وهنا من الصعب ان يدرك كثير من القرآء العرب ـ وعذراً لهذا التصنيف العنصري ـ معنى أن يعتقل جاسوس يعمل لصالح المخابرات الايرانية بمرتبة وزير ولو كان سابقاً.. فالجيل العربي الحالي لم يسمع بجاسوس يعمل لصالح الدول العربية الـ22 في كيان الصهاينة، بينما الموساد نفذ عشرات العمليات في العواصم والمدن العربية، عمليات قتل واغتيال وليس مجرد تجسس!!
ومن عاصر مسلسل رأفت الهجان من شباب الثمانينات وكهول تلك الفترة لم يبق الكثير منهم بسبب تقدم العمر ـ أولاً ـ وما حصده ربيع العرب من ارواح على يد الجماعات الوهابية التكفيرية.. هذا في الدول العربية!! أما الخليجية منها فلا أعتقد انها شاهدت المسلسل حتى، لانها كانت مشغولة ببساط الفقر ودرب الزلك وبياي باي لندن، ومثقفوهم بصوت السهارى!!!
وفي ذلك الحين أيضاً لم يكن العرب يبحثون في شخصية رأفت الهجان أو رفعت علي الجمّال أو كما يعرفه الإسرائيليون جاك بيتون (مثل دوره الراحل محمود عبد العزيز) بل كان مشدودا الى جمال إستر بولونسكي، فلو كانت مثلا الفنانة فتحية عبد الغني تمثل دور إستر بدل الفنانة إيمان الطوخي، هل كان سيشاهد المسلسل عربي؟!
ولن يجرؤ الكتاب العرب من الرويبضة الذين يكتبون عن كل شيء وفي أتفه المواضيع والقضايا، خاصة اذا كان الامر فيه نيل من محور المقاومة و"العدو الفارسي الرافضي المجوسي" الذي يهدد السلم الاعرابي.. نعم لن يجرأوا بكشف تفاصيل الزلزال الذي سيصيب كيان الاحتلال بعد كشف بعض المعلومات التي قدمها الجاسوس/الوزير الى المخابرات الايرانية (حسب تصريح لوزير الحرب الاسرائيلي السابق عمير بيرتس) لأن الحديث عنه سيكشف للرأي العام ـ أولاً ـ خيبة أنظمتهم الهزيرلة والمتعاونة مع الصهاينة، وثانياً سيغضب ذلك السيد الأميركي وقد يكلفم في ظل رعونة ترامب!!
الوزير الإسرائيلي السابق غونين سيغيف الذي تولى حقيبة الطاقة وكان عضواً في البرلمان لأربع سنوات (1992 ـ 1996) لم يكن لوحده يعمل لصالح المخابرات الإيرانية، بل هناك من شغلهم الوزير لصالح المخابرات الايرانية.
وهنا أؤكد على أصلين مهمين في أي عمل من هذا النوع (حسب سعيد الجزائري في موسوعته المخابرات والعالم) هو وجود مصدر موازي أو أكثر للاطمينان من المعلومات، وكذلك هو أنك عندما تحصل على عميل ستفكر ببديل له من اللحظة الأولى ومن سيحل مكانه.. فكم زرعت ايران والمقاومة مكانه.. وماذا عن الأنظمة الأخرى الأسهل أختراقاً؟؟!!!
ليست أهمية سيغيف في كونه كان يحضر اجتماعات الحكومة الاسرائيلية ويطلع على ادق المعلومات والتقارير ويعرف طريقة تنضيج وصناعة القرار في حكومة العدو ومنظومته السياسية فقط، وهذه من أهم القضايا المنهجية والعلمية والمخابراتية، بل في معرفته بشبكات الجريمة والمخدرات في داخل فلسطين المحتلة وخارجها.. وقد يكون اعتقال مجموعة القراصنة الاسرائيليين الثمانية في الفلبين مؤخراً واحدة من ثمارها!!
كما يمكن لـ"سيغيف" ان يقدم معلومات عن النشاط الصهيوني في افريقيا، خاصة نيجيريا ومؤسستها العسكرية المتحالفة مع الصهاينة والنظام السعودي.
الفائدة الأولى: ان المجتمع الصهيوني في فلسطين المحتلة مليء بالثغرات والفجوات، فقط عليك أن تبحث عنها وتستغلها كما يستغل فجواتك وهفواتك الآخرون!!
الفائدة الثانية: أغلب الأنظمة العربية ليست حليفة للغرب، بل عميلة وتابعة له وان جميع أجهزة مخابراتها تعمل لصالح المنظومة الصهيونية ـ الغربية، بل تتصهين أكثر من الصهاينة أنفسهم!
الفائدة الثالثة: ان جميع ما قلته في هذا المقال مصدره الكيان الصهيوني نفسه، خلافاً لقصة رأفت الهجان التي اعتبرها الاسرائيليون من نسج خيال المخابرات المصرية!
الفائدة الرابعة: ايران لم تعلق ولن تعلق ولا تتوقعوا انها ستعلق على الخبر.. انها سياسة الغموض القاتل التي يتبعها حائك السجاد!
بقلم: علاء الرضائي