قريبا سيخرج السفياني! ماذا نعرف عن علامات الظهور؟

الإثنين 14 مايو 2018 - 10:25 بتوقيت مكة
قريبا سيخرج السفياني! ماذا نعرف عن علامات الظهور؟

لقد اتّخذت أخبار وأحاديث علامات الظهور حيّزًا مهمًّا من وعينا ونظرتنا لقضيّة الإمام المهدي، وما زالت تفعل ذلك بالنسبة للكثيرين...

السيد عباس نورالدين

أيّ مؤمن يسمع بهذا الخبر سيمتلئ قلبه بالبُشرى، رغم ما يمثّله السفياني في الأحاديث المتداولة من إجرام وبشاعة وأحداث مأساوية.. لماذا؟ لأنّ الشائع هو أنّ من أهم علامات ظهور الإمام المهدي(عجّل الله فرجه) هو خروج رجل قبله بعدّة أشهر، يُدعى السفياني ـ أو يُعرف بانتمائه إلى بني سفيان. ولكن ما الذي يمكن أن يحدثه هذا الخبر في نفوسنا سوى البشرى؟ وهل من الصحيح أن نفسّر التاريخ الإسلامي ـ وخصوصًا تاريخ عصر الغيبة ـ بناءً على أخبار بأحداث مستقبلية؟
حسنًا، لقد اتّخذت أخبار وأحاديث علامات الظهور حيّزًا مهمًّا من وعينا ونظرتنا لقضيّة الإمام المهدي، وما زالت تفعل ذلك بالنسبة للكثيرين. وبمعزل عن مدى صحّة هذه الأحاديث وكيفيّة ربطها بقضيّة الإمام، هناك جانبٌ مهمٌّ من القضية يمكن أن يختفي وراء هذا النوع من الثقافة؛ وهو الجانب المرتبط بالمسؤوليّة الحقيقيّة تجاه الإمام.
العديد من محبّي الإمام والمنتظرين لظهوره المبارك لا يتعاملون مع هذه العلامات بعيدًا عن البحث عن التكليف والمسؤوليات، بل تراهم يسعون لسبر أغوارها عسى أن يتبيّن لهم ما خفي عليهم من مهمّات ينبغي أن يقوموا بها. لكنّ عددًا آخر ـ لا يُستهان به أيضًا ـ ربط كلّ وعيه وفهمه وعلاقته بالعلامات. ويعود ذلك إلى طبيعة التصوّر الذي يحمله هؤلاء حول فلسفة وحكمة وجود الإمام في الحياة البشرية. فما فهموه هو أنّ ظهور الإمام يرتبط بتحوّلات عالمية أو سياسيّة أمنية ترتبط بالجغرافيا، وأنّ هناك مسارًا زمنيًّا طبيعيًّا لا بدّ أن يتحقّق حتى يظهر الإمام! هذا، بمعزل عن دور الناس وأفعالهم.
يُشبه هذا الرأي، رأي القائلين بالجبر التاريخي الذي يفسّر حركة المجتمعات ضمن سياقٍ حتميّ، بمعزل عن الإرادة والاختيار البشريّ. وكأنّ التاريخ لا بدّ أن يشهد نوعًا من التكامل أو الصيرورة تصل بالمجتمعات إلى حالة شيوعية ذات سمات معيّنة! في حين أنّه لو تأمّلنا قليلًا، لوجدنا أنّ التاريخ البشريّ كان ولا يزال يرتبط بحال كل مجتمع وأداء أفراده. وأنّ المجتمعات التي قُيّض لها البقاء مدّة طويلة إنّما كانت تعمل وفق سنن كونيّة نابعة من حكمة الله في تدبير العالم وإيصاله إلى غايته. وأنّ المجتمعات التي أخفقت وفشلت واندثرت، إنّما جرى عليها ذلك لمخالفتها لسنن البقاء وقوانين الازدهار.
فلا حتميّة في التاريخ إلّا للسّنن والقوانين الاجتماعية التي تحدّد كيفيّة تكامل وازدهار أي مجتمع ودوامه وكيفيّة انحطاطه وسقوطه وزواله. ويبقى العنصر المحوريّ في أيٍّ منهما هو الذي يرتبط بإرادة الناس وأدائهم.
حين يستشرف أي حكيم مستقبل مجتمعٍ أو أمّةٍ ما، فإنّ استشرافه هذا لا يكون إلّا بناءً على ما اطّلع عليه من أداء أهله. إنّه كذاك المعلّم الخبير الذي يتنبّأ برسوب التلميذ الفلاني لما شاهده فيه من إهمال وكسل و..
إنّ أحداث التاريخ المستقبلية التي تنبّأ بها المعصومون أو حدّثونا عنها كانت في معظمها، إن لم نقل كلّها، ذات صلة بأداء أمّة محدّدة. فتلك الأمم التي بنت أمجادها على خصال معيّنة، لا بدّ أن تشاهد في نهاية المطاف عاقبة ما بنت عليه، فمن المستحيل أن تنفصل النتائج هنا عن المقدّمات.
الأمويّون كما نعلم قد شيّدوا حكمهم على خصلة الغدر ونزعة العصبية، ولا بدّ أن يكون هناك عواقب حتميّة لمثل هذه الصّفات. وهكذا فيما يتعلّق بالعبّاسيّين من بعدهم. لهذا، وجدنا أنّ العديد ممّا اصطُلح عليه بعلامات الظهور كان متعلّقًا بهاتين الأمّتين اللتين كان لهما تأثيرٌ كبيرٌ على مستوى رسم مصير المسلمين إلى يومنا هذا. وقد فهم بعض الباحثين أنّ هذه الأحاديث ترتبط بظهور الإمام أو تدلّ على حتميّة خروجه من بعدها. مثل قضيّة الحسني والهاشمي والسفياني على الأرجح، وكذلك الخُراساني والرايات السود (والتي نجد لها شواهد واضحة ويقينيّة في تاريخ تلك الدولتين). فهذه بشارات بغَيبٍ يجري على المسلمين، لكنّ الرغبة الشديدة بتثبيت قضيّة المهدي عند المحبّين من جهة، والتساهل بشأن البحث السندي والمضموني في تلك الأحاديث من جهةٍ أخرى، جعلهم يتسرّعون في إدراجها ضمن قضيّة الإمام المهدي وعلامات الظّهور! فكيف إذا أضفنا عاملًا مهمًّا هنا وهو قيام محبّي ومؤيّدي وعمّال الدولتين المذكورتين باستغلال قضيّة الإمام المهدي للتّرويج لمشاريعهما. ونحن نعلم مدى حضور هذه القضيّة في الوسط الإسلامي في تلك الأزمنة ومدى تعلّق الناس بها.
يُستفاد من مئات الشواهد التاريخيّة أنّ الاعتقاد بخروج المهدي كان أمرًا شائعًا بين جميع المسلمين وخصوصًا مع نهايات الدولة الأموية وبداية نشوء الدولة العباسية. لهذا وجدنا أيضًا أنّ معظم الأحاديث التي جُعلت من علامات الظهور قد صدرت في تلك الفترة. فعلى سبيل المثال، نجد أنّ أحاديث الرايات السود أو أحاديث الخُراساني قد نُسبت إلى عصر الثورة العباسية. ولهذا لا نجد أي حديث عن إمامٍ معصوم حول هذه الرايات أو حول قضية الخُراساني بعد انتصار الثورة العباسية.
الدراسة التاريخية المعمّقة ربما تفيدنا كثيرًا في فهم مضامين أحاديث العلامات أيضًا.
إنّ دراسة مستفيضة لما اصطُلح عليه بالعلامات ـ سواء حول مصادرها وأسنادها ومضامينها ونصوصها، وخصوصًا فيما يتعلّق بمدى ارتباطها بالإمام المهدي من الناحية السببيّة ـ تدلّنا على وجود الكثير من المبالغة في الاستنتاجات التي قام بها بعض الباحثين، وعلى حجم التساهل بشأن ارتباطها بالقضية الأم، وفوق ذلك ستكشف لنا عن أخطاءٍ جسيمة أدّت إلى بناء ثقافة غير سليمة في هذا المجال.
لا شك بأنّ ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) لن يكون خارجًا عن حركة السنن الإلهية؛ بَيد أنّ توقيت هذه السنن، ووضع أزمنة محدّدة لكلّ واحدة، من حيث المقدّمات والنتائج، سيكون أمرًا خارجًا عن قدرة أي إنسان، كما يذعن كلّ باحثٍ قدير. ولا شك أيضًا بوجود إمكانية لتحديد علامات اجتماعية وكونية لأي ظاهرة بشرية من قِبل من له الإحاطة بهذا العالم، وممّن ارتضى الله اطلاعه على الغيب. وقد يكون لبعض هذه العلامات دور البشارة والتثبيت؛ لكن ثبات قضية الإمام في النفوس لا يتأتّى من هذا النوع من التربية، كما عهدنا في تراث أئمّة الهدى عليهم السلام؛ وإنّما ينشأ الثبات الإيماني من تربية عقلية ترتبط بفهم الحضور الإلهي في الحياة البشرية.
فالاعتقاد بحتمية وجود الإمام في الأرض، ودوره في إصلاح العالم، وإتمام الحجّة على الناس، كل هذه إنّما تنبع من معرفة الله تعالى معرفة حقّة. هذا الأمر الذي تدور حوله كل القضايا الدينية والسلوكية، لأنّه مبدأ الدين كلّه. فأوّل الدين معرفة الله. ومن لم يبنِ ديانته على المعرفة الصحيحة لن تنفعه علامات ولا معجزات.
من خلال التأمّل في المنهاج التربوي لأئمّة الهدى (عليهم السلام) نصل إلى هذه النتيجة وهي أنّهم (عليهم السلام) قد كانوا بصدد إعداد الإنسان المؤمن العقلاني المسؤول المبادر الشجاع الحرّ الفعّال. وكل هذه الصفات ينبغي أن تقوم على أساس الإيمان القويّ بما يعنيه تدبير الله للعالم.
إنّ ظهور الإمام المهدي عليه السلام، ليس من العلامات التاريخية كما صرّحت الأحاديث المختلفة، بل هو من الوعود الربّانية النابعة من حكمة الخلق والتدبير. ولهذا يتطلّع المؤمنون الثابتون إلى هذه القضية من زاوية السّنن لا العلامات، وهم يعلمون أنّ لكلّ أمّة أجل وغاية لا بدّ أن تبلغها ذات يوم بناءً على سلوكها وأدائها.
فلو علم الناس كيفية أداء الصهاينة أو الغربيين، وفهموا قوانين المجتمعات، لتيقّنوا أنّ هؤلاء قوم متبّرون، لا فلاح لهم ولا نجاح. ولو فهم الناس كيفية تشكّل الدول والحكومات المخالفة لنهج النبيّ ووصيّته، لأدركوا جيّدًا أنّ مصيرها ليس سوى الزوال والانقراض. وإنّما يزول الباطل ويزهق ويُدمغ بفعل قذف الحقّ عليه. وهذا ما يفعله الناس أنفسهم.
إنّ السنّة الإلهية الكبرى قد قضت بأنّ يكون التاريخ صنيعة إرادة الناس. وأنّ الباطل كان زهوقًا، وأنّ الحق باقٍ ومنتصر. وأنّ دين الله ورسالته سيظهران على كلّ العالم. ولم تكن حكومة الإمام المهدي وقيادته بمعزل عن هذه السّنن يومًا.
قضية الإمام المهدي (عجل الله فرجه) هي قضيّة كبرى قائمة على قواعد إيمانيّة وعقائدية ثابتة، تتفرّع منها سنن وقوانين في تفاعلها مع حركة المجتمعات وإرادة الأمم. ووفق هذه الحركة تقع أحداث تكون بمنزلة العلامات والدلائل. فإذا استطعنا أن نبني ثقافتنا المهدويّة بدءًا من الأصول ومرورًا بالفروع، فإنّ وصولنا إلى مرحلة تأمّل العلامات وانتظارها بعدها لن يكون سببًا لبعدنا عن روح هذه القضية ومسؤوليتنا تجاهها..
أمّا من بنى ثقافته المهدويّة على غير أركان العقيدة والإيمان، وعجز عن فهم سنن التدبير للمجتمعات، فمن المتوقّع أن تنهار به مواضع العلامات وترميه في وادي الضلالة السحيق.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 14 مايو 2018 - 10:25 بتوقيت مكة