التطبير ... جاءنا من أرثوذكس القوقاز؟!

الأربعاء 4 يوليو 2018 - 14:06 بتوقيت مكة
التطبير ... جاءنا من أرثوذكس القوقاز؟!

عندما نريد أن نحوِّل عملا ما إلى سُنّة نواظب عليها ونهتم بها ونعتمدها في إحياء الذكرى الحسينية أو غيرها من المناسبات، يجدر بنا أن نسأل عن مدى مساهمة هذه الوسيلة في خدمة القضية التي نتبناها ونؤمن بها والخط الذي ننتمي إليه...

الشيخ حسين الخشن
لعل من أغرب الوسائل المتبعة في إحياء الذكريات الدينية تلك الوسيلة أو الطريقة التي يعتمدها البعض في إحياء ذكرى شهادة الإمام الحسين (ع) والمتمثلة بضرب الرؤوس بالسيوف، وهو العمل الذي اصطلح عليه في بعض الأوساط بــ "التطبير" 1، فماذا عن شرعيّة هذه الوسيلة؟ ومتى جاءتنا ؟

عادة حادثة ودخيلة

إنْ لم يكن من الواضح عندنا بشكلٍ تفصيلي متى وكيف نشأت هذه العادة؟ ومَن هو أوّل مَن قام بهذا العمل أو سنّ هذه السنة؟ إلّا أنّه من المؤكّد أنّها عادة مستحدثة ولم تكن في عصر النبي(ص) ولا الأئمّة من أهل البيت (ع)، ولم ترد أيّة إشارة في شأنها، لا في كتب الحديث والروايات، ولا في كتب التاريخ ولا في غيرها من المصادر، وذلك بالرغم من توفّر الدواعي لنقل مثل هذا التصرّف، ليس بسبب غرابته فحسب، بل وبسبب منافاته للتعاليم الإسلامية الآمرة بالصبر على المصائب والناهية عن الجزع وخمش الوجوه وشق الجيوب عند المصيبة.

وهكذا لم يُعهد ولم ينقل حدوث مثل هذا التصرّف فيما تلا عصر الأئمّة (ع) من قرون؛ لأنّ ما نقله بعض المؤرّخين – كالمقريزي في خططه، وأبي الفداء في تاريخه – عن مظاهر الاحتفال بعاشوراء في العصر الفاطمي والبويهي، ليس فيه إشارة إلى هذه العادة .2

يقول السيد محسن الأمين: "ولم ينقل ناقل أنّ أحداً فعلها من عوامّ الشيعة، ولا أنّ أحداً أجازها من علمائهم في الأعصار التي كانت ملوك البلاد الإسلامية فيها كلّها شيعةً"، ويذكر السيد مثالاً على تلك الدول : دولة الفاطميين والحمدانيين والبويهيين، ثم يضيف: "مع ما كان عليه بنو بويه من التشدُّد في نشر إقامة العزاء، حتى كانت في زمانهم تعطّل الأسواق في بغداد يوم عاشوراء، وتُقام مراسم العزاء في الطرقات" .3

ويرجّح الكثير من العلماء والباحثين أن تكون هذه العادة قد تسربت إلى الفضاء الإسلامي الشيعي من خارجه، وتبرز أمامنا عدة آراء في تحديد المنشأ أوالمصدر القادمة منه، فبينما يرجِّح السيد هاشم معروف الحسني أن تكون هذه العادة التي وصفها بالدخيلة والتي لا يقرّها الشرع قد تسرّبت إلى بعض الأقطار بعد أنْ حكمها الشيعة من الهنود القدامى (4)، فإنّ الشهيد مطهّري يذهب إلى "أنَّ الطبل والتطبير عادات ومراسم جاءتنا من أرثوذكس القوقاز وسَرَتْ في مجتمعنا كالنّار في الهشيم" .5

أمّا عن ظهورها في جبل عامل، فيقول السيّد محسن الأمين: "ولم تكن هذه الأعمال معروفة في جبل عامل، ولا نقل أنّ أحداً فعلها فيه، وإنّما أحدثها فيه في هذا العصر بعض عوامّ الغرباء، وساعد على ترويجها بعض من يرتزق بها، ولم ينقل عن أحد من علماء جبل عامل أنّه أذن فيها أو أمر بها في عصر من الأعصار..." .6

 

 

أجل، ثمّة إشارة بالغة الدلالة أشار إليها محمد بن طولون الصالحي الدمشقي في كتابه "إعلام الورى"، في أحداث سنة 907هـــ، حيث قال ما نصّه:

"في يوم عاشوراء، اجتمع جماعة من الأوباش والأعجام والقلندرية بدمشق، وأظهروا قاعدة الروافض من إدماء الوجوه وغير ذلك، وقام عليهم بعض الناس، وترافعوا إلى نائب الغيبة (وكيل الوالي أثناء غيابه) المذكور، فنصر أهل البدعة وشوّش على القائم عليهم" .7

صحيح أنَّ هذا النص يتحدَّث عن إدماء الوجوه لا الرؤوس، إلّا أنّ ذلك لا يقلِّل من دلالته على أنّ قضية الإدماء كانت منتشرةً في بعض الأوساط في بداية القرن العاشر وربّما فيما سبقه، ولاسيما بملاحظه قوله: وأظهروا "قاعدة الروافض" التي تشير إلى أنَّ قضيّة إدماء الوجه كانت معروفةً عند مَن أسماهم ابن طولون بــ "الروافض" وهو مصطلح يُنبَز به الشيعة كما هو معروف.

ولكن هذا النصّ لا يثبت امتداد هذه العادة إلى ما قبل القرن التاسع فضلا عن اتصالها بزمن الأئمّة (ع) كما لا يخفى، كما أنّه لا يدلّ على شرعيّة هذا التصرُّف كما هو واضح.

التطبير وخدمة القضيّة!

يجدر بنا هنا أن ننبه إلى قضيةٍ في غاية الأهمية،وهي أنّه عندما نريد أن نحوِّل عملا ما إلى سُنّة نواظب عليها ونهتم بها ونعتمدها في إحياء الذكرى الحسينية أو غيرها من المناسبات، ونخرج بها إلى الرأي العام ، فإنّا علينا أن لا نقتصر في تقييمها على السؤال عن مدى إباحتها بالمعنى الفقهي، بل يجدر بنا أن نسأل عن مدى مساهمة هذه الوسيلة في خدمة القضية التي نتبناها ونؤمن بها والخط الذي ننتمي إليه، وهذا ما علينا أن نعرفه فيما يرتبط بعادة التطبير، إن لجهة مساهمتها في التعريف بأئمة أهل البيت(ع) وإيصال فكرهم إلى الآخرين وفتح قلوب الناس عليهم، أو – على الأقلّ - لجهة تأثيرها في تهذيب نفوس الذين يقومون بهذا العمل وهو ضرب رؤوسهم بالسيف ويحيون عاشوراء بهذه الطريقة الدموية، فهل يستطيع المدافعون عن هذه العادة أن يذكروا لنا مدى مساهمتها في تحقيق هذه الأهداف؟

أَوَليس جرح الرؤوس بالسيوف، ثم ضربها بالأكُفّ حتى ينزف الدم ويملأ الوجه والرأس واليدين ويلطخ الثياب كلّها يعدّ مشهداً منفِّراً للآخرين، ومثيراً لدهشتهم وتعجبهم، كما أنّه مفزع للأطفال ومرعب للنساء، وبالتالي يكون الإستمرار في هذا العمل مساهما في إغلاق قلوب الناس عن التعرف على مدرسة أهل البيت (ع) تحت عنوان إحياء ذكرهم؟! وبعبارة أخرى : نكون بهذا العمل قد ساهمنا من حيث لا نشعر في إماتة ذكرهم (ع) بدل أن نحييه وننشره!.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأربعاء 4 يوليو 2018 - 14:05 بتوقيت مكة