الإمام الخميني في كلام آية الله السيد محمد حسين فضل الله (قدس سره)

الأحد 3 يونيو 2018 - 10:58 بتوقيت مكة
الإمام الخميني في كلام آية الله السيد محمد حسين فضل الله (قدس سره)

لقد كان الإمام الخمينيّ (رضوان الله عليه) إسلامياً بكلّ ما للكلمة من معنى، وكان يمثل الشخصية الإسلاميّة التي تعتبر الإسلام كلّ شيء في العالم...

آية الله السيد محمد حسين فضل الله:

في ذكرى رحيل الإمام الخميني(رض)، لا بد أن نتطرق فيها إلى أبعاد هذه الشخصيّة، وما قدّمته في مسيرتها العلمية والجهادية والسياسية من عطاءات للأمّة، وما تركته من بصمة واضحة في تاريخ الأمّة المعاصر، مشيرين  إلى أهمية دراسة هذه الشخصية والإفادة منها على كلّ الصعد.

لقد كان الإمام الخمينيّ (رضوان الله عليه) إسلامياً بكلّ ما للكلمة من معنى، وكان يمثل الشخصية الإسلاميّة التي تعتبر الإسلام كلّ شيء في العالم، فقد كان يفكّر في الإسلام في مستوى العالم، وإن كان منطلقاً في حركته من إيران، لكنّه كان يعتبر إيران الموقع الذي يمتدّ في تجربته الإسلامية إلى أكثر من موقع في المنطقة. ولهذا، انطلق خصومه من الاستكبار العالمي ليحاربوه في الشعوب الأخرى، التي تعيش خصوصيةً في مواقعها، باتّهامه بتصدير الثورة. وأنا أتصوّر أنّه لو كان النبيّ محمّد (ص) في هذا العصر، لقالوا في حربهم ضدّه إنّه يريد تصدير ثورته ودعوته الإسلامية إلى المنطقة والعالم.

وقد تجلّى الإسلام في كلّ فكر الإمام الخميني، من خلال اجتهاده الفقهي في مسألة ولاية الفقيه العامّة التي سبقه إليها فقهاء كبار، كالشهيد الأوّل، وصاحب الجواهر، والشيخ النراقي، ولكنهم لم يوفَّقوا لأن يحوِّلوا هذه النظرية إلى حركة تنفيذية في الواقع، لأنّ ظروفهم لم تسمح لهم بذلك، ولكنّ الإمام الخميني(رض) بإصراره، وصلابته، وصموده، وإيمانه برسالته، واستعداده لتحمّل كلّ الأخطار، حتى خطر التضحية بالنفس، استطاع أن يحرّك الشعب الإيراني المسلم وبعض الشعوب الأخرى، من أجل إسقاط الكفر وكل السّائرين في خطه، وإسقاط الاستكبار العالمي الذي كان يسيطر على إيران وعلى المنطقة كلّها، سواء الاستكبار السوفياتي، أو الاستكبار الغربي.

فقد كانت صلابته وشجاعته وإصراره واعتماده على الله سبحانه وتعالى وعرفانه القرآني، الأساس في نجاح ثورته، إضافةً إلى أنّ الشعب الإيراني المسلم رأى فيه الفقيه الشجاع المخلص الذي يحبّ شعبه. وقد كنت أستمع إليه في بعض مواقفه وهو يقول: إنّ كلّ ما عندنا هو من الله تعالى، وليس لي أيّ دور في ذلك، وبالدرجة الثانية، كل ما عندنا من الشعب. فقد كان يؤمن بالشعب المسلم الواعي المنفتح.

فالإمام الخميني(رض) يمثل الشخصية الإسلامية الشيعية الملتزمة بمنهج أهل البيت(ع)، باعتبار أنّه المنهج الإسلامي الأصيل الذي يعمل على وحدة المسلمين، وكان شعاره: "يا مسلمي العالم اتّحدوا". وكان يرى أنّ على المسلمين الذين يختلفون في نظرياتهم المذهبيّة أو الكلامية أو الفقهية، أن يأخذوا بقول الله سبحانه وتعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا}[آل عمران:103]، {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول}[النّساء:59]. كان يؤمن بأنّ أفضل وسيلة لتقريب المسلمين بعضهم من بعض، وصنع وحدتهم، هو الحوار وإرجاع ما اختلفوا فيه إلى كتاب الله وسنّة نبيّه(ص).

ولم يقتصر دوره على الوحدة الإسلامية، بل كان يعمل على وحدة المستضعفين في العالم، وهو ما يجسّده شعاره المعروف: "يا مستضعفي العالم اتّحدوا"، لأنه كان يريد للمستضعفين أن يفهموا أنّ الإسلام يمثّل الدين الحضاري الذي يمكن أن يحقّق للإنسان الحل لمشاكله الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية المعقّدة، وكان يرى أن المستضعفين عندما يكتشفون الإسلام، فإنّه يمكن أن ينفتحوا عليه ويتّحدوا مع المسلمين في مواجهة الاستكبار العالميّ.

وقد كان من أهمّ نتائج ثورة الإمام الخميني(رض) التي واجهها العالم المستكبر والعالم الكافر، أنّه أدخل الإسلام في كلّ عقل، سواء من خلال الذين يؤيّدونه أو الذين يعادونه، فأصبح العالم انطلاقاً من ثورته يفكّر في الإسلام، ويؤيّد قضايا الحرية فيه، وخصوصاً في مسألة الاستفتاء الشّعبي الذي أخذ به الإمام الخميني(رض) كنظريّة فقهيّة، إلى جانب كونه نظريةً سياسيةً، ما جعل العالم ينفتح على الإسلام بعدما كانت الكثير من الشعوب لا تعرف من الإسلام حتى اسمه، لأنه لم يصلهم كدين حضاريّ.

وكان الإمام الخمينيّ(رض) رائداً في الدعوة الإسلامية، ومنفتحاً على الناس كلهم، وكان يعتبر أنّ على القيادات أن تستفتي الشعب وتستمع إلى انتقاده لها، حتى إنّه(رض) كان يوجّه النقد إلى الشخصيات القيادية الموجودة في أعلى المستويات الحكوميّة وغير الحكومية أمام الناس، لأنّه كان لا يريد أن يعطي امتيازاً للقيادات بالطّريقة التي تجعلهم يتحوّلون إلى أشخاص يقدّس الناس أخطاءهم. كان يعمل على أساس أن يثقّف الشعب والقيادات بالإسلام، وكان يريد إسلاماً ينفتح على قيم الحقّ والعدالة، لا إسلاماً ينفتح على آفاق السلطة على حساب الحق. لذلك، كان يمثل نموذج الفقيه الإسلامي القياديّ الذي بقي يفكّر ويستنبط ويجتهد ويراقب الواقع الداخلي والخارجي إلى آخر عمره.

وإنّني أدعو إلى دراسة الإمام الخميني(رض) دراسةً واسعةً، من خلال حركته، ومن خلال تصريحاته التي جُمعت في صحيفة "نور"، حتى ينفتح الناس على نموذج من الدعاة الإسلاميين الذين هم في المستوى العالي من الفقه والإخلاص لله سبحانه وتعالى، وللإسلام في خطّ الأئمة من أهل البيت(ع)، الذين نريد للأمّة كلّها أن تفهم تراثهم الحضاري، وأن لا تكتفي بأن تعيش حالة المأساة فيهم.

إنّنا عندما نتذكّر هذه الشخصية الإسلامية الفذّة، نشعر بميزتها وفرادتها في موقعها، بحيث استطاعت أن تتفوَّق على من قبلها وتتعب من هو بعدها.

ونريد للجمهوريّة الإسلاميّة التي انطلقت من عمق حركته وفقهه، أن تبقى في خطّه، وأن تستوحيه في المتغيّرات التي تحدث في العالم، لتضيف إلى خطّه خطوطاً جديدة تنطلق من روح خطّه، لا أن تبقى في حال جمود في المرحلة التي عاشها(رض)، لأن المراحل التي تعيشها تختلف عن المرحلة التي عاشها.

رحمه الله رحمةً واسعة، وعوّض الأمّة عنه بقيادات إسلامية رائدة في الدعوة الإسلامية".

المصدر: موقع بينات

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأحد 3 يونيو 2018 - 10:57 بتوقيت مكة