عبد الإله الشبيبي
في سؤال دائماً يطرحه الأصدقاء، هل يمكن للإنسان ان يطيل عمره الى مئات السنوات ام لا يمكن؟ وإذا كان يمكن كيف السبيل الى ذلك؟.
بعد البحث والتحقيق ومراجعة المصادر التي وقعت بين أيدينا نقول ان الإنسان يستطيع ان يعمر الى ما شاء من السنوات، إذا كان مراعياً لقواعد حفظ الصحة، فمن النظريات البارعة الكبيرة الأهمية التي ساقها الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) نظرية تدور حول عمر الإنسان. فمن رأيه أن الإنسان خلق لكي يعمر طويلاً، ولكنه يتسبب بتقصير عمره بنفسه، ولو أن كل إنسان أتقى ربه وأدى الفرائض وعف عن المحرمات ولم يسرف في المآكل والمشرب وذلك كما أمر به القرآن الكريم، لاستمتع بحياة أطول.
ولا ريب في أن عمر الإنسان يتوقف، بعد مشيئة الله عزوجل، على أمرين، هما: العناية بالصحة والاعتدال في الطعام. المصدر: الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب، ص369.
أضف إلى ذلك ما ثبت في علم الحياة، من إمكان طول عمر الإنسان إذا كان مراعياً لقواعد حفظ الصحة، وأن موت الإنسان في فترة متدنية، ليس لقصور الاقتضاء، بل لعوارض تمنع عن استمرار الحياة، ولو أمكن تحصين الإنسان منها بالأدوية والمعالجات الخاصة لطال عمره ما شاء.
وهناك كلمات ضافية من مهرة علم الطب في إمكان إطالة العمر، وتمديد حياة البشر، نشرت في الكتب والمجلات العلمية المختلفة.
وبالجملة، اتفقت كلمة الأطباء على أن رعاية أصول حفظ الصحة، توجب طول العمر، فكلما كثرت العناية برعاية تلك الأصول، طال العمر، ولأجل ذلك نرى أن الوفيات في هذا الزمان، في بعض الممالك، أقل من السابق، والمعمرين فيها أكثر من ذي قبل، وما هو إلا لرعاية أصول الصحة، ومن هنا أسست شركات تضمن حياة الإنسان إلى أمد معلوم تحت مقررات خاصة وحدود معينة، جارية على قوانين حفظ الصحة، فلو فرض في حياة شخص اجتماع موجبات الصحة من كل وجه، طال عمره إلى ما شاء الله.
وإذا قرأت ما تدونه أقلام الأطباء في هذا المجال، يتضح لك معنى قوله سبحانه: {فلو لا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون}.
فإذا كان عيش الإنسان في بطون الحيتان، في أعماق المحيطات، ممكنا إلى يوم البعث، فكيف لا يعيش إنسان، على اليابسة، في أجواء طبيعية، تحت رعاية الله وعنايته، إلى ما شاء الله؟. (المصدر: الأئمة الاثنى عشر، ص223)
قد تمكن أحد الجراحين من قطع جزء من جسم حيوان وإبقائه حيا أكثر من السنين التي يحياها ذلك الحيوان عادة، أي صارت حياة ذلك الجزء مرتبطة بالغذاء الذي يقدم لها بعد السنين التي يحياها، فصار في الإمكان أن يعيش إلى الأبد ما دام الغذاء اللازم موفوراً له.
والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: لو استطاع الإنسان التغلب على مرض السرطان والسكتة القلبية والجلطة والأمراض الأخرى التي تنتاب القلب، فهل يرتفع معدل عمره فوق المعدل الحالي.
مما يؤسف له أن الرد على هذا السؤال ليس بالإيجاب، لأن من أهم أسباب إطالة العمر مراعاة القواعد الصحية في كل شيء، ولاسيما في المأكل والمشرب، في حين أن التغلب على هذه الأمراض المستعصية لن يزيد المعدل الحالي لعمر الإنسان بأكثر من سنتين. ولو استطاع الإنسان أن يتغلب على هذه الأمراض جميعاً، لبقيت له أمراض الشيخوخة والهرم التي عز على الإنسان حتى اليوم أن يعالجها على بساطتها. فإن أصيب الشيخ بمرض بسيط كالبرد والإلتهاب الداخلي والحصبة وأمراض الرئة، لكانت كفيلة بالقضاء عليه.
وإن تلوث البيئة هو من العوامل التي تؤيد نظرية الإمام (عليه السلام)، وهو ظاهرة خطيرة في بعض المناطق، قليلة الشأن في مناطق أخرى. وقد قامت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة بدراسة أوضاع بعض المدن الأمريكية والمكسيكية من حيث التلوث، وانتهت في تقريرها إلى أن التلوث في بعض هذه المدن يفسد الهواء بحيث أن سكان هذه المدن إذ يتنفسون هواءها، فكأن الواحد منهم قد دخن كمية من السجاير تملأ علبتين في كل منها عشرين سيجارة في اليوم أثراً غير صحي في جسم الإنسان، فكذلك استنشاقه للهواء الملوث يفسد صحته بنفس القدر. (المصدر: الإمام الصادق كما عرفه علماءالغرب، ص370).
ومن العوامل التي تضر بالصحة الضوضاء والأصوات المزعجة، وقد ثبت من الناحية العلمية بأن للصوت المزعج أو الضوضاء أثراً سيئاً في سلامة الإنسان وهدوء أعصابه.
كما أن العلماء المعاصرين قد أثبتوا بصورة علمية صدق نظرية الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) القائلة بأن في وسع الإنسان أن يعمر طويلاً لولا أنه يعمل بنفسه على تقصير عمره، ففي ظل الحياة الميكانيكية العصرية التي فشت في أوربا وأمريكا، حلت المواد الصناعية محل المواد الغذائية الطبيعية، وأصبح الإنسان يتناول أطعمة مجهزة من مواد كيميائية ومركبة، مما أضر بالصحة، وأدى إلى تقصير العمر. (المصدر: السابق نفسه).
وان كل ما يعيشه الفرد الاعتيادي منا ذهنياً من التشكيك تجاه طول عمر الإنسان، إنما هو الاستبعاد الناشئ من الندرة وعدم توفره بشكل شائع، لان الإنسان وهو اللاصق بمحسوساته والأليف مع شهاداته، يستبعد ويستنكر كل ما هو بعيد عن محسوساته وقليل في مشاهداته، من دون ان يكون هناك أي إدراك عقلي قطعي بالاستحالة او التعذر. (المصدر: الامام المهدي المنتظر، ص81)
وقد ثبت علمياً ان تبقى الخلية الحية على قيد الحياة ما دام الغذاء وارداً عليها بغض النظر عن الزمن، أي مهما طال الزمن، وانما يشيخ الإنسان ويضعف للعوارض والإمراض والهموم التي تطرأ عليه.
لكن العلماء الموثوق بعلمهم يقولون أن كل الأنسجة الرئيسية من جسم الحيوان تقبل البقاء إلى ما لا نهاية وأنه في الإمكان يبقى الإنسان حيا ألوفا من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته وقولهم هذا ليس مجرد ظن بل هو نتيجة عملية مؤيدة بالامتحان.. قال الأستاذ ديمندوبرل من أساتذة جامعة جونس هبكنس: أن كل الأجزاء الخلوية الرئيسية من جسم الإنسان قد ثبت أن خلودها بالقوة صار أمراً مثبتاً بالامتحان أو مرجحاً ترجيحاً تاماً لطول ما عاشه حتى الآن.
والظاهر أن أول من امتحن ذلك في أجزاء من جسم الحيوان هو الدكتور جاك لوب... ثم أثبت الدكتور (ودن لويس) وزوجته أنه يمكن وضع أجزاء خلوية من جسم جنين طائر في سائل ملحي فتبقى حية وتوالت التجارب... حتى قام الدكتور الكسيس كارل وأثبت منها أن هذه الأجزاء لا تشيخ الحيوان الذي أخذت منه بل تعيش أكثر مما يعيش هو عادة وقد شرع في التجارب المذكورة، ولقي عقبات كثيرة وثبت له:
1- أن هذه الأجزاء الخلوية تبقى حية ما لم يعرض لها عارض يميتها، إما من قلة الغذاء أو من دخول بعض الميكروبات.
2- أنها لا تكتفي بالبقاء حية، بل تنمو خلاياها وتتكاثر، كما لو كانت باقية في جسم الحيوان.
3- أنه يمكن قياس نموها وتكاثرها ومعرفة ارتباطها بالغذاء الذي يقدم لها.
4- لا تأثير للزمن أي أنها لا تشيخ وتضعف بمرور الزمن بل لا يبدو عليها أقل أثر للشيخوخة تنمو وتتكاثر هذه السنة كما كانت تنمو وتتكاثر في السنة الماضية وما قبلها من السنين.
ولكن لماذا يموت الإنسان؟ ولماذا نرى سنينه محدودة لا تتجاوز المائة إلا نادراً جداً؟
الجواب: أن أعضاء الإنسان كثيرة مختلفة وهي مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً محكماً حتى أن حياة بعضها تتوقف على حياة البعض الآخر فإذا ضعف بعضها أو مات لسبب من الأسباب مات بموته سائر الأعضاء ناهيك بفتك الأمراض الميكروبية المختلفة وهذا مما يجعل متوسط العمر أقل جداً من سبعين والثمانين... وغاية الامر، ثبت الآن أن العمر أقل جداً من سبعين أو الثمانين أو مائة أو أكثر بل لأن العوارض تصيب بعض الاعراض تجدها تموت كلها ، فإذا استطاع العلم أن يزيل هذه العوارض أو يمنع فعلها لم يبق مانع يمنع استمرار الحياة مئات من السنين. (المصدر: الإمام المهدي المنتظر، ص85).
ومن المؤكد أن للتغذية السليمة دوراً فعالاً في إطالة العمر، في حين أن سوء التغذية أو الأنيميا يتسبب في تقصير عمر الإنسان، والأنيميا هي عارض من عوارض الحياة الميكانيكية العصرية.
إذن فالحياة قابلة للطول دهراً عظيماً من السنين، وليس للعلم ان يخفي إمكان ذلك بحال من الأحوال، و بالتالي نقول لمن يثير شبهة عدم إمكانية العمر الطويل للإمام المهدي (عج) و إنتفاء القضية المهدوية : ها هو العلم بين يديك و يرد عليك فلا مجال أمامك إلا التسليم و قول لبيك !!!
المصدر: كتابات في الميزان