محمد هادي
انطلقت حركة محمد بن عبد الوهاب الحنبلي من نجد فـي النـصف الثـاني من القرن الثاني عشر الهجري، معلنة الجهاد على المسلمين في الجزيرة العربية وأطرافها، بحجة أنـهم كفار ومشركون، ارتدوا عن التوحيد وعبدوا الأولياء والأنبياء والصالحين، واستبدلوا المساجد بالأضرحة والمـقابر والمزارات ومقامات الأئمة والعـلماء. قـد اتخذت هذه الحركة ومنظِّروها من مظاهر بناء الأضرحة والقباب على القبور دليلاً على أن المسلمين قد رجعوا إلي الجاهلية الأولى، فعادوا إلى الشرك بعد الإسلام، لذلك فقد أصبح الجهاد مشروعاً، والدعوة إلى الإسلام وعقيدة التوحيد مسؤولية عـظيمة، قام بها الشيخ ابن عبد الوهاب النجدي بمساعدة أمير الدرعية آنذاك، ومن تبعهم من أعراب نجد ممن انتحل دعوة الشيخ وآمن بعقيدته. وهكذا انطلقت الفتوحات من جديد لجهاد الكفار والمشركين مـن المـسلمين الذين يشهدون الشهادتين ويصلون ويصومون ويحجون. ويرفع الأذان بين ظهرانيهم خمس مرَّات في اليوم معلناً أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، ويتحاكمون للشريعة المنزلة، ويقلِّدون المذاهب الفقهية والأصولية الإسلامية المعروفة والمعتمدة.
وفـي غفلة من سلطة الإمبراطورية العثمانية - المسيطرة آنذاك على الجزيرة العربية- التي أصابتها الشيخوخة ودبّ في أوصالها الضعف والوهن، انطلقت الفتوحات الوهابية من قلب نجد باتجاه الحجاز وشمال الجزيرة وشـرقها، حـيث تمكن الجيش الوهابي من السيطرة على الحرمين الشريفين وعلى مساحات شاسعة في وسط الجزيرة وشمالها، وقتلوا في سبيل ذلك الآلاف من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال، وسفكوا الدم الحرام، ونهبوا الأموال وحرقوا الزرع، وقـطعوا الأشـجار والنـخيل، وفي طريقهم هدموا ودمَّروا كـل مـا وجـدوه من قباب وأضرحة ومقابر جماعية وأماكن للعبادة يوجد فيها قبر أو أي أثر إسلامي يتبَّرك به المسلمون أو يقصدونه للزيارة والاعتبار. وأهم هذه المـزارات والآثـار قـبور أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والصحابة التابعين والعـلماء الصـالحين، وقبور أمهات المؤمنين والشهداء، خصوصاً مقبرة البقيع في المدينة المنورة التي هجموا عليها في الثامن من شهر شوال سـنة 1344هــ/1926 م.، فـهدموا قبابها وقبورها وتركوها قاعاً صفصفاً، أحجاره مبعثرة كأن زلزالاً قد ضـرب المكان، لم يعرف قبر صحابي من قبر تابعي أو شهيد أو عالم.
وكانوا، قبل ذلك، قد أغاروا علي مدينة كربلاء المقدسة جـنوب العـراق، وقـصدوا ضريح الإمام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب(ع)، فهدموا قـبة الضـريح والمنابر لأنهم كانوا يظنون أنها مبنية بالذهب والفضة، بعدما قتلوا - كما يقول مؤرخهم ابن بشر-: "غـالب أهـلها فـي الأسواق والبيوت" (أكثر من أربعة آلاف مسلم من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال). ثـم هـربوا عـائدين إلى صحاريهم في نجد يحملون معهم الغنائم والأسلاب وما سرقوه نهبوه ظلماً وعدوانا، وتركوا وراءهـم الخـراب والدمـار والنساء المسلمات يبكين قتلاهن.
وأمام توارد الأخبار عن فداحة حجم الخسائر في الأرواح والممتلكات والآثـار ومـعالم الحضارة الإسلامية في جزيرة العرب، قامت الحكومة العثمانية - آنذاك - بحملات عسكرية متتالية لاسـتئصال شـأفة هـذه الحركة وأتباعها، وقد حققت الجيوش التركية والمصرية انتصارات مهمة على الوهابيين، حيث وصلت إلى الدرعـية عـاصمتهم فدمَّرتها، وقُتل منهم من قُتل وفر آخرون ونُفي أو أُسرآخرون، وكان ذلك - كما يـقول الشـيخ مـحمد جواد مغنية - جزاء وفاقا لما فعلوه من قبل بأمة محمد من المظالم والمآثم (هذه هـي الوهـابية، ص/129).
وإلى جانب الحملات العسكرية، انطلقت من جهة أخرى الردود الفكرية للرد على شبهات الوهابية ونـقض مـا اسـتمسكت به من أدلة نقليه لتكفير المسلمين واستباحة دمائهم وهدم قبور أئمتهم وعلمائهم وأسلافهم، والآثار التي تـدل عـليهم. والرد عـلى الادعاء بأن ما يقوم به المسلمون من بناء القبور وزيارتها والتوسل بـالأنبياء والأَئمـة والأولياء، هو من مظاهر الشرك الذي يخرج المسلم عن عقيدة التوحيد.
المصدر: مجلة المنهاج