لكنّ هذا الاستحقاق يحول دون إنجازه بالسرعة المطلوبة، بعدَ أن تحوّل أسير حسابات خارجية، لها علاقة بسفر الحريري إلى روسيا، ولقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان على هامش المباراة الافتتاحية لمونديال 2018.
الكلّ يسأل عن سبب التأخير. والجواب واحد «بانتظار ما سيحمله الحريري بعد لقائه بالأمير»، لا سيما أن «رئيس الحكومة سيرافق بن سلمان إلى الرياض عائداً من موسكو»، بحسب مصادر قريبة من الحريري.
إذاً، ستكون الأيام المُقبلة فاصلة بحسم أمور ذات صلة بالملف الحكومي. سيتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود نتيجة بعض الوقائع المستجدة. وهذه الوقائع لها علاقة بما سيحمله الزوّار اللبنانيون إلى الرياض، منهم الحريري، ومن سبقه إليها أي النائب وليد جنبلاط. وفي هذا السياق كشفت مصادر سياسية بارزة في حديث إلى «الأخبار» عن «زيارة يُمكن أن يقوم بها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بدوره إلى المملكة للقاء الأمير محمد بن سلمان»، في ضوء ما يُحكى عن «رفض سعودي سيسمعه الحريري لأي محاولة إقصاء ضد حزب القوات في الحكومة».
وضعية الانتظار التي يتخذها رئيس الحكومة في أمر التأليف، لم تحُل دون تحركّ العجلات السياسية منذ أيام. كانت كل المعطيات تشير إلى بطء في المشاورات والمفاوضات. لا بل كان أكثر من طرف سياسي يؤكّد أن لا شيء في الأفق «وكأنهم لا يستعجلون الحكومة من دون تحديد الأسباب». ثمّ فجأة ظهر نوع من جس النبض حيال الصيغة الحكومية القابلة للحياة، على أن تنطلق ورشة التأليف فور رجوع الحريري من خارج البلاد. في أيدي المعنيين بالمشاورات الجدّية، انتشرت صيغة أولية، ستكون دونها عقبات حتماً، قيل إن توزيعها سيكون على الشكل الآتي: 9 وزراء لرئيس الجمهورية وتكتل «لبنان القوي»، 7 وزراء لتيار المستقبل (من بينهم رئيس الحكومة)، 3 وزراء لجنبلاط، 6 وزراء لحزب الله وحركة أمل، 4 وزراء للقوات، ووزير لتيار المردة. وقد جاءت هذه التركيبة في ضوء تحديد القوى الحقائب التي تريدها.
وفي هذا الإطار علمت «الأخبار» أن حركة أمل وحزب الله يطالبان بوزارات المالية والشؤون الاجتماعية (من حصة الحركة)، الأشغال أو الصحة والزراعة (من حصة الحزب)، إضافة إلى وزارة دولة. فيما يطالب الحزب الاشتراكي بالأشغال والتربية، والقوات بأربعة مقاعد وزارية من ضمنها نائب رئيس الحكومة. لكن هذا المطلب الأخير يبدو بعيد المنال في ظل «الفيتو» العوني.
هذه التركيبة وفق توزيعها، لا تبدو سهلة الترجمة، لا سيما أن مجموعها يعني إبقاء عدد كبير من حلفاء فريق الثامن من آذار خارج التركيبة. حيث أن الثنائي حزب الله وحركة أمل، مصران هذه المرّة على عدم التنازل عن أي مقعد لمصلحة آخرين مقابل تسهيل ولادة الحكومة، وبالتالي سيكون لزاماً على أطراف أخرى كالحزب السوري القومي الاجتماعي وسنّة 8 آذار، خوض معركة للتمثل في الحكومة، سيكون حتماً من حصّة رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة الذي سيكون مضطراً للتنازل عن حصّته. هذا فضلاً عن حصّة الرئيس نجيب ميقاتي الذي تسمح بتمثيله العملية الحسابية القائلة بأحقية كل كتلة من أربعة نواب في الحصول على مقعد. وهنا ستكون العقدة الكبيرة، في ظل رفض الحريري إعطاء حلفاء حزب الله أي مقعد وزاري، لا سيما السنة، لأن ذلك سيقلص من حصته أولاً، ورفضه منح مقعد لميقاتي، لأسباب سياسية لها علاقة بمدينة طرابلس بالدرجة الأولى.
كل هذا الكلام والحديث عن الحقائب والحصص يصبح مجرّد حبر على ورق في ظل ما قاله الرئيس نبيه برّي أمس أمام زواره عن أن «لا حركة جديّة في الملف الحكومي».
وقد تقاطع كلام رئيس المجلس مع ما عبّرت عنه أوساط سياسية رأت أن الحديث عن حكومة سريعة ليس دقيقاً. لأن هناك أطرافاً، في مقدمها رئيس الحكومة تنتظر اتضاح الرؤية في ملفات مفصلية لها علاقة بمسارات المنطقة وتوازناتها، وهو السيناريو الذي تلمح إليه دوائر قريبة من الحريري.
* ميسم رزق .. الاخبار