السيد جعفر مرتضى العاملي
عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي : أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة ، جمع إليه وجوه قريش ، فأوصاهم ، فقال :
«يا معشر قريش ، أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب ، فيكم السيد المطاع ، وفيكم المقدام الشجاع ، والواسع الباع ..
واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيباً إلا أحرزتموه ، ولا شرفاً إلا أدركتموه ، فلكم بذلك على الناس الفضيلة ، ولهم به إليكم الوسيلة ، والناس لكم حرب ، وعلى حربكم إلب ..
وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية ـ يعني الكعبة ـ فإن فيها مرضاة للرب ، قوةً للمعاش ، وثباتاً للوطأة ، صلوا أرحامكم ، فإن في صلة الرحم منسأة في الأجل ، وزيادة في العدد ..
اتركوا البغي والعقوق ، ففيهما هلكت القرون قبلكم.
أجيبوا الداعي ، واعطوا السائل ، فإن فيهما شرف الحياة والممات ، وعليكم بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، فإن فيهما محبة في الخاص ، ومكرمة في العام ..
وإني أوصيكم بمحمد خيراً ، فإنه الأمين في قريش ، والصديق في العرب ، وهو الجامع لكل ما أوصيتكم به ، وقد جاءنا بأمر قبله الجنان ، وأنكره اللسان مخافة الشنآن ، وأيم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب ، وأهل الأطراف ، والمستضعفين من الناس ، قد أجابوا دعوته وصدقوا كلمته ، وعظموا أمره ، فخاض بهم غمرات الموت ، وصارت رؤساء قريش وصناديدها أذناباً ، ودورها خراباً ، وضعفاؤها أرباباً ، إذ أعظمهم عليه أحوجهم إليه ، وأبعدهم منه أحظاهم عنده ، قد محضته العرب ودادها ، وأصفت له بلادها ، وأعطته قيادها ..
يا معشر قريش ، كونوا له ولاة ، ولحزبه حماة ، والله لا يسلك أحد سبيله إلا رشد ، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد ، ولو كان لنفسي مدة ، وفي أجلي تأخير ، لكففت عنه الهزاهز ، ولدفعت عنه الدواهي» ..
هذا ما جاء في بلوغ الإرب ، وزاد في روضة الواعظين قوله :
«غير أني أشهد بشهادته ، وأعظم مقالته» (١).
الهوامش:
(١) راجع : شيخ الأبطح ص ٤ و ٤٩ عن بلوغ الإرب ج ١ ص ٣٢٧ و ٣٢٨ ط ٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٩ وعن السيرة الحلبية ج ١ ص ٣٥٢ وعن أحمد زيني دحلان.
المصدر: كتاب ظلامة ابي طالب عليه السلام "تاريخ و دراسة"
إقرأ أيضا:لمحات عطرة من سيرة سيد البطحاء أبي طالب(ع)
إقرأ أيضا: ذكرى وفاة أبي طالب...مؤمن قريش