العلامة الشّيخ جعفر السبحاني
يزعمون أنّ الله عزّ وجلّ وكّل الأمور وفوّضها إلى محمّد(ص)، وأنّه أقدره على خلق الدنيا، فخلقها ودبّرها، وأنّ الله لم يخلق من ذلك شيئاً. ويزعمون أنّ الأئمّة ينسخون الشّرائع ويهبط عليهم الملائكة...
ونحن بدورنا، نعلّق على هذه الفرق التي ذكروها فرقاً للشيعة، وبالتالي فرقاً للإسلام، بأمرين:
الأوّل: من المظنون جدّاً، أنّ هذه الفرق على فرض التأكّد من وجودها في عصورها، ممّا صنعتها يد السياسة الأثيمة، لتشويش سمعة الأئمّة الطاهرين(ع) بين المسلمين ومحق روعتهم. وقد استعانت في ذلك برجال كانوا غامرين في حبّ التصدّر والفخفخة وجنون العظمة. ولما كانت دعوتهم على خلاف العقل والنقل والفطرة الإنسانية، لم يُقم المجتمع الإسلامي لهم وزناً، ولم يعيشوا إلّا أيّاماً قلائل. وقد قام أئمة أهل البيت بدورهم على إيقاظ الأمّة عند استفحال الفساد، وتبرّأوا من أصحاب هذه المقالات وعقائدهم. وسيوافيك كلامهم في حقّ هؤلاء الغلاة، فانتظر.
الثاني: نحن نعاتب المشايخ: النوبختي والأشعري والبغدادي والإسفرائيني والشهرستاني والرازي، وغيرهم من كتّاب تاريخ العقائد، وأصحاب المقالات، حيث نسبوا هؤلاء إلى الشيعة، مع تصريحهم بأنّهم غلاة كفّار، لا يمتّون إلى الإسلام والمسلمين بصلة. وأقلُّ كلمة يمكن أن تقال في حقهم، إنّ الجنون والمجون وحبّ الجاه والمقام، أسفت بهؤلاء إلى هوّة المذلة واللعنة، ثم الفناء المطلق، فليس لأحد أن يطعن الشيعة بانتماء هؤَلاء إليهم، فما أحسن قول القائل :
غيري جنى وأنّا المعاقب فيكم فكأنّني سبّابة المتندِّم!
{قُلْ هذِهِ سَبِيلي أدعُوا إلى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أنا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبحانَ اللهِ وَما أنا مِنَ المُشرِكِين}[يوسف: ١٠٨].
وليس انتماؤهم إلى الشيعة إلّا كانتماء النصارى القائلين بالتثليث إلى المسيح(ع)، وهل يؤخذ البريء بجرم المعتدي؟!. لا والله.
موقف الأئمَّة من الغلاة:
إنَّ موقف أئمّة أهل البيت(ع) من هؤلاء المرتدّين، موقف النبيّ الأكرم من مشركي عصره والأعصار الآتية، فقد طردوهم، ولعنوهم، وكفّروهم، وحذّروا شيعتهم من مكائدهم ومصائدهم...
المصدر: كتاب بحوث في الملل والنّحل