وأما السبب الرئيسي لهذا العداء ورغم أننا من دعاة فصل الرياض عن السياسية، تماماً كالفصل بين الحكومة السعوديّة والشعب السعودي الذي نراه ككل الشعوب العربية فيما لو أُعطي هامشاً من المناورة السياسيّة والتعبير عن الرأي، يعود لسياسة السعودية مع بلدان عربية مختلفة:
مصر: تكفي قضية تيران وصنافير لتأليب الشارع المصري ضد آلية صنع القرار في السعودية، ورغم وجود عدد كبير من العمالة المصرية في الداخل السعوديّ، إلا أن الرياض باتت مكروهة لدى شريحة واسعة من المصريين من ضمنهم أولئك الذين يعملون في السعوديّة بسبب سياسة الاستعلاء المستخدمة تجاههم.
ناهيك عن إغاظة رئيس هيئة الرياضة السعودية تركي أل الشيخ المستمرة للشعوب العربية وخاصة مصر على اعتباره كان رئيساً فخرياً لنادي الأهلي المصري ليعتذر فيما بعد عن هذا المنصب، وكان آل الشيخ قد كشف عن حجم الأموال التي قدمها إلى النادي الأهلي المصري؛ هذا الأمر أشعل غضب جمهور النادي واعتبره المصريون “منة” من آل الشيخ، لذلك وبناءً على هذا التصريح أصدر النادي الأهلي المصري بياناً رسمياً يوم الأحد 27 مايو، أكد فيه أنه طلب من وزير الشباب والرياضة خالد عبد العزيز بتشكيل لجنة مالية رفيعة المستوى من أجل مراجعة وحصر كل الأموال التي تبرّع بها تركي آل الشيخ للنادي الأهلي خلال الفترة الماضية.
اليمن: يبدو أن الشعب اليمني بات اليوم أكثر الشعوب العربية عداءً للنظام السعودي بسبب الحرب القائمة منذ أكثر من ثلاث سنوات، والتي أدّت إلى أكبر كارثة في العصر الحديث، في الحقيقة العداء ليس بجديد بين البلدين رغم أن السعودية كانت من أبرز الداعمين للرئيس السابق علي عبدالله صالح، بل يعود إلى فترة طويلة بدءاً من أيام “الإمام” ودعم الرياض له في مواجهة الثروة، مروراً بتورطها باغتيال الحمدي وصولاً إلى السطو على عسير وجيزان ونجران.
لبنان: تحاول السعودية بكل ما أوتيت من مال أن تجد لها موطئ قدمٍ ثابت في لبنان، هذا الموطئ كان الحريري الأب، الذي عرف جيداً كيف يديره ويستفاد منه لمصلحة الشعب اللبناني، أما الحريري الابن لم يستطع أن يرقى إلى المستوى السياسي الذي كان يتميز به والده، حتى تحوّل سعد الحريري اليوم إلى لاعب سياسي ضعيف لا يملك مفاتيح دخول السعودية إلى لبنان، ونظراً لعجز الرياض عن تأمين ذلك بالمال، اضطرت الأخيرة لاحتجاز الحريري في السعودية في حادثة اعتبرت فضيحة مدوّية هزّت كيان جميع اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم والذين اجتمعوا على قلب رجل واحد محاربين سياسة ابن سلمان الاستعلائية تجاه لبنان مطالبين بإعادة رئيس حكومتهم سعد الحريري، وفيما بعد تدخل الرئيس الفرنسي ماكرون لحل الأزمة، ما جعل اللبنانيين يستاؤون من تصرفات السعودية تجاههم.
قطر: حاصرت السعودية قطر بكل الوسائل الممكنة وحاولت إجبارها على الرضوخ لطلباتها ولكن الأخيرة لم تستجب، وتمكّنت قطر من بناء علاقات مميزة مع الدول الإقليمية بسبب هذا الحصار لينقلب بذلك السحر على الساحر، لكن ابن سلمان لم يستسلم وها هو اليوم يعمل على فتح “قناة سلوى” على طول الحدود القطرية – السعودية لتحويلها إلى جزيرة وعزلها تماماً، فهل سينجح؟!
العراق: في العراق تدفقت الأموال السعودية لكسب بعض الأحزاب لمصلحتها، ولكن السعودية لم تصنع لنفسها سمعة جيدة في تلك البلاد، فعلى سبيل المثال كان سفيرها السابق ثامر السبهان يتدخل في كل شاردة وواردة في العراق ما أجبر المسؤولين العراقيين على مطالبة السعودية بإخراج سفيرها من العراق لإثارته للنعرات والبلابل وتدخله في شؤون الدولة الداخلية.
فيما بعد حاولت السعودية كسب بعض الأطراف العراقية لمصلحتها في الانتخابات الأخيرة لكنها كانت أبعد ما تكون عن ذلك، علماً أنها اعتبرت حصول السيد مقتدى الصدر على أكبر عدد أصوات لمصلحتها، لكننا لا نظن أنها تشعر بذلك الآن بعد أن تحالف الصدر مع “تحالف الفتح” بقيادة هادي العامري.
سلطنة عمان: لا يمكن القول إن هناك عداوة بين العمانيين والسعوديين، لكن العلاقة ليست في أحسن أحوالها اليوم، ولاسيّما أن السلطنة تتخذ مساراً مستقلاً عن مجلس التعاون ، الرياض لا تتقبّل استخدام جيرانها سياسة وسطيّة، أو عدم التزامهم بأجندتها السياسيّة، بل تعتبر هذا الأمر عداءً بالنسبة إليها كونها تقدّم نفسها الشقيقة الكبرى للدول الخليج الفارسي والوصيّة عليهم.
المغرب: حصل توتر بالغ على الصعيد الشعبي بين المغرب والسعودية بسبب سباق استضافة مونديال 2026، حيث صوتت السعودية لمصلحة الملف الثلاثي الأمريكي المكسيكي الكندي على حساب المغرب، ونتيجة لهذا أعرب وزير الرياضة المغربي، رشيد الطالبي العلمي، عن أسفه لتصويت السعودية ضد ملف بلاده خلال انتخابات مونديال 2026، واصفاً إياه بالخيانة.
الفلسطينيون وصفقة القرن: لم تبدِ السعودية أي تعاون مع الفلسطينيين فيما يخص قضية القدس، بل أكثر من ذلك نجدها اليوم ماضية في “صفقة القرن” وكأنها وقّعت على هذه الصفقة دون أن تقرأ بنودها.
السوريون: بسبب دعم الجماعات المسلّحة، حتى أن المعارضين الذي وجدوا في الرياض ضالتهم طوال سِنین الحرب الأولى اضطروا للخروج من الهيئة العليا، الأمر الذي دفع بالعديد من المعارضين السوريين لاتهام السعوديّة بالخیانة.
ختاماً.. يبدو واضحاً أن خارطة العداء للنظام السعوديّ تتوزع على كل العالم العربي من أقصى نقطة على المتوسط السوري إلى أقصى نقطة في المحيط الأطلسي.