رغم أن الملف السوري كان على جدول أعمال الملك الأردني، عبد الله الثاني، في زيارته الأخيرة للعاصمة الأميركية، واشنطن، حيث اجتمع مع الرئيس دونالد ترامب (25 حزيران الماضي)، فإنّ ما رشح عن هذه الزيارة في هذا الموضوع لا يتجاوز الأسطوانة الرسمية المعتادة عن الحل السياسي والحفاظ على منطقة خفض التصعيد، فيما لم يعد عبد الله منذ ذلك اليوم إلى المملكة.
أما الحكومة الجديدة، التي تنتظر منحها الثقة بعد أيام، فقررت منع دخول اللاجئين عبر الحدود، وذلك في ظل استمرار الجيش العربي السوري في عمليته العسكرية جنوب البلاد. «مليون وثلاثمئة ألف لاجئ سوري في الأردن تراجع الدعم الدولي لهم، يكلّفون الحكومة الأردنية ثلث موازنتها»، يكاد لا يخلو تصريح للحكومات المتعاقبة إلا وتذكر هذه الجملة كسبب لتدهور الأوضاع وتضاعف المديونية وارتفاع نسب البطالة والفقر.
الأردن، الذي وجد نفسه وجهاً لوجه مع استحقاق معركة الجنوب السوري كتطور طبيعي للحرب التي تدور منذ 7 سنوات، أغلق الحدود مكوناً حائط صد أمام الفصائل المسلحة التي لن تتوانى عن الدخول إلى بلد لها فيه حاضنة شعبية، وخاصة أنه كل مدة يعلن تفكيك خلايا إرهابية داخل المملكة، فضلاً عن وقوع عمليات أودت برجال أمن ومدنيين، مع الإشارة إلى أن تلك المنطقة بالذات (الشمالية الشرقية من المملكة) تتكرر في بيانات الجيش ضمن عمليات ضبط المخدرات، إذ تطبق قوى الأمن العسكري قواعد الاشتباك مع متسللين يلوذون بالفرار إلى العمق السوري.
ما يدور في سوريا، وإن تجلى في الداخل الأردني كموضوع لاجئين، فإنه أعمق بكثير، ولا يمكن حصره في حالة الاختناق الاقتصادي إثر إغلاق معبر جابر ـــ نصيب، مع أن الجانب الأردني هو الخاسر الأكبر بعد تراجع صادراته إلى سوريا لتصل إلى صفر دولار في 2016، ثم ترتفع بهامش بسيط لقيمة تزيد قليلاً على 9 آلاف دولار في العام الماضي! هذا رغم أن واردات الأردن من سوريا في العام نفسه، 2017، بلغت قيمتها نحو 9 ملايين دولار في الجانب التجاري فقط، عدا الجانب الصناعي والزراعي والسياحي.
وفي ما يتعلق باللاجئين الجدد، تبدو عمان متحررة من الضغوط الدولية في ما يخص استقبالها اللاجئين، وخاصة أن دائرة صنع القرار انتبهت إلى «ورطة اللاجئين» التي هي أبعد ما يكون عن سياقها الإنساني بالنسبة إلى اللاعبين الدوليين والإقليميين الذين توهموا بسقوط النظام بسرعة. وبعبارة أخرى: عمّان لا تريد لاجئين مكلفين، وخاصة أنها تورطت بلاجئين لا يقيمون في مخيمات اللجوء ضمن محدودية لحركتهم وتشديد عليهم فقط، بل هناك من هم يعيشون داخل المدن الرئيسية ويندمجون في نسيج المجتمع، وهذا مقلق للنظام الذي لديه ملف لاجئين فلسطينيين مُلحّ مع أزمة «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين« (الأونروا).
ظهر ولي العهد الشاب بصورة كثيفة أخيراً في ظل غياب الملك
الجديد القديم المتعلق بارتدادات الحرب في سوريا على الداخل الأردني هو ملف الأمن الذي يميز المملكة في إقليم ملتهب، وفي سبيله تبدو كل الخيارات مشروعة في عمّان، لذلك نجد حراكاً دبلوماسياً يبديه النظام مع مراكز القوى في موسكو وواشنطن من جهة، وكوسيط بين الجماعات المسلحة والروس، ولا سيما أن الأردن كان على تماس مباشر مع الفصائل المسيّرة من خلال غرفة «الموك»، وعلى دراية وعلم بالتشكيلات الأخرى الموالية لـ«النصرة» و«داعش».
واللافت أن المؤسسة العسكرية الأردنية تتصدر الآن واجهة المشهد المنادي بإغلاق الحدود، فالجيش يحظى بثقة غالبية الأردنيين، وهذه المرة خرج عن الصورة المتعارف عليها في تقديم المساعدات واستقبال اللاجئين، ليؤكد تنفيذ قرار الحكومة «منع اللجوء بكافة أشكاله على الحدود الأردنية السورية»، طبقاً لما ورد على لسان قائد المنطقة العسكرية الشمالية، العميد الركن خالد المساعيد، الذي أضاف أن «القوات المسلحة تقوم بواجبها الإنساني من خلال تقديم المساعدات الطبية والعينية للنازحين وعدم دخولهم الأردن».
كذلك، صرّح مدير «التوجيه المعنوي»، العميد عودة شديفات، بأن «القوات المسلحة تمتثل للقرار الحكيم الذي يحافظ على أمن الأردن في ظل الظروف التي تدور في الإقليم»، وأضاف أنه «يوجد الكثير من المندسين ويمتلكون السلاح بين النازحين بالقرب من الحدود الأردنية، إذ يوجد أشخاص يتسللون بلباس نساء وهويات مزورة»، كما أكد أن «الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى متيقنة للأمر وتتعامل بحرفية معه».
وفي ميزان الربح والخسارة، يبقى الأردن مستفيداً من تطهير الجنوب السوري من الجماعات المسلحة، لكنه يحتاج إلى جرأة كبيرة للتدخل الفعلي في معركة الجنوب إلى جانب الجيش السوري لإنهاء العملية بسرعة وبأقل خسائر، بعدما رفع حلفاؤه أيديهم عن المشهد برمته. تردُّد الأردن وحيرته أمران مفهومان ارتباطاً بترتيبات الوضع الفلسطيني ـــ الإسرائيلي، الذي تبدو المملكة في موقف الضعيف وسطه، وحتى من الخاسرين جراءه، فما بين جبهة الشمال والغرب، والوضع الاقتصادي الداخلي، تحديات كبيرة وحلفاء غير موثوقين، وخاصة مع بروز فرصة للتقارب الحقيقي بين دمشق وعمّان بشرط إثبات الثانية حسن نيتها بعد دورها السلبي تجاه النظام في سوريا. ويذكر جمع الشعب الأردني تبرعات للنازحين السوريين بالمشهد في بداية أفواج اللجوء عندما انقسم الشارع ما بين مؤيد ومعارض لفتح الحدود، مع ترقب وحذر من تسلل عناصر إرهابية، وهو ما يجعل الجميع يقبلون الآن بشكل أو آخر قرار الإغلاق الذي يصب في مصلحة دمشق.
في خضم هذه الأحداث، يغيب الملك كلياً، وترافقه الملكة رانيا التي نشرت مقطعاً على موقع «انستغرام» في الثامن والعشرين من حزيران الماضي بمناسبة عيد مولد ولي العهد، يظهر فيه الأمير حسين (24 سنة) إلى جانب والده أثناء تدريب عسكري يبدو أنه تم في «مركز الملك عبد الله الثاني لتدريب العمليات الخاصة».
الأمير الشاب ظهر بشكل كثيف منذ سفر الملك، وكان قد أقسم اليمين الدستورية نائباً لوالده الذي يبدو أنه في رحلة خاصة، ولا سيما أن مستشاره ومدير مكتبه الذي يحضر الاجتماعات المهمة كافة ظهر في الصف الأول أثناء كلمة ألقاها حسين قبل أيام في جامعة معان. الرحلة الطويلة نسبياً للعائلة المالكة شهدت ظهور نائب آخر للملك هو رعد بن زيد (ابن عم الملك طلال جد الملك الحالي) الذي أقسم اليمين نائباً للملك، ما يعني أن الأمير حسين خارج البلاد أيضاً.
وعدا تطورات الجبهة الشمالية، هناك جلسة الثقة في الحكومة في التاسع من الشهر الجاري، ومفاجآت «صفقة القرن» المرتقبة، وهو ما يجعل الغياب في هذه الظروف الصعبة بيئة خصبة للتأويلات في بلد خرج من احتجاجات لافتة على النهج الاقتصادي قبيل شهر فقط!
الأخبار
24