من الواضِح أنّ القِيادة الإيرانيّة تُريد مَنح فُرصة للدُّول الأوروبيّة الثلاث بريطانيا وألمانيا وفرنسا للنَّأي بنفسها عن قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من الاتِّفاق النووي، ولكنّها لا تُريد في الوَقت نفسه إعطاءها سَقفًا زمنيًّا مَفتوحًا، وتَمثَّل هذا في الشُّروط السَّبعة التي حدَّدَها السيد خامنئي، وحَملها السيد عباس عراقجي، نائِب وزير الخارجيّة الإيراني، إلى اجتماع فيينا الذي انعقد يوميّ الخميس والجمعة الماضيين لضَمان المصالح الإيرانيّة في مُواجَهة العُقوبات الأمريكيّة، ويُمكِن شرح أبرزها كالتَّالي:
ـ الشَّرط الأوّل: التأكيد على أنّ الاتِّفاق النووي الإيراني جرى اعتماده من قبل مجلس الأمن الدولي رقم 2231، وانسحاب أمريكا منه يأتِي نَقضًا لهذا القرار، ويجب صُدور قرار إدانة مُضاد عن المجلس يُؤَكِّد هذا النَّقض.
ـ الشَّرط الثاني: عدم قُبول إيران الانخراط بأي مفاوضات حول برامج صواريخها الباليستيّة، لأن هذه البرامِج تُشكِّل جَوهر استراتيجيّتها الدِّفاعيّة التي تُشَكِّل خطًّا أحمَر.
ـ الشَّرط الثالث: ضمان جميع التعاملات الأوروبيّة التجاريّة واستمرارها، بِما في ذلك صادِرات النفط إلى أوروبا والهند والصين واليابان، وجميع التعاملات المَصرفيّة المُرتَبِطةِ بِها.
***
عدم التزام أوروبا، ودولها الثلاث الرئيسيّة بالأحرى، بهذه الشُّروط، وفي فترةٍ زمنيّةٍ قصيرة، لا تَزيد عن بِضعَة أسابيع، سيَجعل إيران في حِلٍّ من الالتزام بالاتِّفاق النووي، والعَودة الفوريّة إلى تخصيب اليورانيوم وبِمُعدَّلات مُرتَفِعَة.
العودة إلى تخصيب اليورانيوم يعني تَصاعُد حِدَّة التوتر مع الولايات المتحدة ودُخولها مَرحلة غير مسبوقة، وجر المِنطقة إلى الحرب، ومن الواضِح أنّ إيران غير مستعدة للاستسلام والعَيش تحت قُبّة حِصارٍ أمريكيٍّ اقتصاديٍّ خانِق يكون مُقدِّمة أساسيّة لمُخَطَّط إسقاط النِّظام.
حديث العميد بوردستان، الذي يُعتَبر القِيادي الأهم في المُخابرات العسكريّة الإيرانيّة، عن مُراقبة جهازه للقواعِد العسكريّة الأمريكيّة في الأردن ودول خليجيٍة، ومعرفة كل ما يَجري داخِلها من تَحرُّكات يُؤَكِّد النظريّة التي تقول بأنّ هذه القواعِد سَتكون الهَدف الأوّل لضَرباتٍ عسكريّةٍ إيرانيّةٍ انتقاميّةٍ في حالِ إقدام امريكا على أي عَملٍ عَسكريّ.
إنّها رسائل إيرانيّة تُشير، مُتفرِّقة أو مُجتَمِعة، إلى أنّ الصَّبر الإيرانيّ على الاستفزازات الأمريكيّة، سواء تلك المُتمثِّلة في العٌقوبات الاقتصاديّة، أو ضرب أهدافٍ عسكريّة إيرانيّة في سورية في غاراتٍ جويّةٍ وصاروخيّة إسرائيليّة، بدأ يَدخُل مرحلة النَّفاذ، وأنّ القِيادة الإيرانيّة قد تَلجأ للرَّد بصُورةٍ أو بأُخرى، وفي إطارٍ زًمنيٍّ مَحدود جدًّا دِفاعًا عن النَّفس والمَصالِح مَعًا.
القصف الصاروخي الإسرائيلي لأهدافٍ عسكريّةٍ إيرانيّة في سورية باتَ شِبه يومي تَقريبًا، وآخره استهدف مطار الضبعة في حمص، وأصبح لا يُحرِج القِيادة الإيرانيّة فقط، وإنّما نَظيرتها الروسيّة أيضًا، وهذا ما يُفَسِّر قلق الأخيرة، وعودتها للحَديث عن التَّفكير جِديًّا في رَفع “الفيتو” عن تزويد الجيش السوري بمَنظومات “إس 300” المُضادَّة للطيران والصواريخ ولو على لِسان خُبراء شِبه رسميين.
***
إطلاق طائِرة بدون طيّار نَحو مطار أبها جَنوب السعوديٍة اليوم السبت، وصَواريخ قبلها من مِنطَقة صعدة الحوثيٍة، باتِّجاه مدينة جيزان الحُدوديّة، ربّما يَعكِس، بصُورةٍ أو بأُخرى، مرحلة قُرب نفاذ الصَّبر الإيراني هذه، فالحوثيون لا يملكون القُدرة على إنتاج هذا النوع في الطائرات، وإذا امتلكوه، فإنّ التقنية إيرانيّة، وكذلك العُقول المُشرِفة على التدريب، إن لم يكن الإطلاق أيضًا، وشاهدنا كيف أربكت طائِرة صغيرة لا تزيد قيمتها عن 350 دولارًا مَطارًا سُعوديًّا رئيسيًّا في جنوب المملكة، والتَّكاليف الباهِظة لإسقاطها بصَواريخ “باتريوت”.
أمريكا بعيدة جدًّا عن مرمى الصَّواريخ الإيرانيّة حَتمًا، ولكن قواعِدها في الدُّول العربيّة، ودول الخليج الفارسي تحديدًا، ليست كذلك، والرِّسالة في هذا الصَّدد واضِحة المَعالم، ولهذا فإنّ الحَرب المُقبِلة في حال اشتعال فتيلها ستكون مُختَلفة عن كُل سابقاتِها، من حيث حجم الدَّمار وطُول الأمد، ومن المُؤلِم أنّ بعضنا كعَرب، وإسرائيل سنتساوى، وللمَرَّة الأُولى، في كَونِنا أبرز الضَّحايا مادِيًّا وبَشريًّا، وهُنا تَكمُن قِمَّة مأساتنا.. والأيّام بَيْنَنَا.
المصدر: رأي اليوم