الإمام السيّد موسى الصّدر
اللّهمّ صلِّ على محمد وآل محمد شجرة النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعدن العلم، وأهل بيت الوحي. اللهم صلِّ على محمد وآل محمد الكهف الحصين، وغياث المضطر المستكين، وملجأ الهاربين، ومنجى الخائفين، وعصمة المعتصمين. اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها، ويغرق من تركها، المتقدّم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق. اللهمّ صلِّ على محمد وآل محمد صلاة طيبة كثيرة، تكون لهم رضى، ولمحمّد وآله أداءً وقضاءً بحول منك وقوّة يا أرحم الراحمين.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، واعمر قلبي بطاعتك، ولا تخزني بمعصيتك، وارزقني مواساة من قتَّرت عليه من رزقك، بما وسعت عليَّ من فضلك، ونشرت عليَّ من رحمتك. وهذا شهر نبيّك سيّد رسلك شعبان، الذي حففته منك بالرحمة والرضوان، والذي كان رسول الله يدأب في صيامه وقيامه، في لياليه وأيامه، بخوعًا لك في إكرامه وإعظامه إلى محلّ حمامه. اللهم فأعنّا على الاستنان بسّنته فيه ونيل الشفاعة لديه، اللّهمّ فاجعله لي فيه شافعًا مشفعًا وطريقًا إليك مهيعًا، حتى ألقاك يوم القيامة عني راضيًا، وعن ذنوبي قاضيًا، قد أوجبت لي منك الرحمة والرضوان، وأنزلتني دار القرار ومحلّ الأخيار.
وبعد، فنحن في أواخر هذا الشهر المبارك، ونستقبل شهر رمضان المبارك، في ظروف ما سبق لنا أن عشناها، علينا أن نتزوّد من أيامنا ومن ذكرياتنا أكثر من ذي قبل. فشهر شعبان، هذا الشهر المبارك الذي كنا نتلو هذه الفقرات من التحية لرسول الله (ص) ولآل بيته، وكنا نطلب من الله سبحانه وتعالى أن يعمر قلبنا بطاعته، وأن يجنبنا معصيته، وأن يرزقنا مواساة من قتَّر عليه الرزق بما وسع علينا من الرحمة والفضل. هذه بعض آثار هذا الشهر المبارك، ونسأل الله أن نكون قد وصلنا إلى بعض هذه الآثار. هذه العبادة الحقيقية التي كان يمارسها رسول الله(ص) تظهر في هذه الفقرات، نطلب من الله في هذه الأدعية أن يرزقنا مواساة من قتر عليه الرزق، يعني الشخص الذي هو لا يتمكن من الحياة إلا بشقاء وتعب.
نسأل الله في هذه الأدعية أن يجعلنا نواسيه، وأن نقدم له ما يجب علينا تقديمه، حتى نتمكن من مواساته ومشاركته في آلامه وفي محنه. هذه خلاصة بعض آثار هذا الشهر المبارك. ويؤكّد الدعاء أن هذا الشهر ووصول الإنسان إلى أجر هذا الشهر وثوابه، وصول الإنسان إلى شفاعة رسول الله في هذا الشهر، ليس بأمر عفوي، ولا يحصل دون تعب أو سعي أو جهد، فيقول الدعاء: "وارزقني مواساة من قترت عليه من رزقك، بما وسعت عليّ من فضلك، ونشرت عليّ من رحمتك"، ثم يدخل في جملة الشفاعة ويقول: "فأعنّا على الاستنان بسنته فيه ونيل الشفاعة لديه".
إذا نريد أن ننال شفاعة الرسول، فليس نيلنا ووصولنا إلى مقام الشفاعة منفصلًا عن الاستنان بسنة رسول الله في هذا الشّهر. الذي يريد أن يشفع الرسول له، فعليه أن يستن بسنَّة الرسول في هذا الشهر، والذي يريد أن يصل إلى الجنة [مجّاناً] ودون تعب ودون الاستنان، فهذا مخطئ، ولا يعرف حقيقة هذا العالم الذي جعل الله سبحانه وتعالى مصير الخير والشر بيد الإنسان ونتيجة عمل الإنسان: {ونفسٍ وما سوّاها* فألهمَها فجورَها وتقواها* قدْ أفلحَ من زكّاها* وقد خابَ من دسَّاها}(الشمس/7-10)، {وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى} (النجم، 39).
إذا يفكّر أحد أنه يمكن أن يدخل الجنة دون التعب، دون الجهد، دون الحساب، دون الجهاد، دون المرور على الصراط، فهذا يحلم، والأماني غرور الحمقى، على حدّ تعبير الإمام. الذي يفكر أنه إكرامًا لوجهه أو لطوله وعرضه [سيدخل الجنة، فهو مخطئ، فالذين دخلوا الجنة]، تعبوا وجاهدوا وتحملوا حتى دخلوا الجنة، أنت تريد أن تعمل كما تشاء وتدخل الجنّة؟ فإذًا، أنت مدلّل عند الله أكثر من الصادق والباقر والكاظم.
الذي يفكر أن يقعد في بيته ولا يعمل ولا يشقى ولا يتعب ولا يشتغل ويدخل الجنة هذا غلطان، هذا ليس حسابًا إلهيًّا، هذا حساب صوفي، هذا حساب شفاعي خاطئ، هذا حساب المفاداة المرفوضة في الإسلام.
نحن نؤمن بأنه: {أن ليس للإنسان إلّا ما سعى}(النجم، 39)، إذا قمت بالاستنان بسنة رسول الله في شهر شعبان، فقد نلت شفاعته في شهر شعبان؛ إذا قمت بواجبات ضيافة الله في شهر رمضان، فقد بلغت السعادة في شهر رمضان. أما، دون تعب، دون سعي، دون جهد...؟! أبواب الجنة مسدودة في وجه الكسالى والتنابل من الناس الذين يعتمدون على آبائهم وأجدادهم ونسبهم وهوياتهم وعائلاتهم، غلط هذا. يقول رسول الله (ص) لفاطمة ابنته- ومن الذي هو أولى من بنت محمد من أن ينال شفاعة محمد أو كرامة محمد عند الله؟ - المشقّة، كلما تعبت أكثر تستفيد أكثر، أفضل الأعمال أحمدها، هذا هو المبدأ.
إذًا، نحن في شهر شعبان، هل وصلنا إلى درجة شفاعة رسول الله؟ نعم، إذا كنا في خلال هذا الشهر من المتتبعين والسائرين في خطى رسول الله وفي سيرة رسول الله، أما إذا لم يكن الإنسان يعمل في هذا الشّهر، فلا شفاعة، ولا تطمع بالشّفاعة، وهكذا شهر رمضان.
فإذًا، نحن حينما نغادر هذا الشهر، نحاسب أنفسنا استعدادًا لفرصة العمر التي هي شهر رمضان، والذي يبشّر رسول الله(ص) قبل دخوله، يبشّر المسلمين بدخول هذا الشهر المبارك بالخير والبركة والرحمة والمغفرة. ويؤكّد لهم أن أبواب الجنان مفتوحة، وأبواب النيران مغلقة، والشياطين مغلولة، ويؤكّد لهم أنّ أعمالهم في هذا الشهر مقبولة، وأنفاسهم تسبيح، وحياتهم حياة شريفة كريمة.
نستعدّ لمقابلة هذا الشهر وللدخول في هذا الشهر والاستفادة من هذا الشهر في هذه الظروف المصيرية التي نعيشها لأول مرة في تاريخنا الطويل.
المصدر: موقع بينات