحة الفساد، لتوضح لنا مسار سقوط الدولة السعودية الثالثة وقيام نسخة البديل الأمريكي المتفلّت من أي تعلقات دينية محلها! أما بيان الديوان الملكي بخصوص القدس فما هو إلا محاولة بائسة ومفضوحة لذرّ الرماد في العيون بخصوص تورّط بن سلمان مع بن زايد وبن دحلان في صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية.
مرآة الجزيرة: ما بعد تحرير رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من احتجازه في الرياض, وتراجعه عن قرار استقالته الذي تلاه مجبراً من هناك، هل خسر محمد بن سلمان ورقة الفتنة السياسية في لبنان؟ وهل يمكن القول أن محمد بن سلمان كان يسعى إلى تفجير الوضع اللبناني الداخلي خدمة لأهداف أمريكية و(إسرائيلية)؟
محاولة تفجير الوضع الداخلي اللبناني في إطار الفتنة التي أشرتم إليها لم تكن سوى أمر عمليات أمريكي تم وأده في مهده وفشل فشلاً ذريعاً من خلال فطنة وحنكة وعقلانية ثنائي السيد – الجنرال.
وهو ما يفسر تبخر وزير شؤون الخليج الفارسي المعروف بالسبهان وقرب خروج وزير الخارجية من الملاك الحكومي وتنامي احتمال التخلص الأمريكي من محمد بن سلمان نفسه. محمد بن سلمان الذي ظنّ أنه من خلال انقلاب كوشنر في الرياض كان بإمكانه التقرّب من الكيان الصهيوني أكثر وكسب نصرتهم ورعايتهم لمجمل مشروعه الطموح.
مرآة الجزيرة: طُرح في عهد الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز مبادرة (السلام العربية) والتي تنص على الإعتراف (بإسرائيل) وبأجزاء من فلسطين والانسحاب من الجولان السوري وباقي الأراضي اللبنانية إضافة إلى الكثير من النقاط التي وردت في نص المبادرة في ذلك الوقت، ألا يعني ذلك أن العائلة الحاكمة (آل سعود) عملياً تنازلت عن القضية الفلسطينة بل وتطور الأمر إلى إقامة علاقات مباشرة مع (إسرائيل) وبصورة شبه علنية كما تتحدث صحافتها عن زيارة ولي العهد محمد بن سلمان، إلى أي مدى يمكن أن تصل العلاقات بين الرياض و(إسرائيل)؟
بن سلمان ومشروعه “التنموي” المعروف بِ 2030 يشكل مؤشراً على أن مستقبل العلاقة بين الرياض وتل أبيب هو التماهي في كل شئ، وذلك عبر تجاوز مبادرة السلام العربية التي تنسب للملك عبد الله وهي تعو إلى تومس فريدمان عملياً، وصولاً إلى ما يُطلق عليه الآن بالمصالحة التاريخية، بين النظام العربي والكيان الصهيوني والتي هي جزء من صفقة القرن التي تسعى الى تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي مرة واحدة وإلى الأبد، وهو ما لم يكن لهم أبداً في واقع الحال بسبب اختلال موازين القوى فلسطينياً، وعربياً، وإسلامياً، ودولياً لغير صالح الكيان الصهيوني وأمريكا.
مرآة الجزيرة: في ضوء الخلافات السياسية بين “السعودية” والجمهورية الإسلامية في إيران أين يكمن الخلل أو المبرر الذي يجعل البلدين في حالة صراع مستمر؟ وكيف تقرأ الموقف الصريح السابق لولي العهد محمد بن سلمان “لن ننتظر حتى تصبح المعركة في (السعودية) بل سوف نعمل لكي تكون المعركة لديهم في إيران” لا سيما أن التصريح جاء في وقت ليس بعيد عن تنفيذ عملية إرهابية استهدفت مقر البرلمان الإيراني، وفق متابعتك هل هناك أي علاقة بين التصريح والحدث، وهل يمكن التنبؤ بأحداث مشابهة في داخل إيران أو حتى استهداف مصالحها في الخارج من قبل أذرع الرياض والجماعات الإرهابية الممولة من طرفها؟
الصراع بين السعودية وإيران هو صراع بين مشروع أمريكي صهيوني في المنطقة والسعودية أداة فيه، وبين مشروع إسلامي، وعربي قومي، ووطني، إيران قائدة وفاعلة وأساسية فيه، وليس صراع بين نظامين أو بلدين.
وما أعلن عنه بن سلمان حول نقل المعركة الى داخل إيران، نعم صحيح كان عبارة عن أمر عمليات أمريكي حاول المذكور تنفيذه فعلاً من خلال غرف عمليات في جدة، ومكة، والرياض، وأربيل، وكراتشي، الأمر الذي أفرز تنفيذ الخطوة الأولى الشهيرة التي ذكرتم من خلال توجيه غرفة عمليات أربيل بمساعدة قوية من مسعود بارازاني، ومحاولة دمج منافقي الشعب من جماعة بقايا رجوي مع تشكيلات متفلتة من داعش، تعمل تحت رعاية سبهان والأمريكيين مباشرة، لكن المشروع تم وأده سريعاً وسقط مع سقوطه كل رموزه الذين تبنوه من ضباط مخابرات السعودية، والباكستان، وكردستان، وكذلك صغار الضباط الأمريكان.