دروس...في ولاية الفقيه(8)

الأربعاء 27 يونيو 2018 - 10:34 بتوقيت مكة
دروس...في ولاية الفقيه(8)

ومن هذا البيان يعلم أن الولايات التشريعية، ومن جملتها ولاية الفقيه ليست مرحلة نازلة من الولايات التكوينية ولا تعادلها...

آية الله جوادي الآملي

إتضح من خلال الأبحاث السابقة معنى الولاية بعنوان الحكومة وكذلك ولاية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام وذلك بالنظر إلى القرآن الكريم. ومن الآن ولاحقاً سوف نقوم ببحث ولاية الفقيه أو الولاية في عصر غيبة ولي العصر أرواحنا فداه.
قبل البدء بأصل البحث، نحتاج إلى شرح بعض المبادئ التصورية والتصديقية.


إعتبارية الولايات التشريعية
تعتبر الولاية بمعنى الإدارية من الأمور الاعتبارية. والأمور الاعتبارية وإن كانت في التقسيم الأولي من الأقسام الحقيقية في زمرة أقسام بعض التقسيمات الفلسفية، لكنها لا يمكن أن توضع مقابل الوجودات الخارجية لأنّ وجودها محدودُ بدائرة اعتبار المعتبر. فلا تكون بطُولها ولا بعرضها.
فالأمور الاعتبارية من قبيل ذمة المشتري في بيع النسيئة تابع لصرف الاعتبار، وليس لها وجود حقيقي في أي وعاء. فليس لها في وعاء الذهن وجود ولا في وعاء الخارج.

وبيانه: أنّ الوجود الذهني وإن كان في مقابل الوجود الخارجي لكنّه من ناحية أخرى وبلحاظ أنّه علم، هو وجود حقيقي وخارجي. فالذهن أيضاً من حيثية ما وجود خارجي. ولهذا فهم يقسمون الوجود إلى الوجود الخارجي والوجود الذهني. وفي تعريف الوجود الذهني اعتبروه مقارنة مع الوجود الخارجي فاقد الأثر. ولهذا فصلوا مسألة العلم من جهة أنّه وجود خارجي مؤثر من مباحث الوجود الذهني. وإن كان موطن وجود العلم –الذي له آثار تختصّ به – وفي الذهن.

أمّا الأمور الاعتبارية فهي أمور ليس لها في أيّ موطن وجود حقيقي وخارجي، ولهذا فهي ليست في طول الوجودات الخارجية والحقيقية بحيث ينظر إليها بعنوان مرتبة وجودية ضعيفة، ولا في عرضها بحيث تعد معادلة للموجودات العينية.
ومن هذا البيان يعلم أن الولايات التشريعية، ومن جملتها ولاية الفقيه ليست مرحلة نازلة من الولايات التكوينية ولا تعادلها. بل هي مجرد أمور اعتبارية تحصل على الاعتبار في دائرة ولي التشريع.

 امتياز الولاية عن الوكالة والنيابة
تعد كل من الوكالة والنيابة من الأمور الاعتبارية، مع وجود اختلاف مع الولاية، بمعرفته، نعلم الاختلاف ما بين الحكومة المبنية على الولاية وسائر الحكومات.
في النيابة والوكالة يكون الموكل والمنوب عنه أصلاً والوكيل والنائب فرعاً. والحال أن الولي في الولاية يكون أصلاً والمولّى عليه فرعاً. لأنّ النائب في النيابة، والوكيل في الوكالة يجلس مكان الموكل.
وبعبارة أخرى يكون الحديث في النيابة عن تنزيل النائب منزلة المنوب عنه، أي أنّ التنزيل في محول الفاعل وفي الوكالة الحديث عن تنزيل فعل الوكيل منزلة فعل الموكل، أي أن التنزيل في محور الفعل.

وبسبب هذا التنزيل أشكل بعض الفقهاء على جواز اقتداء المأموم بالإمام الذي يصلي قضاءً عن أحد الأموات. ففي الاقتداء وغن كان لا يلزم وحدة نوع صلاة الإمام والمأموم، أيّ أنّ الإمام يمكن أن يصلّي قضاءً والمأموم أداءً، لكن الإمام إذا كان يصلي قضاءً عن ميت، ففي هذه الصورة يطرح الإشكال لأنّ الإمام ليس وكيلاً عن الميت، بل نائب من جانبه والنائب يفترض نفسه بمنزلة المنوب عنه لا أنه ينزل فعله منزلة فعل المنوب عنه ولهذا فهو بمنزلة الميت، ولا يجوز الاقتداء بالميت.
فالتنزيل في الفعل أو في الفاعل مختص بالوكالة والنيابة، أما في الولاية فالحديث لا يدور عن التنزيل. لأنّ الولي هو الأصل ولهذا فهو لا يؤدّي عمل المولى عليه بل يؤدّي بالأصالة، ومن هنا إذا نوى ايضاً بما أنّه صاحب ولاية فهو لا ينوي عن الغير بل ينوي عن نفسه.
 درجات الولاية الاعتبارية
للولايات الاعتبارية درجات، يتسع بعضها (كولاية السيد علي العبد) إلى درجة أنّها لا تتقيد بالضرورة أو مصلحة العبد. فما هو مطروح في مثل هذه الولاية مصلحة المولى. أي أنّ المولى يمكنه أن يأمر بكلّ ما يراه مصلحة له.
وبالطبع فإنّ الأدلّة اللفظية التي تدل على العموم أو الإطلاق في هذا المجال تصطدم بالحديث النبوي المعروف: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" لأنّ هذا الحديث حاكم على جميع الطاعات الإنسانية.
وولاية الأب والجد على الصغير أكثر محدودية من ولاية المولى على العبد. لأنّ الأب والجد مكلفان برعاية مصالح الابن. ويوجد أيضاً بعض الفرق ما بين ولاية الأب وولاية الوصي يؤدّي إلى الحد من دائرة ولاية الوصي بالنسبة لولاية الأب.

 الولاية كحكم وضعي
تعد الولاية حكماً وضعياً اعتبارياً. كما لو كان المولّى عليه محجوراً، أي أنّه عندما لا يكون حَجْرٌ لا مدخلية للولاية.
وكمثال، فإنّ للأب ولاية محضة على الابن الصغير. ولهذا فإنّ أيّاً من أعمال الابن غير البالغ لا يُمضى، فتعمده خطأ وقصده يعد "غير قصد".
ولهذا فإنّ الأب يتعهد جميع أعماله، فإذا قُبِلَ بيعه أو شراؤه أو استئجاره أو مصالحته فذلك تحت غطاء ولاية الأب.
وفي بعض الموارد أيضاً تصبح ولاية الأب بصورة ولاية تلفيقية، مثل ولاية الأب على ابنته البالغة والرشيدة ففي النكاح وإن كانت هي صاحبة الرأي والاختيار ولكن عقد زواجها مشروط بإذن الأب.

وإذا تجاوزنا هذه المرتبة نجد أنّ الأب أو الجد لا يملكان أيّ ولاية على الابن البالغ، فلا الأب يستطيع إعمال ولايته المحضة على أعمال الابن ولا تصرفات الابن مشروطة بإذن الأب وإن كانت طاعة الأبوين واجبة على الابن، ولكن هذا الوجوب حكم تكليفي لا حكم وضعي ولهذا فإذا نهى الأب وكمثال قال لابنه: إذا قمت بالمعاملة الفلانية فإنّ هذا يعدُّ عقوقاً لي، فإن قام الابن بإنجاز المعاملة يعد هذا معصية بالنسبة للحكم التكليفي فقط، بدليل أنّ إذن الأب ليس شرطاً في صحّة تلك المعاملة فإنّ المعاملة تكون صحيحة.
وهنا نرى الفرق بين الحكم الوضعي بمسألة الولاية مع الحكم التكليفي في وجوب الطاعة.

 جعل الوكالة والنيابة والولاية
يجوز جعل الوكالة والنيابة في موارد يكون الشخص قادراً على أداء العمل بنفسه مباشرةً، لكن لم يقيد إنجاز ذلك العمل بالمباشرة.
ومن هنا فالشخص الذي لا يمكنه أداء العمل لا يجوز له أن يجعل وكيلاً أو نائباً لأداء العمل. ودليله أو الوكالة والنيابة هما عبارتان عن تنزيل الفعل أو الفاعل منزلة الفعل أو الفاعل الآخر، ولهذا ففي الموارد التي لا يحقّ للإنسان أن يقوم بالعمل لا يجوز أن يضع فعل الآخر مكان فعله، ولا يجوز له أن ينزل شخصاً آخر منزلة نفسه.

وفي الولاية أيضاً من يحقّ له جعل الولي هو صاحب الولاية.
وكمثال يجوز للأب حين الوفاة أن يعين وصياً على ابنه الصغير لأنّ تعيين الوصي في الواقع هو جعل ولاية للوصي على الأمور التي يحقّ له (للأب) أن يعمل ولايته فيها. ولهذا السبب يحق للوصي أن يتدخل في شؤون الصغير ولا يحقّ له أيّ ولاية بالنسبة للأولاد البالغين تماماً مثل الأب في حال حياته.

يتبع...

المصدر: مجلة بقية الله

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأربعاء 27 يونيو 2018 - 10:26 بتوقيت مكة