من أوائل المعترضين في هذا الفصل سليمان بن سحيم، حين ذكر ذلك في رسالته التي بعثها إلى الأمصار فقال:
«فمن بِدَعِه وضلالاته أنْ عَمَدَ إلى شُهداء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكائنين في الجبيلة، زيد بن الخطاب والصحابة، وهَدَمَ قبورها وبَعْثَرَها؛ لأجل أنهم في حِجارة، ولا يَقْدِرون أن يحفِروا لهم، فطَوَوْا على أضرحتهم قَدْرَ ذِراع لِيَمْنَعُوا الرايحة والسباع، والدافن لهم خالد وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعَمَدَ أيضًا إلى مسجد في ذلك وهدمه…»(1).
ويستعظم المحجوب هدم القِباب، فيقول مخاطبًا الإمام عبد العزيز الأول:
«وأما ما جَنَحْتَ إليه من هَدْم ما يُبْنَى على مشاهد الأولياء من القباب من غير تفرِقة بين العامر، والخراب، فهي الداهية الدهياء، والعظيمة العظمى»(2).
وجعل علوي الحدَّاد في كتابه «مصباح الأنام» فصلًا في صحة بناء القِباب على الأولياء والعلماء، فضلًا عن الأنبياء، ثم عَقَدَ فصلًا في القُبة ونَدْبها، وأنها قُرْبَةٌ، حيث طَعَنَ الحداد في الوهَّابيين حين هَدَمُوا القِباب وأزالوها(3). ووصف الحداد الوهَّابيين بأنهم «يهدمون القُبَبَ المَبْنِيَّةعلى القبور»(4).
ويستدل إسماعيل التميمي على جواز اتخاذ القبور مساجد، بما جاء في قصة أصحاب الكهف في قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف: 21]
يقول إسماعيل: «…فإن الله تعالى لَمَّا حَكَى بناء المسجد هاهنا، ولم يَسُقْهُ مَسَاقَ الذمِّ، ولا تَعَقَّبَهُ بإبطالٍ دلَّ على أن اتخاذ المسجد على الميت لا بأسَ به»(5). وأورد التميمي مَبحثًا في البناء على القبور، جوّز فيه البناء على القبور، مستدلا على ذلك ببعض النُّقُول لبعض المنتسبين للعلم، ومؤولًا النصوص الشرعية حسب تجويزه(6).
ويورد اللكهنوري معتقد الشيخ الإمام في زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم فيقول: «وأنه يحرم شد الرحال إلى زيارة قبره.. ومستنده إلى حديث رووه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ»(7) والاستدلال به على مرادهم غلط ظاهر، فإن مفهوم الحديث كما يظهر على مَن له أَدْنَى إِلْمَام بالعربية هو أنه لا تُشَدُّ الرِّحال من المساجد إلا إلى ثلاثة مساجد، فإن المُسْتَثْنَى منه يجب أن يكون من جنس المستثنَى.. وأين من ذلك النهي عن شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يزل المسلمون وعلماؤهم يَتَعَاهَدُون زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وما أنكر قطُّ منكِرٌ، فقد ثبت إجماعُ المسلمين»([8]).
ثم يذكر مذهب الشيخ الإمام في حكم البناء على القُبُور، فيقول: «اعلَمْ رحِمك اللهُ أنَّ مَذْهَبَه في القبور أنه يُحَرِّمُ عِمارَتَها، والبناءَ حولَها، وتعاهُدَها، والدعاءَ والصلاةَ عندها، بل يجب هَدْمُها وطَمْسُ آثارِها»([9]).
ويدعي اللكنهوري أن هذه المشاهد تَقْلَعُ أُصُولَ الشِّرك والعدوان وتَجْتَاح جراثيمَ الكُفْر والطُّغيان([10]).
ويورد اللكنهوري الأدلة على جواز عِمارة القبور، فيقول: «وثَبَتَ ذلك في الكتاب في قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف: 21]، حيث قال المسلمون لما مات أهل الكهف: نحن نبني عليهم مسجدًا يُصلَّى فيه، فحَكَى سبحانه مَقالةَ المسلمين من غير ردٍّ عليهم ولا إنكار. والعَجَبُ من شارح كتاب «التوحيد» لابن عبد الوهَّاب حيثُ قال عند ذِكر هذه الآيةِ: هذا دليلٌ على أنَّ الذين غَلَبُوا هم الكفّار؛ إذ لو كانوا مؤمنينَ ما أرادوا أن يتخذوا على قبور الصالحين مسجدًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لَعَنَ فاعلَ ذلك»(11).
ويَذْكُرُ إجماعَ قومِه من الإماميَّة في ذلك، فيقول : «وأمَّا الإجماعُ عند أصحابنا الإمامية فهو أيضًا متحقِّقٌ في هذا المَقام؛ فإن علماءَنا رضِي الله عنهم من صَدْرِ الإسلام إلى هذا العصر لم يزالوا مُطْبِقِينَ على استحسانِ مشاهدِ الأئمةِ وتعظيمها، وتعاهُدِها، وتجديدها، على ذلك مَضَتِ القرونُ، ونَسَلَتِ الأزمنةُ، من غير خِلافِ أَحَدٍ»(12).
ويحمل اللكنهوري حديث أبي الهيَّاج (13) على أنه وارد في قبور الكفّار التي لا فائدة في بقائِها ولا حُرْمَة لها عند الله تعالى (14).
وأن المرادَ بالقبر المُشْرِف هو المرتفِع، مثل قبور النصارى المرتفعة من الأرض، وأما إذا كان نفس القبر مُسطحًا، ولكن بُنِيَ حولَه قُبةٌ عاليةٌ، فلا يَصْدُقُ عليه أنه القبر المشرِف(15). ويدعي اللكنهوري أن تقبيل القَبْر بعد الموتِ كتقبيل اليد في الحياة ففيهما التعظيم(16).
ويذكر اللكنهوري أن الوهَّابيين سنة 1223هـ هَدَمُوا القِباب، فهدموا قُبة سيدتنا خديجة رضي الله عنها، وهدموا قبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم ومولد أبي بكر (17).
ويَعْقِد جعفر النَّجَفِي بابًا في بناء قُبور الأنبياء والأولياء، ويجعل ذلك أمرًا مشروعًا، بحجة أن بناءَها سببٌ لزيارة القبور وإدراك فضل الزيارة، وأنه علامة للمُزار(18).
ويثبت دحلان مشروعيةَ شَدّ الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: «وإذا كانت كل زيارة -أي للقبر- قُربة، كان كل سفر إليها قربة، وقد صحَّ خروجُه صلى الله وعليه وسلم لزيارة قبور أصحابه بالبَقِيع وأُحُد، فإذا ثَبَتَ مشروعيةُ الانتقال لزيارة قبر غيره صلى الله عليه وسلم، فقبرُه الشريف أَوْلَى وأَحرى»(19).
ويَرُدُّ دحلان على مَن قال: إن منع شد الرحال من باب المحافظة على التوحيد فيقول: «إن هذا تَخَيُّل باطل؛ لأن المؤدي إلى الشرك إنما هو اتخاذُ القبور مساجدَ، أو العُكُوف عليها، وتصوير الصور فيها»(20).
ويجيب دحلان عن حديث «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ» بقوله: «وأما قوله: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الحَرَامِ، ومَسْجِدِي هَذَا، والْمَسْجِدِ الأَقْصَى»(21) فمعناه أن لا تشد الرحال إلى مسجد لأجل تعظيمه والصلاة فيه، إلا إلى المساجد الثلاثة فإنها تُشد الرحال إليها لتعظيمها والصلاة فيها، وهذا التقدير لا بد منه، ولو لم يكن التقدير هكذا، لاقتضى منع شد الرحال للحج، والهجرة من دار الكفر، ولطلب العلم، وتجارة الدنيا وغير ذلك. ولا يقول بذلك أحد»(22).
وذكر دحلان الأحاديث في وجوب زيارة القبر النبوي، حيث نَقَلَها عن ابن حَجَر الهَيْتَمِيّ من كِتابه «الجوهر المنظم في زيارة قبر النبي المكرم»، يقول دحلان:
«مَن حَجَّ البيتَ ولم يَزُرْنِي فقد جَفَاني» رواه ابن عدي بسند يحتج به(23).
«مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» رواه الدارقطني(24).
«مَن حجَّ فزارني في مَسْجِدِي بعد وَفاتي كان كمَن زارَنِي في حَيَاتي»(25]).
«من زارني بعد موتي، فكأنما زارني في حياتي»([26]).
ثم قال: «فتلك الأحاديث كلها في تأكيد زيارته صلى الله عليه وسلم حيًّا وميتًا، والزيارة شاملة للسفر؛ لأنها تستدعي الانتقال من مكان الزائر إلى مكان المَزُور، وإذا كانت كل زيارة قُربةً، كان كلُّ سَفَرٍ إليها قربةً»(27).
وخصص السمنودي بابًا في الكلام على إثبات مشروعية التمسح بالقبور، وتقبيلها وكسوتها، وجعل توابيت أو قباب أو عمائم لها، وأعمال المولد للأنبياء، والأولياء(28).
وقد تحدث السمنودي عن البناء على القبور، فأشار إلى حديث أبي الهياج قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: «أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَلَّا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ»([29]) قائلًا: «لم يرد تسويته بالأرض، وإنما أراد تسطيحه جمعًا بين الأخبار… كما أن ذلك كان في قبور عظماء المشركين محوًا لآثار ما كانت تفعله الجاهلية… فلا حجة فيه للوهّابية، وإلا لكان التسنيم والتسطيح ممنوعين، وقد علمت أنهما مشروعان»(30).
وقد أجاب علماء المدينة المنورة على استفتاء قدمه الشيخ عبد الله بن بلهيد رئيس القضاة في الحجاز إليهم حول البناء على القبور، وكان جوابهم على الاستفتاء في اليوم الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف (25 رمضان 1344 هـ)، ومما جاء في هذا الجواب ما نصّه:
«أما البناء على القبور فهو ممنوع إجماعًا؛ لصحة الأحاديث الواردة في منعه، ولهذا أفتى كثير من العلماء بوجوب هدمه، مستندين على ذلك بحديث علي رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج: «أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَلَّا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ». رواه مسلم.
وأما اتخاذ القبور مساجد، والصلاة فيها، فهو ممنوع مطلقًا، وإيقاد السرج عليها أيضًا، لحديث ابن عباس: «لَعَنَ رسولُ اللهِ زَائِرَاتِ القُبُورِ والمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا المساجِدَ والسُّرُجَ» رواه أهل السنن([31])، وأما ما يفعله الجهال عند الضرائح من التمسح بها، والتقرب لهم بالذبح والنذر، ودعاء أهلها مع الله؛ فهو حرام ممنوع شرعًا، لا يجوز فعله أصلًا. وأما التوجه إلى حجرة النبي صلى الله عليه وسلم عند الدعاء فالأولى منعه كما هو معروف من معتبرات كتب المذهب، ولأن أفضل الجهات جهة القبلة، وأما الطواف بها والتمسح وتقبيلها فهو ممنوع مطلقًا»(32).
فلما كتبوا هذا الجواب قام ناس لذلك وقعدوا وضجوا وصالوا وقالوا وحرروا بذلك المقالات والكتب، وقد تولى كِبر هذا الضجيج والصياح علماء الشيعة، فكان مما كتبوه ما ذكره العاملي ردًّا على الوهّابية، يقول العاملي معترضًا عليهم:
«إن بناء القبور، وتجصيصها، وعقد القباب فوقها، وعمل الصندوق والخلعة لها مما حرّمه الوهابية، وأوجبوا هَدْمَ القبور والقِباب التي عليها، والبناء الذي حولها، وزعم الوهابيون أن البناء على القبور بدعة حدثت بعد عصر التابعين»(33).
ويذكر العاملي بعض أعمال الوهابيين فيقول: «هدم الوهَّابية المسجدَ الذي عند قبر سيد الشهداء حَمزةَ بنِ عبدِ المطلبِ رضي الله عنه بأُحُد، بعدما هَدَمُوا القُبة التي على القبر. وأزالوا تلك الآثار الجليلة، ومحَوْا ذلك المسجد العظيم الواسع، فلا يرى الزائر لقبر حمزة اليومَ إلا أثر قبرٍ على تَلٍّ من التراب»(34).
ويذكر العاملي أيضا عنهم: «ومنع الوهابية تعظيم القبور، وأصحابها، والتبرك بها؛ من لمسٍ، وتقبيل لها، ولأعتاب مشاهدها، وتمسُّحٍ بها، وطواف حولها، ونحو ذلك»(35).
ويحكي العاملي عن الوهابيين فيقول: «ومنعت الوهابية اتخاذ الخدمة، والسَّدَنَة لقبور الأنبياء، والأولياء والصلحاء، واتخاذها عيدًا»(36). «ومنعوا أيضًا تزيين المشاهد بالذهب والفضة، والمعلَّقات، والحلي، والكسوة، ونحو ذلك»(37).
ويذكر العاملي حال الوهابيين حِيال شدّ الرحال لزيارة القبر النبوي، فيقول: «وقد منع الوهابية من شد الرحال إلى زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فضلًا عن غيره، وقد عرفت أن ابن تيميَّة في مقام تشنيعه على الإمامية قال: إنهم يَحُجُّون إلى المشاهد كما يحج الحاجُّ إلى البيت العتيق. وما هو حجهم إلا قصدهم زيارتها فسماه حجًّا لزيادة التهويل والتشنيع»(38).
وقد أورد العاملي ما فعله أتباع هذه الدعوة السلفية من هدم القباب والأبنية على القبور في عهد الإمام سعود بن عبد العزيز سنة 1218هـ(39)، كما ذكر هدمهم للقباب كذلك في عهد الملك عبد العزيز سنة 1343هـ فقال عنه:
«لما دخل الوهابيون إلى الطائف هدموا قبة ابن عباس كما فعلوا في المرة الأُولى، ولما دخلوا مكة المكرمة هدموا قبة عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي طالب عمه، وخديجة أم المؤمنين، وخرَّبوا مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد فاطمة الزهراء، ولما دخلوا جدة هدموا قبة حواء وخربوا قبرها كما خربوا قبور من ذكر أيضًا، وهدموا جميع ما بمكة ونواحيها والطائف ونواحيها من القباب والمزارات والأمكنة التي يُتبرك بها»(40).
وينادي محمد علي الأوردبادي يقول:
«طرقت الإسلام تلك الداهية الفادحة، والفاجعة المبرحة، مفرِّقة الكلمة ومضعضعة أركان الجامعة، ومشوشة أمر الأمة، ومضيعة الحرمة، ألا وهي فادحة هدم القباب»(41).
ويدعي الأوردبادي أن معنى اتخاذ القبور مساجد، هو السجود على القبور فقط؛ لأن المسلمين لم يتخذوا القبور كالمساجد الشرعية(42).
ويتعجب الأوردباي فيقول: «ويا للعجب فإن العدوان بهدم القباب الشرعية لم يكن إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرمه المدينة المنورة»(43).
ويقول:«وهل يستطيع مسلم أن ينكر المقام العظيم في الإسلام لهؤلاء الذين هُتكت حُرمتُهم بهدم القباب التي بناها المسلمون معاونة لزوارهم على البرّ واستدامة لزيارتهم، واستكثارًا من تلاوة القرآن، وذكر الله عند مراقدهم»(44).
ويكتب محمد حسـين رسالة «في نقض فتاوى الوهابية» جوابًا على فتوى علماء المدنية –التي سبق ذكرها- مؤكدًا ومقررًا أن التسوية في حديث أبي الهياج «ولا قبرًا مُشْرِفًا إلا سَوَّيْتَه» بمعنى عدلتَه وسطحته، لا بمعنى ساويته وهدمته(45).
ويقول محمد حسين: «والأخبار ناطقة بمشروعية بنائها وإشادتها، وأنها من تعظيم شعائر الله، {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]» (46).
ويحتج حسن صدر الدين الكاظمي على فتوى علماء المدينة بوجود القباب والمشاهد، فوجودها دليل على جواز البناء على القبور، يقول:
«ماذا ينكرون وهذه القباب العالية والبنايات الشامخة القائمة حول مراقد الأنبياء، والأئمة، والأولياء من الصحابة والتابعين، ومراقد العلماء والصالحين قد حُشيت بها بطون الأقطار والأمصار، بل إن في الآثار القائمة حول قبور الأنبياء السابقين كقبر دانيال، وقبر هود، وصالح، وذي الكفل، ويوشع في بابل، وكقبور الأنبياء المدفونين عند البيت المقدس، بل في بناء الحجر على قبر إسماعيل، وأمه هاجر؛ لأكبر دليل على اهتمام الأمم السالفة في تعظيم مراقد أنبيائهم، وليس بأقل من اهتمام المسلمين في تعظيم مرقد نبيهم، ومراقد أوليائهم»(47).
وينتقد الطباطبائي الوهابيين ويمدح قومه الإمامية فيقول: «قالت الوهابية: لا يجوز بناء القبور وتشييدها. وقالت الإمامية: يجوز بناء القبور للأنبياء والأولياء، وتشييدها وحفظها»(48)، ويستدل الطباطبائي على ذلك بأن البناء على القبور من باب تعظيم شعائر الله؛ لأن المشاهد المتضمنة لأجساد النبيين، وأئمة المسلمين من معالم الدين الواجب حفظها، وصونها عن الاندراس. والمشاهد من البيوت التي أذن الله أن ترفع، ويذكر فيها اسمه، فإن المراد من البيت هو بيت الطاعة، وكل محل أُعِدَّ للعبادة، فيعم المساجد والمشاهد؛ لكونها من المعابد (49).
ويشنِّع الطباطبائي على الوهابيين، فيقول عنهم: «واجتراؤهم على الله ورسوله بهدم القباب الطاهرة لأئمة البقيع الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا. وإن ذلك منهم إنكار لمودة ذي القربى التي هي من الضروريات الثابتة بالكتاب والسنة»(50.).
ويطعن حسن خزبك في الشيخ الإمام فيقول: «وكذا تنقيصه الرسل، والأنبياء، والأولياء، وهدم قببهم، بل ونبش قبورهم»(51).
ويورد محمد الطاهر يوسف دليلًا لهم على شدّ الرحال لزيارة القبور، فيقول: «نحن نستدل على شد الرحال على سبيل الوجوب أو الندب لأماكن دون المساجد الثلاثة بشد الرحال للتجارة الشرعية، وطلب العلم الشرعي، والمقابر، وللإخوان المؤمنين أحياءً وأمواتًا، ولا سيما قبر نبينا صلى الله عليه وسلم، وجميع الأنبياء والرسل والصحابة والأولياء والصالحين والشهداء»(52).
الهوامش
(1) نقلًا عن : ابن غنام، روضة الأفكار، 1 / 112.
(2) رسالة في الرد على الوهابية، ص 7.
(3) انظر : (مصباح الأنام)، ص42 – 44.
(4) المصدر السابق ص 29.
(5) (المنح الإلهية) ق 58.
(6) المصدر السابق، ق56 – 60.
(7) أخرجه البخاري (2/60، رقم 1188)، ومسلم (2/ 1014، رقم 1397).
([8]) (كشف النقاب)، ص 21.
([9]) المرجع السابق، ص 82.
([10]) المرجع السابق، ص 82، 83..
(11) المرجع السابق، ص 90.
(12) المرجع السابق ص 104.
(13) سيأتي إيراد نص هذا الحديث.
(14) المرجع السابق، ص 105.
(15) المرجع السابق، ص 107.
(16) المرجع السابق، ص118.
(17) المرجع السابق، ص129.
ومما يجدر ذكره أنه ألف كتابًا سماه (البيت المعمور في عمارة القبور) ويقول – كما جاء في كتابه (كشف النقاب) ص89 – «إن هذا الكتاب قد طبع في الهند، وتهافت عليه الناس كالفراش المبثوث».
(18) انظر : (منهج الرشاد) ص 71.
(19) (الدرر السنية في الرد على الوهابية)، ص5.
(20) المرجع السابق، نفس الصفحة.
(21) سبق تخريجه.
(22) الدرر السنية، ص5.
(23) الكامل في الضعفاء (8/ 248). وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 217).
(24) (3/ 334، رقم 2695).
([25]) أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 406، رقم 13497). قال الألباني: موضوع، رقم (5553) في ضعيف الجامع.
([26]) أخرجه الدارقطني (3/ 333، رقم 2694). والبيهقي في الشعب (6/ 46، رقم 3855). وقد أورده السيوطي في «اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة» (2/ 109).
(27) الدرر السنية، ص 4، 5 باختصار.
وقد ذكر دحلان في كتابه (خلاصة الكلام) ص 278 ما حدث سنة 1218هـ حيث إن «الأمير سعود بن عبد العزيز قد أمر بهدم القباب، فهدموا أولًا ما في المعلى من القبب، فكانت كثيرة، ثم هدموا قبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومولد سيدنا علي رضي الله عنه، وقبة السيدة خديجة رضي الله عنها».
(28) انظر : سعادة الدارين، 2/59.
([29]) أخرجه مسلم (2/ 666، رقم 969).
(30) سعادة الدارين، 2/71.
وانظر : جوابه عن حديث «لا تُشد الرحال…» في كتابه (سعادة الدارين) 1/120.
([31]) أخرجه أحمد (3/ 471، رقم 2030)، وأبو داود (3/ 218، رقم 3236)، والترمذي (3/ 136، رقم 320)، والنسائي (4/ 94، رقم 2043).
(31) جريدة أم القرى، عدد 69، 17 شوال 1344هـ.
(32) (كشف الارتياب)، ص 357.
(33) المرجع السابق، ص 414.
(34) المرجع السابق، ص 429.
(35) المرجع السابق، ص 448.
(36) المرجع السابق، ص 450.
(37) المرجع السابق، ص 474.
(38) انظر : المرجع السابق، ص22، 23.
(39) المرجع السابق، ص 59.
(40) رسالة في الرد على الوهابية، ص 3.
(41) انظر : المرجع السابق، ص 9.
(42) المرجع السابق، ص 4.
(43) المرجع السابق، ص 6.
(44) انظر : (رسالة في نقض فتاوى الوهابية)، ص 9 – 17.
(45) المرجع السابق، ص 17، 18.
(46) (رسالة الرد على فتاوى الوهابيين)، ص 9، 10.
انظر : توضيحًا لموقفهم من الفتوى في جريدة أم القرى عدد 104.
(47) (البراهين الجلية) ص 41.
(48) المرجع السابق، ص 47.
المصدر : مقالة بعنوان: الإمام محمد بن عبد الوهاب وهدم القباب على القبور / موقع الأثار / بتصرف
الاجتهاد