المرجع الديني الشيخ لطف الله الصافي
الفقيه المرجع الديني الشيخ لطف الله الصافي دام ظله ، أمضى شطراً كبيراً من عمره المديد، يتتبّع الروايات حول أهل البيت عليهم السلام، على العموم، وحول الإمام المهديّ المنتظر عليه السلام بشكل خاصّ، وقد أغنى المكتبة الإسلاميّة بكتب متعدّدة قيّمة ونوعيّة في مجالاتها.
من هذه الكتب (أمان الأمّة من الاختلاف) ومنه نقتطف هذاالنصّ بتصرّف .
صرّح رسول الله صلّى الله عليه وآله بأسماء الأئمّة الاثني عشر، في روايات كثيرة متواترة أخرجها الإماميّة بطرقهم المعتبرة في صحاحهم وجوامعهم، كما قد أخرج طائفة منها جمع من شيوخ السنّة وأعلامهم، وأفرد جماعة من أصحاب الحديث من الفريقين كتباً نافعة قيّمة في فضائلهم ومناقبهم وكراماتهم وما ورد فيهم من النصوص، وتنصيص كلّ واحد منهم على الإمام الذي يلي الأمر بعده، وفى العلوم الصادرة عنهم.
وتتوزّع النصوص الصريحة المرشدة إلى التمسّك بأهل البيت وحجيّة مذاهبهم وأقوالهم ووجوب التأسّي بأعمالهم، والتي رُويت بطرق الفريقين على المحاور التالية:
* المحور الأوّل: أحاديث الثقلين، ويستفاد منها أمور، من أبرزها، وجوب التمسّك بالكتاب والعترة، والمراد به إنّما هو وجوب السير على وفق أوامرهم ونواهيهم وإرشاداتهم، لكونهم أعدال القرآن، وعدم افتراق أحدهما عن الآخر.
* المحور الثاني: أحاديث السفينة التي أخرجها من أعلام السنّة ما يربو على المائة، وإليك بعض ألفاظ الحديث: أخرج الحاكم بسنده".." قال: «سمعت أبا ذرّ يقول وهو آخذ باب الكعبة: أيّها الناس من عرفني فأنا من عرفتم ومن أنكرني فأنا أبو ذرّ، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق». قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وأخرجه ابن المغازلي"...".
* المحور الثالث: من محاور الأحاديث الدالّة على نجاة المتمسِّكين بأهل البيت، وانحصار نجاة غيرهم من الأمّة كائناً من كان بالتمسُّك بهم، وأنّهم أمان للأمّة من الاختلاف والهلاك والاندثار (أحاديث الأمان). وإليك بعض ألفاظها:
أخرج الحاكم عن ابن عبّاس عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال:"النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمّتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ."
أقول: إنّ دلالة هذه الأحاديث على حجيّة مذاهب أهل البيت عليهم السلام وكونهم أماناً من الاختلاف لعصمتهم، ووجود من يكون أهلاً للتمسُّك به منهم في كلّ زمان إلى قيام الساعة، وأنّ المراد من أهل البيت الذين هم أمان لأهل الأرض أئمّتهم، في غاية الوضوح، فإنّهم لم يختصّوا بهذا التشريف من دون الناس إلّا لكونهم معدناً للعلوم النبويّة والأحكام الشرعيّة والفضائل المحمودة، فلا بدّ أن لا يخلو الزمان ممّن يكون منهم موصوفاً بهذا الصفات وأهلاً لأن يكون مشرَّفا بهذا التشريف، وأماناً لهذه الأمّة المرحومة ولجميع أهل الأرض من الزوال والفناء والاختلاف.
وأصرح من الجميع في أنّ المراد من أهل البيت أئمّتهم وعلماؤهم، ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس وصحّحه، فإنّ اتّصاف أهل البيت بكونهم أماناً للأمّة من الاختلاف على سبيل الإطلاق في الأمور الدينيّة وغيرها، كما قال صلّى الله عليه وآله:"وأهل بيتي أمان لأمّتي من الاختلاف"بعلمائهم وأئمّتهم عليهم السلام الذين نصّ عليهم النبيّ صلّى الله عليه وآله في غير هذه الأحاديث.
والأحاديث في ارجاع الأمّة إلى أهل البيت وفى التصريح بأسماء الأئمّة الاثني عشر كثيرة متواترة، لا يمكن -في مثل هذا الكتاب- استقصاؤها، وإنّما ذكرنا منها -مضافاً إلى أحاديث الثقلين والسفينة والأمان- أربعين حديثاً للتبرّك.
ومن تدبّر حقّ التدبّر - في( أحاديث السفينة وأحاديث الأمان وأحاديث الطائفة) من قبيل:"لا تزال طائفة من أمّتي منصورين قائمين بالحقّ لا يضرّهم من خالفهم وخذلهم ". وأحاديث من مات ولم يعرف إمام زمانه، وأحاديث الخلفاء والأئمّة الاثني عشر، وأحاديث الثقلين، وحديث في كلّ خلف وحديث مَن سَرَّه: عن أبي هريرة قال: «خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال: معاشر الناس من أراد أن يحيا حياتي ويموت ميتتي فليتولَّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وليقتدِ بالأئمّة من بعده. فقيل: يا رسول الله، فكم الأئمّة من بعدك؟ قال: عدد الأسباط"، وغيرها من الاحاديث الكثيرة التي أخرجنا بعضها في هذا الكتاب - يحصل له العلم بعدم خلوّ الزمان من إمامٍ معصومٍ من أهل بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله،و يجب التمسّك به في الأمور الدينيّة ومعرفته ومتابعته والتأسّي به وأخذ العلم عنه، فهو خليفة الرسول في بيان الأحكام وتبليغ مسائل الحلال والحرام وتفسير القرآن. كما أنّ الكتاب العزيز أيضا خليفته، وهما لا يفترقان عن الآخر.
وعلى هذا الأساس المتين المستفاد من هذه الأخبار المتواترة القطعيّة وغيرها، بنى مذهب الإماميّة القائلين بوجود الإمام المعصوم في كلّ عصر وزمان من أهل البيت، وانحصار الإمامة في الاثني عشر إلى قيام الساعة. ويرشد إلى ذلك -أي عدم خلوّ الأرض من الإمام- ما رواه الخاصّ والعامّ عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: "أللّهمّ بلى، لا تخلو الارض من قائم لله بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً، لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته، وكم ذا، وأين أولئك؟ أولئك والله الأقلّون عدداً والأعظمون عند الله قدراً، يحفظ الله بهم حججه وبيّناته". أخرجه الشريف الرضيّ، والذهبيّ مع اختلاف يسير، وسبط ابن الجوزيّ في (تذكرة الخواص)، والموفّق بن حمد الخوارزمي في (المناقب)، وعليّ المتقي في (كنز العمّال) وأبو نعيم الأصبهانيّ في حلية الأولياء.
وقد ظهر ممّا ذكر أنّ أحاديث السفينة صريحاً حصرت طريق النجاة بالتمسُّك بهم، فلا ينجو إلّا مَن تمسّك بهم، كما أنّه لم ينجَ من قوم نوح إلّا من ركب السفينة، فمن لم يركبها وتخلّف عنها غرق .
المصدر: مجلة الشعائر