على المقلب الآخر هناك شيء يحاك في الظل داخل أسوار المملكة وصلت إلينا خيوط منه في الـ21 من أبريل الماضي عندما حدث إطلاق نار في حي القصور الملكية “الخزامى” قيل حينها أن المستهدف كان ابن سلمان، وأيّاً كان الحدث حينها، انقلاباً أم غير ذلك، فإن ما جرى لا يبشّر بالخير لولي العهد الذي غاب عن المشهد الإعلامي فترة طويلة بعدها دون معرفة الأسباب.
ابن سلمان لم يتعامل بشكل جيد مع الدائرة المقربة منه، من أعمام وأبناء عمومة، بل على العكس انقلب عليهم، ووضعهم رهن الاحتجاز في فندق ريتز كارلتون، وتعامل معهم بطريقة مهينة لا تناسب مكانتهم الاجتماعية في السعودية ولا يزال كذلك، فعلى سبيل المثال، وبحسب تصريحات الأمير السعودي المنشق خالد بن فرحان، فإن ابن سلمان يحظر على الأمراء المعتقلين سابقاً السفر إلى السعودية، ويتم رصدهم ومراقبتهم بصرامة داخل السعودية، لدرجة أن معظمهم وضعت على سيقانهم أجهزة رصد لإعلام السلطات إلكترونياً عن المناطق التي يتحركون فيها، والسلطات تسجّل محادثاتهم سواء عبر الهاتف أم بشكل شخصي ومباشر، إذن، هم خاضعون لرقابة شخصية مشددة ومهينة داخل السعودية ولا يسمح لهم بمغادرتها إلى الخارج.
الأمور تطوّرت بين أفراد العائلة الحاكمة، إذ حوّل ابن سلمان أقرب الناس إليه إلى أعداء كما أنه يحاول إخفاء خوفه منهم لذلك يهرب إلى الأمام في التعاطي معهم، بحيث يعتقلهم أو يصادر أموالهم وغيرها من الأساليب التي يعتقد ابن سلمان أنها ستساهم في إبعادهم عن طريقه في الوصول إلى العرش.
في الحقيقة أخطأ ابن سلمان في معاداته أغلب أبناء العائلة الحاكمة، وبالتالي يداهمه اليوم الخطر الأكبر من هؤلاء أنفسهم الذين نجحوا منذ أيام “عبد العزيز” في تكاتفهم رغم وجود العديد من المشكلات التي أدّت إلى حرب تصفية.
يبدو أننا سنكون أمام سيناريو مشابه للعلاقة بين آل الرشيد، وآل سعود حيث سقط حكم الأولى على يد الأخيرة في حائل، فقد كانت عشيرة آل رشيد حتى أوائل القرن الماضي إحدى الأسر الحاكمة في الجزيرة العربية، وكانت تسيطر على منطقة حائل (شمال وسط السعودية حالياً)، وخاضت مواجهات مع أسرة آل سعود قبل سقوطها، وانضمامها إلى السعودية في 1921.
هذا السيناريو تحدّث عنه صراحةً الأمير خالد بن فرحان في مقابلة أجراها موقع “ميديل إيست آي” البريطاني، حيث طالب الأمير السعودي أعمامه بالإطاحة بالملك سلمان بن عبد العزيز واستلام الحكم في البلاد، واصفاً العاهل السعودي بـ “الأرعن والغبي والمزاجي” وأنه “تجاوز كل الحدود”.
وأضاف ابن فرحان إن “هناك غضباً شديداً داخل العائلة الحاكمة”، وتابع قائلاً إنه تلقّى “عدداً ضخماً من رسائل البريد الإلكتروني من أناس يعملون داخل الشرطة والجيش يؤيدونه فيما دعا إليه”.
هذا الغضب الشديد الذي يلفّ أرجاء المملكة سببه سياسة ابن سلمان الإقصائية التي لم تترك له صديقاً واحداً داخل البلاد لذلك من حقّه أن يخاف ويقلق من القادم، ولا نعتقد أنه سيهدأ له بال حتى يصل إلى كرسي العرش التي طالما حلم بها بعد أن كان مهمّشاً في السابق، ويحلم بأن يجلس ولو لبعض الوقت مع من اعتقلهم في فندق ريتز كارلتون.
استطاع ابن سلمان من خلال سياسته الحالية أن يحصل على مكاسب عديدة على المستوى الشخصي لكنه خسر تأييد الدائرة المقرّبة له لذلك عمد إلى اعتقالهم خوفاً من أن يطيحوا به وما زال هذا الخطر قائماً، ويعتقد الأمير ابن فرحان أنه لو اجتمع الأميران “أحمد” و”مقرن” ووحدا صفوفهما فإن “99% من أعضاء العائلة الملكية الحاكمة، وعناصر الأجهزة الأمنية والجيش ستقف مساندة لهما.
وقد لا يتوقف الأمر عند هذا الحد فالخلافات داخل السعودية شائكة، ومعقّدة وما يفعله ابن سلمان سيعقّدها أكثر فأكثر، فعلى سبيل المثال هناك شرخ حقيقي في بنية المجتمع السعودي بين طبقة مثقّفة تسعى لمزيد من الحريات والانفتاح، وبين الوهابيين الذين يشكّلون نسبة لا يستهان بها من بنية المجتمع، لذلك هناك خطر حقيقي بأن تحدث مواجهة بين هاتين الشريحتين، حينها لن يسلم أحد من تطرّف الوهابية وأفكارها المسمومة، وما يدعونا لهذا التفكير هو انقلاب ابن سلمان على نفسه، فبعد أن كان يسير في طور الانفتاح، وتغيير صورة المملكة النمطية، ومنح السيدات المزيد من الحريات، ها هو اليوم يعتقل هؤلاء السيدات تحت حجج دفاعهن عن حقوق المرأة التي نادى هو بها سابقاً، فهل كان ولي العهد يستغل مطالبهن لكسب الودّ، ومن ثم الانقلاب، أم إن هناك من يجبره في الظل على العودة إلى خط السعودية السابق وسياستها المعتادة؟