دعاء تعقيب صلاة العشاء لطلب الرزق...ما الإشكال فيه؟

الجمعة 6 يوليو 2018 - 12:34 بتوقيت مكة
دعاء تعقيب صلاة العشاء لطلب الرزق...ما الإشكال فيه؟

سؤال يطرح بين الناس و هو : ما هو وجه الإشكال في تعقيب صلاة العشاء الوارد في كتاب مفاتيح الجنان...

الشيخ محمد صنقور

سؤال يطرح بين الناس و هو : ما هو وجه الإشكال في تعقيب صلاة العشاء الوارد في كتاب مفاتيح الجنان أعني: (اللهم إنه ليس لي علم بموضع رزقي، إلخ) فهل ما يتداوله البعض من إشكالات حول سند ومتن التعقيب المذكور صحيح؟

و في الجواب عن هذا السؤال يمكننا القول أن الدعاء المذكور من الأدعية المأثورة عن الإمام الصادق (ع) فقد أورده الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد مرسلًا(1)، وأورده السيَّد رضيَّ الدين المعروف بالسيِّد ابن طاووس مسندًا في كتابه فلاح السائل.

 قال رحمه الله: ومِن الدعوات أيضًا بعد العشاء الآخرة لطلب سعة الأرزاق ما رواه أبو المفضَّل رحمه الله قال: حدَّثنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن عبد الله العلوي قال: حدَّثنا عبيدُ الله بن أحمد بن نُهيك عن محمد بن أبي عمير عن عبيد بن زرارة قال: حضرتُ أبا عبد الله (عليه السلام) وشكى إليه رجلٌ من شيعته الفقر وضيق المعيشة وأنَّه يجولُ في طلب الرزق البلدان فلا يزدادُ إلا فقرًا، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): إذا صلَّيتَ العشاءَ الآخرة فقل وأنت متأنٍ: اللّهُمَّ إِنَّهُ لَيْسَ لِي عِلْمٌ بِمَوْضِعِ رِزْقِي وَإِنَّما أَطْلُبُهُ بِخَطَراتٍ تَخْطُرُ عَلى قَلْبِي، فَأَجُولُ فِي طَلَبِهِ البُلْدانَ، فَأَنا فِيما أَنا طالِبٌ كَالحَيْرانِ، لا أَدْرِي أَفِي سَهْلٍ هُوَ، أَمْ فِي جَبَلٍ، أَمْ فِي أَرْضٍ، أَمْ فِي سَّماء، أَمْ فِي بَرٍّ أَمْ فِي بَحرٍ؟وَعَلى يَدَي مَنْ، وَمِنْ قِبَلِ مَنْ؟وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ عِلْمَهُ عِنْدَكَ وَأَسْبابَهِ بِيَدِكَ، وَأَنْتَ الَّذِي تَقْسِمُهُ بِلُطْفِكَ، وَتُسَبِّبُهُ بِرَحْمَتِكَ. اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْ يا رَبِّ رِزْقَكَ لِي وَاسِعًا وَمَطْلَبَهُ سَهْلًا وَمَأْخَذَهُ قَرِيبًا، وَلا تُعَنِّني بِطَلَبِ ما لَمْ تُقَدِّرَ لِي فِيهِ رِزْقًا، فَإِنَّكَ غَنِيُّ عَنْ عَذابِي وَأَنا فَقِيرٌ إلى رَحْمَتِكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَجُدْ عَلى عَبْدِكَ بِفَضْلِكَ، إِنَّكَ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ".

قال عبيد بن زرارة: فما مضت بالرجل مدَّةٌ مديدة حتى زال عنه الفقر وأثرى وحسُنت حالُه"(2).

ورجال السند من عبيد الله بن أحمد بن نهيك كلهم ثقاة بل هم من أجلاء الطائفة، وأما أبو القاسم جعفر بن محمد بن عبد الله العلوي فهو الموسوي من مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه الذين روى عنهم مباشرةً في كتابه كامل الزيارات لذلك فهو ثقة، وأمَّا أبو المفضَّل الشيباني فهو معتمد وقد وُصف بأنَّه كان ثبْتًا وكان كثير الرواية وحسن الحديث، نعم قالوا بأنَّه خلط بعد ذلك أي في آخر عمره، وذلك لا يضرُّ بوثاقته وصحَّة الاعتماد على ما كان يرويه قبل تخليطه، ومن المستبعد غاية الإستبعاد أنَّ الأصحاب قد رووا عنه بعد تخليطه كيف وجُلُّهم قد غمزه بالخلط، لذلك فالمستظهر قويًّا أنَّ روايتهم عنه وقع قبل تخليطه، ويؤيد ذلك أنَّه وقع في طريق الكثير الكثير من الكتب والروايات، وعليه فالرواية معتبرة سندًا لأنَّ طريق السيِّد ابن طاووس إلى كتبه ورواياته صحيح.

وأما من حيث المتن فهو غير منافٍ لشيءٍ من أصول العقيدة، فهو يبدأ بالإقرار لله تعالى بالجهل بالموضع الذي قدَّر اللهُ له فيه الرزق، والجهلِ بالإنسان الذي قدَّر اللهُ جريانَ رزقِه على يديه، ثم يشرع في الإقرار بأنَّه رغم جهلِه بموضعِ رزقه وجهلِه بالإنسان الذي قدِّر له أنْ يجري الرزق على يديه فإنَّه يعلم يقينًا أنَّ الله تعالى عالمٌ بموضعِ رزقه ويعلمُ يقينًا أنَّ أسباب الرزق كلَّها بيد الله تعالى وأنَّه يقسمه بين عباده بلطفِه ويسبِّب له أسبابًا من رحمتِه بعباده، وفي هذا الإقرار كمالُ العبودية لله تعالى.

فالأرزاق وإنْ كان لها مواضعُ يتعيَّن على الإنسان السعي لها ولها أسبابٌ يتعيَّن على الإنسان التعرُّض لها إلا أنَّ الإنسان نظرًا لجهلِه وقصورِه قد يحسب أنَّ هذا الموضع هو محلُّ رزقِه وأنَّ هذا السبب وهذا الطريق هو الوسيلةُ المُفضية لتحصيل الرزق فيقصد ذلك الموضع ويتعرَّض لذلك السبب ويتوسَّل بتلك الوسيلة فلا يجدُ في ذلك الموضع ولا في تلك الوسيلة ما يأملُه من الرزق فيكون قد وقع في العناء والعنت دون جدوى، لذلك يحسن بالعبد المؤمن أنْ يسألَ اللهَ تعالى جادًّا بأنْ يُلهمه المعرفةَ بالطريق الذي قدَّر اللهُ له فيه الرزق حتى لا يقع في عنَتِ البحث غير المُجدي، وهذا هو معنى قوله (ع): "وَلا تُعَنِّني بِطَلَبِ ما لَمْ تُقَدِّرَ لِي فِيهِ رِزْقًا فَإِنَّكَ غَنِيُّ عَنْ عَذابِي وَأَنا فَقِيرٌ إلى رَحْمَتِكَ" فإنَّ بذل الجهد واستفراغ الوسع في طريقٍ لا يُفضي لنيل الرزق عذابٌ يحسنُ بالعبد أنْ يسألَ ربًّه الكفاية والعافية منه فلا يُرهِق نفسَه في طريقٍ ليس مقدَّرًا له أنْ يجنيَ منه رزقًا، فعلى المؤمن أنْ لا يتكَّل على رأيه وعلى ما يخطر في قلبِه من خطرات بل يسأل ربَّه التوفيق لاختيار الطريق الذي قُدِّر له فيه الرزق حتى لا يتخبَّط فيقع في المشقَّة قبل الوصول إلى موضعِ رزقِه المقدَّر، وليسأل العبدُ ربَّه سعة الرزق وأنْ يجعل طريقه إليه ميسورًا وسهلًا وفي المُتناول، فإنَّ ثمة مَن لا يجدُ رزقَه إلا بعد عناءٍ وعنَتٍ ومشقَّة وبعد طول انتظار، وهذا هو معنى قوله (ع): "وَاجْعَلْ يا رَبِّ رِزْقَكَ لِي وَاسِعًا وَمَطْلَبَهُ سَهْلًا وَمَأْخَذَهُ قَرِيبًا".

هذه هي بعض المضامين العالية التي اشتمل عليها هذا الدعاء الشريف.

الهوامش:

1- مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ص 109.

2- فلاح السائل للسيد بن طاووس ص 257. جامع أحاديث الشيعة للبروجردي ج5 ص 431.

المصدر: موقع هدى للقرآن

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الجمعة 6 يوليو 2018 - 12:33 بتوقيت مكة