عطوان: ماذا قالت لنا صديقتنا العائدة إلى دمشق؟

الإثنين 9 يوليو 2018 - 10:05 بتوقيت مكة
عطوان: ماذا قالت لنا صديقتنا العائدة إلى دمشق؟

مقالات - الكوثر: إحدى صديقات العائلة طبيبة سورية من أسرة متوسطة حصلت على شهادتها الجامعية من بريطانيا التي ولدت فيها، أرسلت إلينا صور وشريط فيديو يتضمن لقطات من حفل زفافها، بالإضافة إلى عريسها وأسرته القادمة من الولايات المتحدة، بعض أقاربها من منطقة الخليج {الفارسي} وبلدان عربية أخرى.

حفل الزفاف أقيم في دمشق، وليس في لندن، أو بيروت، أو هيوستون، لأن العروسين وأسرتهما، وهم "شوام" أصروا جميعاً أن يحتفلوا بهذه المناسبة على أرض الوطن مثلما قالوا لي، بعد أن بات في معظمه آمناً، ولأنهم يريدون أن يكونوا من أول العائدين إلى ربوعه، والإقامة فيه، ولو مؤقتاً.

الشيء نفسه تكرر مع أسر حلبية وحمصية تعرفنا عليها بحكم الجوار، أو ظروف العمل والإقامة، بدأت تعود إلى سوريا بشكل منتظم، وتتفقد بيوتها، وتبحث إمكانية إصلاحها وإعادة تأهيلها، تمهيداً لعودة نهائية أو مؤقتة، فليس هناك أغلى من أرض سوريا، مثلما قال لي أحد كبارها.

***

نسوق هذه المقدمة ونحن نتابع تقارير إخبارية بثتها وكالات أنباء عالمية مثل "رويترز" ووكالة الصحافة الفرنسية، تفيد بأن آلاف النازحين بدأوا يعودون إلى منازلهم في مدينة درعا بعد ان توقف القصف فيها بشكل كامل، نتيجة التوصل إلى اتفاق بوقف القتال بين الجيش العربي السوري والفصائل المسلحة، وهو القتال الذي أدى إلى نزوح حوالي 320 ألف مدني من المحافظة إلى الحدود المغلقة مع الأردن وفلسطين المحتلة، وفشلت كل النداءات والضغوط الدولية في فتحها.

اللواء عباس إبراهيم، الأمين العام اللبناني، أعلن أمس أن آلاف النازحين السوريين في لبنان بدأوا يعودون إلى بلادهم بصورة طوعية بعد استتباب الأمن في معظم المدن والقرى السورية، وخاصة منطقة الغوطة التي نزح منها معظم هؤلاء بحثاً عن الأمن لهم ولأطفالهم.

عشرات الآلاف من المسلحين السوريين الذين كانوا في صفوف فصائل المعارضة المسلحة انخرطوا في مشاريع المصالحة مع الدولة وسووا أوضاعهم، وسلموا أسلحتهم، بينما فضل البعض الآخر الرحيل وأسرهم في الحافلات الخضراء إلى مناطق يرونها حاضنة آمنة لهم مثل مدينة إدلب، وكان ما أرادوا.

جميع اتفاقات وقف إطلاق النار تقريباً جاءت بوساطة روسية، ومباركة رسمية سورية، ودور محدود جدا، أو بالأحرى رمزي، للأمم المتحدة، ولم تقدم الدول العربية الخليجية التي دعمت الفصائل المسلحة وسلحتها، دولاراً واحداً للنازحين، أو للمقاتلين الذين سووا أوضاعهم، بينما أنفقت عشرات المليارات على تدريبهم وتسليحهم، وتحريضهم على القتال والدمار في سوريا، وأدارت وجهها إلى الناحية الأخرى، أو انخرطت في حرب أخرى (اليمن).

خمسة ملايين لاجئ سوري يتواجدون حاليا في دول الجوار، 3.5 مليون منهم في تركيا، والباقي في لبنان والأردن، بينما أغلقت معظم الدول العربية الثرية أبوابها في وجوههم، ولم تضم معسكراً واحداً لإيوائهم، ومن لجأوا إليها هم في معظمهم من رجال الأعمال والمليونيرات، وكانت التسهيلات ليس لهم، وإنما لأموالهم المنهوبة أو المهربة من بلدهم، وبهدف استثمارها في هذه الدول، وضخ المزيد من المليارات إلى خزائنها المتضخمة أصلاً.

النسبة الأكبر من اللاجئين السوريين يتطلعون إلى العودة إلى سوريا، حسب دراسة أعدها مركز كارينجي، لأن هؤلاء أو معظمهم، واجه كل أشكال التمييز العنصري، ولا يريد أن يفقد أطفاله الهوية الثقافية العربية والإسلامية، ويتوقعون ديمقراطية وتحضراً وحرية وعدالة.

استعادة الجيش العربي السوري لدرعا والجنوب السوري، بعد حلب ودير الزور والغوطة الشرقية، ومعظم المدن والقرى السورية الأخرى، ستكون نقطة تحول محورية في الحرب السورية، وأحد أبرز عناوين هزيمة مخطط التفتيت وتغيير الهوية الوطنية العربية السورية التي وقفت خلفها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب وبعض الدول العربية.

اللافت أن السلطة المركزية في سوريا احترمت جميع اتفاقات المصالحة، ولم تقدم على اعتقال الذين انخرطوا فيها، وألقوا السلاح، وعادوا إلى مظلة الدولة كمواطنين صالحين، مثلما تفيد التقارير المحايدة، والمأمول أن تستمر روحية المصالحة هذه وتتعمق، فسوريا يجب أن تكون الحاضنة الحنون لجميع أبنائها في إطار من التسامح والمساواة والانخراط في عملية البناء وإعادة الإعمار وقيام الدولة المدنية الحديثة.

***

سوريا تتعافى بعد سبع سنوات من القتل والتدمير والتآمر والضخ الإعلامي المضلل، ونجزم بأن سوريا المستقبل ستكون أقوى وأكثر تلاحماً، وأكثر استيعاباً لدروس السنوات العجاف هذه، بسبب إرثها الحضاري الخصب، وجينات الإبداع التي تجري في عروق أبنائها.

من درعا انطلقت شرارة الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح المشروع، ومن درعا ينطلق الأمل بفجر جديد، ومصالحة وطنية شاملة، ومسيرة الإعمار، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، التي توشك على الانطلاق، إن لم تكن قد انطلقت فعلاً، فهذه هي سوريا التي نعرفها ونحفظ تاريخها الذي يمتد لثمانية آلاف عام عن ظهر قلب، ويحفل بسجل ضخم من الإنجازات العظيمة.. والأيام بيننا.

* عبد الباري عطوان

راي اليوم

24

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 9 يوليو 2018 - 10:04 بتوقيت مكة