سامر عجمي
يقول الله تعالى على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾(يوسف: 108). وقال الإمام علي عليه السلام: "المؤمن هو الكيِّس الفطن"(1). وعن الإمام الصادق عليه السلام: "الْعَالِمُ بِزَمَانِه لَا تَهْجُمُ عَلَيْه اللَّوَابِسُ"(2).
توضح هذه النصوص الدينيّة أنّ منهاج القرآن والنبوة وأهل البيت عليهم السلام يقوم على تربية المؤمن على منظومة من المفاهيم والقيم، أهمّها: العقلانيّة، الذكاء، اليقظة والبصيرة وهي: "المعرفة التي يميّز بها بين الحق والباطل في الدين والدنيا"(3)، ومنها العلم بالحوادث الواقعة والتحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، بحيث لا يلتبس على المؤمن الحق بالباطل، ولا تختلط عليه الأمور. ومن أخطر الظاهرات في هذا الزمان: ظاهرة التكفير.
وظاهرة التكفير في تطبيقات بعض الجماعات المنتسبة للإسلام تعني إباحة الدم والمال والعرض - حتى للمسلم المختلف في التفكير -، وملازِمة القتل والتفجير والهدم والتهجير. وأصبح التكفير في الممارسة نقيضاً لمطلق التفكير. لذا، فإن للبحث في هذه الظاهرة أهمية كبيرة وخطورة بالغة تقتضي دراسة حقيقة التكفير، ومعاييره، وضوابطه، وشروطه.
وفي هذا السياق، كانت أهمية كتاب "التكفير - ضوابط الإسلام وتطبيقات المسلمين-" من 500 ص، تأليف الشيخ د. أكرم بركات، وهو بالأصل عبارة عن أطروحة نال بها الكاتب الدكتوراه من الجامعة الإسلامية في لبنان عام 2014م.
وسنحاول باختصار تسليط الضوء على هذه الأطروحة في نقاط عدّة:
النقطة الأولى: مصادر البحث ومراجعه
1-عدم مذهبة المصادر والمراجع البحثية، حيث لم يقتصر البحث على مصادر شيعية، فمن ضمن 235 مصدراً ومرجعاً هناك ما يقارب الـ130 منها لعلماء وفقهاء أهل السنة.
2-تنوع وتعدّد المصادر معرفياً، حيث تنوعت إلى حقول معرفيّة مختلفة، هي: المصادر الحديثيّة، والتفسيريّة، والكلاميّة، والفلسفيّة، والفقهية، والأصولية (أصول الفقه)، والتاريخية، والمعاجم اللغويّة.
النقطة الثانية: تعدد مناهج البحث
يلاحظ اعتماد الباحث تعدّد المناهج، بسبب تنوّع طبيعة الموضوعات المبحوث عنها في الرسالة، فقد اعتمد على: المنهج الاستقرائي المقارن، الوصفي، التحليلي، المنهج العقلي (الفلسفي والكلامي)، والنقلي.
النقطة الثالثة: من حيث الشكل ، تتألف الرسالة من ثلاثة أبواب:
- الباب الأول، يتألف من فصلين، وفي كل فصل مبحثان، تدور حول معنى الإسلام والإيمان ومحقّقاتهما.
- الباب الثاني، يتألف من فصلين، وكل فصل من 4 مباحث، تدور حول الكفر وموجباته وضوابطه في القرآن والسنة.
- الباب الثالث، يتألف من فصلين، وكل فصل من 4 مباحث، تدور حول تطبيقات التكفير في دائرتي العمل والعقيدة عند المسلمين.
واختتمت الأطروحة بالنتائج والفهارس.
النقطة الرابعة: مضمون الرسالة
من الطرق المعتمدة في عرض المضمون التدرج حسب ترتيب أبواب وفصول ومباحث الأطروحة، ولكن لكبر حجمها سنعرض المضمون من خلال النظرة الموضوعية المجموعية لا الترتيبية.
معنى الإسلام في القرآن والسنة
تبدأ الأطروحة من الجواب عن سؤال: ما هو الإسلام أو الإيمان؟ وما هي المعايير التي على أساسها يتم اعتبار الشخص مسلماً أو مؤمناً؟ لأن تحديد معنى الإسلام والإيمان يوصل إلى معرفة معنى الكفر نتيجة التقابل بينهما.
يحدد الكاتب الإسلام لغة بمعنى الانقياد، واستعمله القرآن بمعنى الانقياد بحق الأنبياء: نوح، إبراهيم، موسى، سليمان، عيسى عليهم السلام، مع وجود اختلاف أفقي وعمودي بين الاستعمالين اللغوي والقرآني، الأفقي باعتبار الإسلام في القرآن هو الانقياد إلى الله لا مطلق الانقياد، وعمودي باعتبار تفاوت درجات الإسلام شدةً وضعفاً. أما معنى الإسلام في السنة فيمكن لحاظه من زاويتين:
1-الإسلام الواقعي: بمعنى الاعتقاد الجازم في قلب الإنسان، وهو الدين الحق الذي يكون مِحور الآثار الأخروية.
2-والإسلام الظاهري: بمعنى الإقرار اللساني، وهو ما تترتب عليه آثار الإسلام في الحياة الدنيا في خط علاقة الناس بعضهم ببعضهم الآخر.
محققات الهوية الإسلامية للفرد
ويذكر الباحث عن محققات الإسلام الظاهري بالتتبع الاستقرائي للسنة النبوية القولية والعملية عدة فرضيات، وهي أنه يكفي في تحقق الإسلام واحدة من الأمور التالية: أن يقول الشخص: أسلمت لله، أو أن يقول: لا إله إلا الله، أو ينطق بالشهادتين، أو بالشهادتين مع الاعتقاد بالمعاد، أو الشهادتين مع جملة من فرائض الشريعة.
ثم يدرس الباحث الأحاديث من جهتين: من جهة السند، ومن جهة المتن.
معنى الإيمان ومحققاته في القرآن والسنة
أما بالنسبة للإيمان، لغة، فقد اختار الباحث كونه بمعنى إذعان قلب الإنسان لشيء ما، أي التصديق القلبي. وبعد دراسة الآيات والروايات بشكل تفصيلي تبنّى أن محقّقات الإيمان هي نفسها محققات الإسلام الظاهري، بمعنى أن الإيمان بالشهادتين في القلب هو حقيقة الإيمان.
معنى الكفر وآثاره في القرآن
بعد الانتهاء من البحث عن الإيمان، انتقل إلى البحث عن الكفر والتكفير، وعرّف الكُفر في اللغة. وبعد استعراض الآيات القرآنية بالتفصيل خرج بنتيجة مفادها: أن الكافر في القرآن هو من ليس مؤمناً إيماناً واقعياً بالله ورسوله أو الرسالة، فلا يشمل الكفرُ المسلم إسلاماً ظاهرياً، وهو الأصل.
وبعدما ذكر مصاديق الكافر القرآني والأحكام المترتبة على الكفر في القرآن توقف الكاتب عند وجوب جهادهم، مركزاً على أنه ليس من جهة كونهم كفاراً من الناحية العقائدية، بل من جهة الخيانة للعهد مع المؤمنين ونكثهم وطعنهم في الدين الإسلامي والتآمر عليه والمحاربة للمؤمنين والاعتداء عليهم، أما غير المعتدي فالتعامل معه يكون بالإحسان والعدل والقسط. وبالنسبة لأهل الكتاب فإن الأصل في التعامل معهم هو العفو والصفح، والقتال لهم دفاعي لرد الاعتداء.
آثار الكفر في الآخرة
أما النتائج الأخروية للكفر بدءاً من عدم قبول توبة الكافر وانتهاء بالعذاب الشديد يوم القيامة فتتوقف على ثلاثة أمور:
1-الاستمرار على الكفر وعدم التراجع عنه.
2-عدم القصور المعرفي في الاطلاع على الدين الحق والبحث عنه.
3-عدم الالتفات إلى وجود دين حق غير الذي يعتقد به الكافر.
وإذا كان الكافر أحد هؤلاء الثلاثة فهو لا يستحق العقاب بحكم العقل، حيث إن العقل -انطلاقاً من قاعدة التحسين والتقبيح العقليين- يحكم بقبح معاقبة الله للإنسان القاطع بخلاف عقيدة دين الحق.
معنى الكفر وموجباته في السنة
أما الكفر في السنة فهو عينه بالمعنى القرآني. وفي السنة النبوية نقطة مهمة، تفيد لزوم النظر إلى الكافر باعتباره نظيراً في الخلق والإنسانية، فتبنى خطوط العلاقة معه على هذا الأساس. ومن مصاديق ذلك في السنة: مساواة الكافر مع المسلم في قبح شهادة الزور عليه، وحسن بر الوالدين الكافرين، وحسن الوفاء بالعهد معه وأداء الأمانة له، واحترام حقوق الجيرة مع الكافر... إلخ.
أما موجبات الكفر في السيرة النبوية والأحاديث فإن النبي تعامل في ذلك على أساس تطبيق ضابطة الشهادتين.
ضوابط التكفير في السنة
وبالنسبة لضوابط التكفير في السنة ذكر الباحث ضابطتين معتمدتين عند بعض الفقهاء:
1-ضابطة الجحود للأحكام، وهي كذلك باعتبار كون الجاحد مصداقاً من مصاديق تكذيب الرسالة والرسول، وعليه يكون منكراً لرسالة النبي فلا يخرج بذلك عن الضابطة العامة أي كون الإسلام والإيمان متمحورين حول الشهادتين.
2-ضابطة إنكار الضرورة الدينية. والضرورة الدينية هي ما علم ثبوته من الدين ضرورة من دون حاجة إلى نظر واستدلال عند المطّلع على الدين.
ثم أخذ بالكلام حول تطبيق ضابطة التكفير الأصلية، لكونها هي المحور الذي ترجع إليه ما اعتقد أنه ضوابط مستقلة. ثم انتقل للبحث عن تطبيقات التكفير عند المسلمين في دائرتي العقيدة والعمل:
وذكر في دائرة العمل:
1-تكفير الخوارج لمرتكب الكبيرة.
2-تكفير تارك الصلاة (رأي ابن تيمية).
3-تكفير من حكم بغير ما أنزل الله ( سيد قطب).
4-تكفير من يتوسل بالصالحين (الوهابية).
وفي دائرة العقيدة:
1-تكفير منكر رؤية الله بالإبصار.
2-تكفير المعتقِد بتحريف القرآن.
3-تكفير المعتقِد بخلق القرآن.
4-تكفير المعتقِد بقِدم العالم.
وقال المؤلف: "لا بد من التمييز بين سوء الفعل وقبحه، وبين خطأ العقيدة وصحّتها من جهة، وبين التكفير. فليس كل عمل سيئ كالكبيرة أو ترك الصلاة يستلزم التكفير، وليس كل عقيدة باطلة -مع التسليم بكونها كذلك- تستلزم التكفير، إلا إذا انطبقت عليها ضابطة التكفير".
الهوامش:
1- الكافي، الكليني، ج2، ص230.
2-م.ن، ج1، ص27.
3- التبيان في تفسير القرآن، الطوسي، ج6، ص205.
المصدر: مجلة بقية الله