السيد محمد عبد الله فضل الله
في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك من العام الثاني للهجرة[و البعض يقول السنة الثالثة للهجرة]، ولد سبط رسول الله(ص)، الإمام الحسن المجتبى(ع) في المدينة المنوّرة.
هذه الولادة المباركة التي شكّلت بكل مسيرتها امتداداً حياً وفاعلاً للإسلام الرسالي الذي احتضنه رسول الله وأهل بيته الكرام.
سيرة الإمام الحسن(ع)، ونحن في أجواء الصوم والعبادة، نأخذ منها كلّ ما نقتدي به من قول وسلوك وقيمة تسمو بها أرواحنا، وتنفتح بها عقولنا على الحقّ والعدل والخير في الحياة، فهم عاشوا لله، وارتفعوا من أجل تأكيد خطّ الله في الواقع.
كان(ع) ولايزال صاحب المواعظ الحسنة التي أمر تعالى أولياءه بتلقينها للناس، وغرسها في قلوبهم حتى تنبت ثمراً طيّباً، وتعطي حكمةً تمتدّ لتشمل كلّ مناحي الحياة. وكانت آخر موعظة أطلقها الإمام الحسن(ع) في مرضه الّذي توفي فيه نتيجة السّم، ما ذكره الرواة، من أنّ جنادة بن أبي أمية قال له: عظني يابن رسول الله. قال: "استعدّ لسفرِك، وحصّلْ زادَك قبلَ حُلولِ أجلِك. واعلم أنّكَ تطلبُ الدنيا والموتُ يطلبُك، ولا تحملْ همَّ يومِك الّذي لم يأت على يومِك الّذي أنتَ فيه. واعلمْ أنّك لا تكسبُ من المالِ شَيئاً فوقَ قُوّتِك إلاّ كنتَ فيه خَازناً لغيرك. واعلم أنّ الدنيا في حلالِها حسابٌ، وفي حرامِها عقابٌ، وفي الشبهاتِ عتابٌ. فأنزلِ الدنيا بمنـزلةِ الميتِة، خُذْ منها ما يَكفِيكَ، فإن كانت حَلالاً، كنتَ قد زَهدتَ فيها، وإنْ كانت حَراماً لم يكنْ في وزرٍ، فأخذتَ منهُ كما أخذتَ مِن الميتة، وإنْ كان العقابُ فالعقاب يسيرٌ. واعملْ لدنياكَ كأنَّك تعيشُ أبداً، واعمَلْ لآخِرتكَ كأنّكَ تموتُ غَداً. وإذا أردتَ عِزّاً بلا عشيرة، وهيبةً بلا سُلطان، فاخرج من ذلِّ معصيةِ اللهِ إلى عزّ طاعةِ الله عزّ وجلّ. وإذا نازعَتْكَ إلى صحبةِ الرجالِ حاجةٌ، فاصحَبْ من إذا صحبتَه زانَك، وإذا أخذت منه صانَك، وإذا أردتَ منه معونةً أعانَك، وإنْ قُلتَ صدَّقَ قولَك، وإن صلت شدَّ صولتك، وإنْ مددت يدَك بفضلٍ مدّها، وإنْ بدتْ منكَ ثلمةٌ سدّها، وإنْ رأى منكَ حسنةً عدّها، وإنْ سألتَه أعطَاكَ، وإنْ سكتَّ عنه ابتداكَ، وإن نزلَتْ بكَ إحدى المُلِمّاتِ واساكَ، مَن لا تأتيكَ منه البوائقُ، ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلُكَ عندَ الحقائقِ، وإنْ تنازعتما منقسماً آثرك".
نقف لننهل من معين كلامه الذي يخترق النفوس، ويحرك فيها كل أثر طيب، فهو يدعونا إلى عدم الانغماس في مظاهر الدنيا، وترك أمر الرزق لله تعالى، والتوكل عليه في معاشنا، وهجران الذنوب والشبهات كي لا نتعرّض للحساب، وإلى لزوم القناعة وترك المعاصي، ولزوم الطاعة ومصاحبة الأخيار.
لقد تعرّض الإمام الحسن(ع) لتحدّيات كبيرة، حاولت ثنيه عن إكمال مسيرة الإسلام، والخنوع للواقع السيّئ القائم، ولكنّ نفسه الأبية، وروحه العلويّة، وشهامته الفاطمية، وانطلاقاً من مسؤولياته كإمام مفترض الطاعة، قام بكلّ ما يلزم حفاظاً على مصلحة الإسلام والمسلمين، على الرغم من كل تعقيدات الواقع وظروفه السياسية والأمنية الصعبة، فأعطى كل ما استطاع من نفسه في سبيل إبقاء كلمة الله هي العليا.
ونحن أمام هذه الولادة العطرة، ننحني أمام هذه الشخصية الإمامية المظلومة، التي لم تبحث عن شيء لذاتها، بل كان كلّ همها كيف تدير واقع الرّسالة والمسلمين وتوصله إلى برّ الأمان.
في هذه الأجواء الرمضانية المباركة، نزداد بركة وخيراً ورحمة بهذه الولادة الميمونة لسبط رسول الله(ص)، حيث كل الغنى والسموّ والعزة والكرامة، وكلّ الوعي والحكمة والتدبير.
فحريّ بنا أن ننفتح على هذه المناسبات كما ينبغي، حتى نعود عودة واعية وحرة ومسؤولة إلى الارتباط الحقيقي بكلّ رموز تاريخنا، ومن هذه الرموز، مولانا أبو محمد الحسن الزكي(ع).
فسلام عليه يوم ولد، ويوم ارتفع مسموماً مظلوماً إلى جوار ربّه، ويوم يبعث حيًّا.
المصدر: موقع بينات