إن للصوم درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص، أمّا صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة، وأما صوم الخصوص فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرّجل وساير الجوارح عن الآثام.
قال الصادق عليه السلام: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وعد أشياء آخر غير هذا، وقال لا يكون يوم صومك كيوم فطرك، وزاد في خبر آخر: "ودع المراء وأذى الخادم وليكن عليك وقار الصيام فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع امرأة تسب جاريتها وهي صائمة فدعا بطعام فقال لها: كلي فقالت: إني صائمة، فقال: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك، إن الصوم ليس من الطعام والشارب فقط".
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما الصّوم جنة من النار فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجل وان امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل أنّي صائم اني صائم".
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من اغتاب مسلماً بطل صومه ونقض وضوؤه وإن مات وهو كذلك مات وهو مستحل لما حرم الله".
وقال الصادق عليه السلام: "إن الكذبة لتفطر الصّايم قيل: وأينا لا يكون ذلك منه قال: ليس حيث تذهب إنما ذاك الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى الأئمة عليهم السلام".
ومعنى بطلان الصوم بالكذب والغيبة وغيرهما مما لا يعدّه الفقهاء من المفطرات وعدم قبول الصوم وترتب الثواب عليه دون الأجزاء والخروج عن عدة التكليف.
وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدّنية والأفكار الدّنيوية وكفه عمّا سوى الله بالكلية، ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى اللّه واليوم الآخر وبالفكر في الدّنيا إلا دنيا تراد للدين، فإن ذلك زاد الآخرة وليس من الدّنيا.
قال أرباب القلوب: من تحركت همّته بالتّصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة فإنّ ذلك من قلة الوثوق بفضل اللّه وقلة اليقين برزقه الموعود، وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقرّبين.
وفي مقابلها من يستكثر من الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلئ .فورد: ما من وعاء ألغض إلى اللّه من بطن ملىء من حلال، وكيف يستفاد من الصوم قهر عدو اللّه وكسر الشهوة إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره، وربّما يزيد عليه في ألوان الطعام حتى استمرت العادات بأن يذخر جميع الأطعمة لشهر رمضان، فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر، ومعلوم أنّ مقصود الصوم الخوي وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى، وإذا دفعت المعدة ضحوة النهار إلى العشاء حتّى هاجت شهوتها وقويت رغبتها ثم أطعمت من اللذات وأشبعت زادت لذتها وتضاعفت قوتها وانبعت من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها.
عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش".
، وأما إذا جمع ما كان يأكل ضحوة إلى ما كان يأكل ليلة فلم ينتفع بصومه ولا يخف عليه تهجده.
وليلة القدر عبارة عن الليلة التي ينكشف فيها شيء من الملكوت ومن جعل بين قلبه وصدره مخلاة من الطعام فهو عنه محجوب، ومن أخلى معدته فلا يكفيه ذلك لرفع الحجاب حتّى يخلو همّته عن غير اللّه تعالى، وذلك هو الأمر كله ومبدأ ذلك تقليل الطعام.
والصوم ينقّي النفس فقد ورد في مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام: الصوم جنة، أي ستر من آفات الدنيا وحجاب من عذاب الآخرة، فإذا صمت فأنو بصومك كفّ النفس عن الشهوات وقطع الهمة عن خطوات الشيطان، فأنزل نفسك منزلة المرضى لا تشتهي طعاماً وشراباً، متوقعاً في كل لحظة شفاك من مرض الذنوب، وطهّر باطنك شفاك من كل كدر وغفلة وظلمة يقطعك عن معنى الإخلاص لوجه اللّه تعالى، قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: قال اللّه تعالى: "الصوم لي وأنا أجزي به".
فالصّوم يميت مواد النّفس وشهوة الطبع؛ وفيه صفاء القلب وطهارة الجوارح وعمارة الظاهر والباطن والشكر على النعم والإحسان إلى الفقراء وزيادة التضرع والخشوع والبكاء وحبل الالتجاء إلى اللّه وسبب انكسار الهمة وتخفيف الحساب وتضعيف الحسنات، وفيه من الفوائد ما لا يحصى وكفى بما ذكرناه منبّهاً لمن عقل ووفق لاستعماله".
المصدر: مجلة بقية الله