خيبة أمل جديدة للدبلوماسية المصرية، بعد إخفاق مرشح القاهرة في الفوز بمنصب رئيس البرلمان الإفريقي وحصوله على أقل نسبة من الأصوات بمقابل منافسيه.
وفاز مرشح الكاميرون روجر انكودو، برئاسة البرلمان الإفريقي لفترة جديدة بحصوله على 144 صوتا، وحصل مرشح زيمبابوي على 47 صوتا، فيما نال المرشح المصري، النائب مصطفى الجندي، 44 صوتا فقط.
الإخفاق المصري في الحصول على المنصب الإفريقي يكشف عن غياب الدور المصري السابق بالقارة السوداء وانحسار تأثير القاهرة بشكل غير مسبوق، ويأتي عقب خسارة مصر معركتها للفوز بمنصب مدير منظمة اليونيسكو قبل 7 أشهر.
وكان لمصر أياد بيضاء بإفريقيا فترة الستينيات من القرن الماضي بمساعدة حركات التحرر بمواجهة الاحتلال الأجنبي، وهو الدور الذي كان له تأثير جيد بمساندة إفريقية لمصر بصراعها مع الكيان الصهيوني حول سيناء، وظلت مصر في ريادة دول القارة، حتى تراجع دورها بتعرض الرئيس المخلوع حسني مبارك، لمحاولة اغتيال عام 1995 بمؤتمر القمة الإفريقية بأديس أبابا، وهو ما تبعه ضعف التمثيل المصري بالفعاليات الإفريقية وتهميش دورها بالصراعات الإفريقية.
وإثر الانقلاب العسكري بمصر منتصف 2013، جمد الاتحاد الإفريقي عضوية مصر، وظهرت القاهرة عاجزة بأزمة سد النهضة بمواجهة إثيوبيا، وخسرت للدبلوماسية المصرية مكانتها السابقة بعد قيام أحد المسؤولين المصريين بوصف الأفارقة بأنهم كلاب وعبيد بمؤتمر للبيئة منتصف 2016، ما دفع دبلوماسيين أفارقة للمطالبة بعدم منح مصر أية مناصب قيادية بالقارة.
وفي تعليقه على تلك الهزيمة التي اعتبرها دبلوماسية بالأساس، أشار مساعد وزير الخارجة الأسبق السفير عبدالله الأشعل، إلى أن ضعف كفاءة البرلمان المصري بل وسمعة النظام الحاكم نفسه إفريقيا ودوليا هي سبب ذلك الإخفاق، قائلا: "واضح أن برلمانات دول إفريقيا يعرفون جيدا أن البرلمان المصري اسم بالمضمون وأنه صناعة أمنية وجزء من السلطة، وأن النظام نفسه انقلابي".
الأشعل، أضاف ، أن خسارة مرشح مصر للمنصب الإفريقي، "يدل على حجم مصر الآن في وسط الإفريقي"، مشيرا إلى غياب الدور المصري بالقارة السوداء وانحسار تأثيرها السابق.
وحول اعتبار هذا الاخفاق مضاهيا لإخفاق مرشحة مصر بمنصب مدير اليونيسكو السفيرة مشيرة خطاب، قال أستاذ العلوم السياسية، إن الخسارة الإفريقية إخفاق دبلوماسي أشد، مشيرا إلى أن "الأول منصب عالمي لكنه ثقافي، أما الثاني فهو منصب سياسي ذو تأثير إقليمي".
وقال إن "الوطن يدفع ثمن بقاء النظام"، مؤكدا أن "مصر خرجت من قلوب وعقول الأفارقة خاصة وأن لديهم حساسية مفرطة من الانقلابات العسكرية بسبب ما عانوه منها"، موضحا أن "عودة مصر للاتحاد الإفريقي كانت بعدما دفع الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مليار دولار لهم بصورة دعم".
وأكد أن "تلك الخسارة تضر بموقف مصر التفاوضي حول سد النهضة، وتكشف أن مصر لم يعد لديها قوة تعتمد عليها"، مشيرا إلى أن "بعض دول القارة مثل جيبوتي تفوقت على مكانة مصر التي قلت هيبتها بتبعيتها "لإسرائيل" والسعودية والإمارات"، مشيرا إلى أن "النظام لم يعد يهمه سوى السطو على المصريين".
السياسي المصري عمرو عبدالهادي، أكد أن دلالات ذلك الإخفاق المصري بإفريقيا هي أن "توازنات القارة السمراء لم تعد تحمل اعتبارا لمصر بعد أن وقع الانقلاب العسكري 2013".
واشار عبدالهادي، إلى أن مؤشرات ذلك بدأت مع "تجميد عضوية مصر بالاتحاد الإفريقي منتصف 2013، ثم طلب السودان لمثلث حلايب وشلاتين، وانتهاء بسد النهضة الإثيوبي، وما تلاه من قيام إثيوبيا بالحط من قدرة وسمعة مصر الدولية".
وأضاف المعارض المصري: "فما كان من باقي الدول إلا أن تعامل مصر تلك المعاملة الدنيا التي لم ولن يكن يجرؤ عليها أحد عليها لولا الانقلاب العسكري".
ومن وجهة نظر عربية إفريقية، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة قسنطينة 3 –الجزائر، لطفي دهينة، "أن الدبلوماسية المصرية لا زالت تبحث عن استرجاع مكانتها القديمة التي كانت تلعب دورا محوريا في القارة خاصة وأنها كانت تتمتع بعلاقات جيدة ومتشعبة مع الدول الإفريقية والعربية".
واكد الأكاديمي الجزائري، أن "هذه المكانة تراجعت بعد الحراك الشعبي الذي وقع وخاصة بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي وإيقاف المسار الديمقراطي"، موضحا أن "هذا الحدث قاد إلى تجميد عضوية مصر في الاتحاد الإفريقي وطرح العديد من الاستفهامات حول مدى إمكانية استعادة المسار الديمقراطي".
وحول ما تواجهه مصر من تحديات بالقارة قال دهينة، إن "الدبلوماسية المصرية تواجهها العديد من التحديات؛ كان أبرزها استعادة مقعدها في الاتحاد الإفريقي وقد نجحت فيه، إلا أنها لم تنجح في بعض الملفات الشائكة على غرار مفاوضات سد النهضة، وهي اليوم تفشل كذلك في الفوز برئاسة البرلمان الإفريقي حيث حل مرشحها في المركز الأخر بفارق كبير عن مرشح دولة الكاميرون".
وأضاف أن هذا الإخفاق المصري الأخير "يطرح عديد الاستفهامات حول قدرة وكفاءة الجهاز الدبلوماسي ويؤشر على أن هذه الدبلوماسية لم ترق بعد إلى تطلعات الشعب المصري ولا تحظى بثقة الدول الإفريقية وأمامها عمل كبير وكبير جدا لاستعادة مكانتها السابقة".
وأشار دهينة، إلى أن "هذا الأمر يتطلب تنسيقا عاليا وعملا دبلوماسيا كبيرا ونظرة استراتيجية عميقة تقوم بالفعل ولا تكتفي فقط بردود أفعال حول الأحداث التي تجري في القارة.
المصدر: عربي 21
101/23