قبل الدخول في موضوع تعدد زوجات النبي(ص) ، نريد ان نبحث في نفس موضوع تعدد الزوجات بشكل عام ، الاشكالات التي طرحت ، الأسباب الموجبة لتشريع التعدّد و أهمية هذا الموضوع في حل الكثير من المشاكل ، ثم ننتقل الى موضوع تعدد زوجات الرسول محمد(ص).
الإشكالات التي طرحت :
قالوا: إنّه يحوّل المرأة إلى مجرد أداة للمتعة، ويشجّع الاتجاه الشهواني للرجل، عندما يفتح أمامه باب التعدد والحصول على ما طاب له من النساء، ويؤدي إلى الاستغراق في هذا الجانب، والابتعاد عن الآفاق الروحية التي ترتفع به عن حاجات الجسد، والاقتراب من الطبيعة الحيوانية فيه. وهذا أمرٌ لا يلتقي مع روحيّة الدين التي تعمل على تهذيب الغرائز الإنسانية وترويضها، والانطلاق بها إلى ما يحقق له حاجته الطبيعية من دون إفراط.
وقالوا: إنّه يُفقد البيت الزوجي طمأنينته واستقراره، بسبب ما يولّده من عوامل الحقد بين الزّوجات، من خلال التنافس الذي يحصل بينهنّ للاستئثار بعاطفة الرجل، فينتهي ذلك إلى التنازع والتخاصم، ولا سيّما في الحالات التي قد يميل فيها الرجل إلى واحدٍة دون أخرى، انطلاقاً من نزوةٍ أو رغبةٍ أو عاطفةٍ أو مصلحة، فيخلق لإحداهما عقدةً نفسيةً ضدّ صاحبتها. وقد تتعاظم العقدة، فتؤدّي إلى ما لا تُحمد عُقباه من مشاكل عامةٍ وخاصةٍ؛ ولا يقتصر ذلك على الزّوجات، بل يتعداه إلى الأولاد، الّذين قد يتعقّدون ضدّ بعضهم البعض تبعاً للعقدة الحاصلة بين الأمهات، وربما تتحوّل عقدتهم إلى مشاعر سلبية ضد الأب، الذي تدفعه رغبته إلى إهمال أولاده من زوجته غير المفضّلة لديه.
وهذا أمر لا يلتقي مع طبيعة المودّة والرّحمة اللّتين ترتكز عليهما العلاقة الزوجيّة في الإسلام، ولا ينسجم مع مفهوم السَكَن، الذي جعله الإسلام طابع هذه العلاقة في القرآن.
وقالوا: إنّه يؤدّي إلى إرباك الواقع الاقتصاديّ للعائلة، لأنّ التعدّد يضيف إلى الميزانيّة أعباءً جديدة، تبعاً للحاجات المتعدّدة لكلّ واحدة من الزوجات، ويساهم في تكثير النسل، ويضعف الجانب التربوي للأولاد، فقد لا يستطيع الوالد أن يخطط بطريقة معقولة للسير بتربيتهم في الاتجاه السليم.
وهذا أمرٌ لا يلتقي مع المصلحة الحقيقيّة للإنسان، التي تتمثل في انطلاق الحياة في خطّ اليُسر، وذلك لأنّ العسر المالي قد يوقع الإنسان في قبضة الانحراف عن الحقّ تحت ضغط الحاجة إلى الآخرين، كما عبّر عنه في دعاء مكارم الأخلاق في (الصحيفة السجادية):
"اللّهُمّ صُنْ وَجْهِي بِالْيَسَارِ، وَلَا تَبْتَذِلْ جَاهِي بِالْإِقْتَارِ، فَأَسْتَرْزِقَ أَهْلَ رِزْقِكَ، وَأَسْتَعْطِيَ شِرَارَ خَلْقِكَ، فَأَفْتَتِنَ بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي، و أُبْتَلَى بِذَمّ مَنْ مَنَعَنِي، وَأَنْتَ مِنْ دُونِهِمْ وَلِيّ الْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ".
أمّا الجانب التربوي، فإنه من الجوانب الحيويّة في التخطيط الإسلامي لبناء شخصية الطفل، من خلال ما حمّله الله للإنسان من وجوب الاعتناء بأمر ولده، في حسن أدبه، وحمايته من النّار الّتي وقودها الناس والحجارة، وذلك بالتربية الصّالحة التي تركّز له إيمانه وأخلاقه، وتسير به على الصّراط المستقيم.
قالوا ذلك، وغير ذلك، وأفاضوا الحديث في انعكاس تلك المشاكل على الحياة الاجتماعية العامّة، لأنّ طبيعة العلاقات العائليّة تفرض الامتداد إلى كلّ العلاقات الأخرى المرتبطة بالعائلة من الأقربين أو الأبعدين.
وتحدّثوا عن الجانب النفسيّ للمرأة، فيما تعيشه من الشّعور بالقهر والاضطهاد تحت تأثير الخلل العاطفيّ في العلاقة الزّوجيّة بسبب التعدّد؛ ما يرهق إنسانية المرأة ويحوّلها إلى إنسان مقهور.
وكان للمدنيّة والحضارة الجانب الكبير من حديثهم حول الموضوع، فيما اعتبروه انحرافاً عن قيم الحضارة والمدنية، التي تلتقي بالمحافظة على حسّ الإنسانية في حركة التّشريع في الحياة.
ردود :
ولكنّنا لا نجد في ذلك كلّه مصدر خلل في تقييم التشريع الإسلامي في تعدّد الزّوجات، لأنّنا نحاول في تقييمنا لأيّ حكمٍ شرعيٍّ، أن ندرس حساب المصالح والمفاسد والمضارّ والمنافع؛ فإذا غلب جانب المصلحة والمنفعة على جانب المفسدة والمضرّة، كان المفروض فيه أن يكون في خطّ الإيجاب؛ وإذا غلب جانب المفسدة والمضرّة على جانب المصلحة والمنفعة، كان اللازم أن يكون في خطّ السّلب، لأنّ الأحكام، حسب اعتقادنا، تابعة للمصالح والمفاسد الغالبة في مواردها، فلا يكفي في سلبيّة حكم ما أن يحتوي نقطة ضعف، بل لا بدّ من أن تكون بدرجة غالبة على نقطة القوّة فيه، وذلك ما نستوحيه من قوله تعالى :{يسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }[البقرة: 219 ]. وفي ضوء ذلك، نجد أن وجود السلبيات في موارد الأحكام لا يفرض إلغاء الحكم، بل لا بدّ من إثبات ارتفاع نسبتها على نسبة الإيجابيّات. وعلى هذا الأساس، يمكننا أن نضع أيدينا على طبيعة هذه المسألة، لنرى كيف تلتقي الإيجابيات بالسلبيات في عملية مقارنة، لننتهي إلى النتيجة المطلوبة. فقد ذكر الباحثون عدّة حالات تفرض المصلحة في تشريع التعدّد.
الأسباب الموجبة لتشريع التعدّد :
أوّلاً: أنّ الوحدة قد تكون مدعاة للانحراف:
منها: أنّ التعدّد قد يكون حاجة طبيعيّة، في بعض الحالات، عند بعض الأشخاص، ما يجعل الوحدة مدعاة للانحراف؛ كما قد نواجهه عند كثير من الأشخاص الّذين يمارسون العلاقات غير الشرعيّة إلى جانب العلاقات الشرعيّة، بفعل الحاجة الملحّة تارةً، أو بفعل وضع طارئ طوراً، بل ربما نستطيع تقرير أن التعدّد يمثّل وضعاً تاريخياً عاماً في نطاق العلاقات الشرعيّة وغير الشرعيّة، الأمر الذي يعطينا الفكرة التي تعتبره حالةً إنسانيّةً عامّة، سواء في ذلك المجتمعات البدائيّة الّتي لا زالت تمارسه حتى الآن، أو المجتمعات المتحضّرة التي تنكر التعدّد قانوناً، ولكنها تمارسه بطريقة واقعيّة.
أما حكاية تشجيع الشهوانية في حركة الغريزة لدى الرجل، والاقتراب به من الحيوانيّة بعيداً عن الجانب الروحي، فهي حكايةٌ تستلهم المثاليّة ولا تنطلق من النظرة الواقعيّة للأشياء؛ فإن الإسلام لم يطلب من الإنسان خنق غريزته واعتبارها شرّاً وعيباً وانحطاطاً، بل اعتبرها حاجةً طبيعيةً، تماماً كحاجته إلى الأكل والشّرب، وعمل على تنظيمها في حدودها الطبيعيّة، فلم يرد للإنسان الوقوع في الحرج ليتعقّد أو ينحرف، بل أراد له الاستقامة في وضعٍ طبيعيٍّ من خلال الممارسة المتوازنة؛ وترك له، بعد ذلك، حرية الاختيار بين أن يأخذ بالرّخصة فيلبّي نداء غريزته بشكل منظّم، وبين أن يقتصر على الحدّ الأدنى مع قدرته على الحدّ الأقصى بالوسائل الشرعيّة؛ فإنّ هناك فرقاً بين أن تمارس الضّغط على غرائزك من قاعدة الإلزام، وبين أن تمارسها من قاعدة الرّخصة، بهدف تجنّب مشاعر الحرج والضّيق النفسي.
أمّا حكاية تحويل المرأة إلى مجرّد أداةٍ لمتعة الرّجال، فهي حكاية لا تثبت أمام النّقد، لأنّ الجنس حاجةٌ ذاتيّةٌ لكلّ منهما، في حالة التعدّد أو الوحدة. فإذا اعتبرنا هذه الفكرة في هذا الاتجاه، كان لا بدّ لنا من إلغاء أصل الزّواج.
وخلاصة الفكرة، أنّ الإسلام دينٌ واقعيّ يعمل على حلّ المشكلة وفق منطق الواقع وليس وفق منطق المثاليّات، ليرتكز الحلّ للمشكلة على سدِّ الذّرائع على الإنسان في مواجهة الانحراف.
ثانياً: الأخلاق الزوجيّة قاعدة لمواجهة أيّ مشكل عائليّ:
أمّا موضوع تأثير هذا التّشريع في الطمأنينة والاستقرار والمودة والرحمة في البيت الزوجي، فذلك أمر لا نجد فيه كبير مشكلة، لأنّ أيّ مشكلة طارئة في أيّ موضوع، لا بدّ من بحثها من خلال وضع بديل وما قد يثيره من مشكلة أخرى، لتكون المقارنة هي السبيل لترجيح أحد الموضوعين. وهذا ما نواجهه في هذا المجال، فإنّ التعدد، كما قلنا، ينشأ غالباً من حاجةٍ ذاتيةٍ، فإذا أهملناه، فإنّ البديل أحد أمرين: الاقتصار على الوحدة مع الحالة النفسية المعقّدة إزاء ذلك، أو التعدد في العلاقات غير الشرعيّة، وفي كلتا الحالتين، نلتقي بالقلق والتعقيد وعدم الاستقرار في داخل النفس وفي حركة العلاقة الزوجيّة كنتيجةٍ لردود الفعل المتنوّعة على ذلك، لأنهما ينطلقان من قاعدةٍ غير واقعيّةٍ وغير مستقرّة، بينما يكون التعدد على أساسٍ شرعيٍّ، بمشاكله، ضماناً لضبط الحاجة في نطاقها الواقعي، وتحديد المشكلة في مجال محدود، ومحاولة حلّها على أساس الأخلاقيات الإسلامية التي تخفّف الكثير من السلبيّات من جهة، والاستمرار في التعامل مع الأمر الواقع الّذي يعتاد الإنسان معه التعايش مع المشكلة من جهة أخرى.
وربما نستطيع أن نعالج المسألة من وجه آخر، فإن أخلاقيّة الزّوجين هي الأساس في مواجهة مشاكل الحياة الزوجيّة، حتى في حالة الوحدة، فقد تتعقد الحياة وترتبك بينهما مع الأخلاق السلبية في نطاق العلاقة الواحدة، وقد تستقيم وتستقر وتتضامن مع الأخلاق الإيجابيّة في نطاق التعدّد، فإنّ الوحدة والتعدد يُعتبران من الحالات الخارجيّة للعلاقة، ما يجعل من موضوع معالجتهما قضيّةً منفتحةً على أكثر من حلّ.
ثالثاً: ارتباك الوضع العائليّ الاقتصاديّ ليس قاعدة عامّة:
أمّا ارتباك الواقع الاقتصادي في نطاق التعدّد، فهو أمر لا يحصل مع كلّ الظروف والأشخاص؛ فقد يعيش بعض النّاس حالةً من اليُسر تنسجم مع مسؤوليّات التعدّد، وقد يندفع بعضٌ آخر إلى تنمية موارده الاقتصاديّة بطريقة واقعية لا حرج فيها من خلال ذلك؛ وربما يتحرّك التعدّد في إنقاذ العائلة من الارتباك الاقتصادي الّذي تُحدثه المصارف غير المحدودة الّتي تبذل في العلاقات غير الشرعيّة التي تكون البديل عن التعدد الشرعي. فإذا أضفنا إلى ذلك أنّ الإسلام يدفع الإنسان إلى الاكتفاء بالعلاقة الواحدة في حالة العسر التي تجعل الإنفاق على أكثر من زوجة أمراً حرجاً، وتمنعه من العدل في النفقة، فإنّنا نصل إلى النتيجة الحاسمة التي تضع القضية في إطارها الطبيعي الّذي يعيش معه الإنسان في حالة اليسر لا في حالة العسر.
رابعاً: ليست كثرة النّسل قيمة سلبيّة دائماً:
أمّا موضوع كثرة النّسل وتأثيره في الواقع الاقتصادي للعائلة وللأمّة، فإنه حديثٌ يلتقي بأكثر من جانبٍ مع حركة الواقع، فقد تحتاج الأمّة في بعض ظروفها إلى الكثرة، وقد تفرض عليها ظروفها القلّة، وقد يأتي ظرف آخر ليفرض حالةً من التوازن بين الأمرين، فليست الكثرة قيمة سلبيّةً دائماً، وليست القلّة قيمةً إيجابيةً دائماً؛ بل هي، ككلّ القيم التي تستمدّ عناصرها من خارج الذات، خاضعةٌ للظّروف الموضوعيّة المحيطة بالساحة؛ وهذا ما نواجهه في واقعنا المعاصر الّذي نجد فيه بعض الدول ـ حتى المتحضرة ـ تمنح الامتيازات المادية للعائلة الكبيرة، انطلاقاً من حاجتها إلى النموّ العددي للأمّة، مع وفرة مواردها الاقتصادية، بينما نجد بعض الدول الأخرى، الغارقة في مشاكل اقتصادية كبيرة، تمارس نوعاً من الحرب على تكثير النّسل لتحفظ اقتصادها من الانهيار.
وهناك نقطتان لا بدّ من إثارتهما في هذا الجانب من الحديث:
الأولى: إنّ التعدّد لا يلتقي أبداً مع كثرة النّسل، فقد تستوي الكثرة مع الوحدة في حالات فقدان الضّوابط لتنظيم النسل؛ فإذا لاحظنا وجود الوسائل الشرعية المتنوّعة لتنظيم الأسرة في هذا المجال، أمكننا السيطرة على الموضوع في حالتي الوحدة والتعدّد وإلغاء المشكلة من الأساس.
الثانية: أنّ هناك في عقيدة المؤمن، جانباً غيبيّاً يلتقي فيه بالله الّذي يرزق من يشاء من حيث لا يحتسب، فإنّ الله ينزل المؤونة على قدر المعونة، فلا تخضع المسألة للحسابات الماديّة فحسب، بل هناك أكثر من جانب غيبيّ يحرّك الواقع إلى أكثر من حلّ في نطاق رحمة الله.
خامساً: النتائج التربويّة تتبع الظّروف الذاتية والموضوعيّة:
أمّا موضوع التربية وتركيزها في حالات القلّة بخلاف حالة الكثرة، فإنّه يختلف في نتائجه الإيجابية والسلبية، تبعاً لاختلاف الظروف المحيطة بالشخص وبالواقع، فقد نجد هناك انحرافاً تربوياً في حالة الولد الواحد، يقابله استقامة في التربية في حالة كثرة الأولاد، لأن الإمكانات الذاتية تبعاً لما يملكه الإنسان من جهد أو مال أو جاه أو ظرف عام، قد تتيح له التركيز في التربية بما لا يتاح له ذلك في حالات أخرى، ما يجعل المسألة تابعة للأوضاع الخارجية المحيطة بالإنسان بحسب ظروف الواقع.
التعدّد حلّ لكثير من المشاكل
وقد يثير القائلون بالتعدّد مشاكل واقعية كثيرة أمام مبدأ الوحدة في الزواج، منها: الدعوة القائلة بأن الإحصائيات تثبت بأن عدد النساء يفوق عدد الرجال طبيعياً، ما يجعل قسماً من النساء لا يملك فرص الزواج في حالات الوحدة. ومنها: الحروب التي تفني الرجال بأعداد كبيرة أكثر بكثير مما تفنيه من النساء، لأن الرجال هم الفئة المقاتلة في أغلب الظروف، بينما تعمل النساء، حتى في حالات الحرب، في ظروف أكثر أمناً وأقل خطورة؛ الأمر الذي يجعل الحرب مصدراً كبيراً من مصادر المشكلة لمبدأ الوحدة. وقد قيل إن بعض الأشخاص في مجلس النواب الألماني طالب بتشريع التعدد في الزواج، لمواجهة الحالة المفجعة التي أثارتها الحرب العالمية الثانية في قلة عدد الرجال بالنسبة إلى النساء. ومنها: حالة العقم التي تكون لدى الزوجة، في الوقت الذي يعيش الإنسان الشعور بالحاجة إلى الأبوّة، ولا يريد الانفصال عن زوجته لوجود الانسجام بينهما؛ ولا شكّ في أن التعدد هو الحل الطبيعي لمثل هذه الحالة.
وهناك أكثر من جانب من الجوانب الواقعيّة التي تخلق المشاكل أمام مبدأ الوحدة، وتجعل من التعدّد حلاًّ طبيعياً أقرب إلى الطبيعة الإنسانيّة الخاضعة في ذاتها.
رفع الشبهات عن تعدد زوجات النبي(ص):
جميعنا سمعنا عن الفيلم الذي صدر في الولايات المتّحدة الأمريكيّة و الذي أساء لشخصيّة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم ، لذلك رأيت من الواجب عليَّ وعلى كلِ فرد ينتمي إلى الإسلام الحنيف الدفاع عن شخصيّة النبي محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وبيان حقيقة ومقام الخاتم صلّى الله عليه وآله وسلّم ورفع الشبهات التي يقع فيها البعض من المجتمع المسلم وغير المسلم.
وذلك يكون بالتعرض إلى شيءٍ من سيرة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم بعيداً عن الأحاديث والروايات الموضوعة أو المشبوهة والدس وبعيداً عن الأشخاص الذين أرادوا الإساءة إلى شخصيّة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بوضع الأحاديث الكاذبة والتي لا تمت بصلةٍ إلى الإسلام ، ولا لسيرة النبي محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، لذا اخترت بالدرجة الأساس الاستناد الى كتاب الله الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأنّه أصدقُ الحديث ذلك الكتاب الذي تحدى البشريّة جمعاء على أن يأتوا بآيةٍ فعجزت البشريّة عن ذلك.
إن القرآن الكريم هو الدستور الإلهي الذي جاء به الرسول محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم لإنقاذ البشريّة والأخذ بأيديهم إلى ساحل البرّ والأمان.
وإليكم بعض الآيات لبيان مقام الرسول الكريم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ...
قال تعالى : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ...
وقال تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) ... [ سورة النجم : الآية ۳ ]
وقال تعالى ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ... ) ...[ سورة آل عمران : الآية ۱٥9 ]
وقال تعالى : ( مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ... ) ... [ سورة الأحزاب : الآية ۳۸ ]
وقال تعالى : ( فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ... ) ... [ سورة الشورى : الآية ۱۱٥ ]
وقال تعالى : ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ...[ سورة البقرة : الآية ۱۲۹ ]
وقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ... ) ... [ سورة الحديد : الآية 9 ]
والآيات التي جاءت بحقّ النبي محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم في القرآن الكريم هي كثيرةٌ لِمن أراد معرفة مقام الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم فليراجع التفاسير وبالخصوص الآيات التي اُختصّ بها النبي محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم دون غيره.
كذلك لم أتعرض لتفسير الآيات التي تمّ تدوينها وذلك لاختصار البحث والمراجعة والتوسع هي ترجع للقارئ اللبيب ، كذلك تمّ كتابة البحث على شكل نقاط وكلّ نقطة تتعرّض إلى رفع الشبهات على مستوى من المستويات العقائديّة أو الأخلاقيّة أو الاجتماعيّة وهكذا ...
۱ ـ إن الرسالة التي جاء بها الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم هي شاملة ورحمة لجميع البشر حيث قال الله تعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) ، فإن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو الرحمة الإلهيّة التي تجلت على وجه الأرض.
وتجسّدت في شخصيّة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ومن خلال السيرة التي نُقلت عنه أنّه كلُ من شاهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أو سمع كلامه تأثر بكلامهِ ومال إليه حتّى قال فيه قومهُ أنّه ساحر.
وفي هذا المقام رُويَ عن رسول الله في بداية نشر الإسلام في مكّة كان الناس يرمونه بالحجارة وكان يقول اللهم اغفر لهم فإنّهم جُهّال.
وفي أحد الأيّام وهو كذلك أثخنتهُ الجراح ووقع على الأرض فغُشيَ عليه وكان لعتبة والوليد غلامٌ فأرسلوه إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأخذ الغلام يمسح الدم عن الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم فلمّا أفاق قال أعُداس هذا ؟ فتفاجأ الغلام من ذكر النبي لإسمه وقال من أين تعرف أسمي ؟ فأخذ النبي يحدّثه عن كثير من الاُمور التي كانت تخصّ ذلك الغلام وبعد ذلك رجع الغلام مدهوشاً ممّا رأى من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال عتبة للوليد لقد أفسد علينا غلامنا ألم أقُل لك أنّه ساحر.
ومن خلال هذه الرواية أودّ القول بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان لهُ التأثير المباشر في جميع مكّة حتّى أنّه في ذلك المجتمع كان يلقّب بالصادق الأمين.
۲ ـ أنّ النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم عندما بدأ بنشر الرسالة أخذ بإعداد جميع مقوّمات نشر الرسالة الإسلامية إلى مجتمع مكّة أوّلاً ومن بعد ذلك إلى أبعد من ذلك ، ومن ضمن المقوّمات التي قام بها النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم هو مصاهرة القبائل وفي ذلك الحين كان لها الأثر، حيث أنّ القبيلة التي تصاهر النبي تميل إليه وتتقرّب إلى شخص النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم ،كذلك إنّ النساء التي تقترن به تكون مبلّغة وكاشفة عن شخصيّة الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم وأخلاقه وحُسن معاملته والمعاشرة.
۳ ـ مصدر التشريع هي السماء « الله » والمُبَلِغ عن السماء هو الرسول محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وما أمرت به السماء هو أن يتعامل مع الاُمور حسب الظواهر ولا يتعامل معها على ما أطلعهُ الله من الغيب وقد رسخ هذا المفهوم في نفوس أصحابه ومجتمعه وأخذ الاُمور على الظواهر وإبداء الأحكام على ظاهرها ، وقد نصبت الشريعة السماويّة على هذا بشكلٍ واضح وكذلك عمِل به الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم والسلف الصالح من بعده ، وأكّدوا عليه بشكلٍ منقطع النظير على الرغم من إطلاع النبي على الغيب وما كان يضمر أعدائه والمجتمع الذي كان في ذلك الوقت.
ومن الجدير بالذكر أنّ جميع القوانين الوضعيّة التي وُضعت من قِبَل البشر هي اعتمدت على الظواهر لإقامة الأحكام ومن جُملة ما كان هو سائد في مجتمع مكّة هو تعدّد الزوجات وهذا التعدّد هو لعدّة أسباب منها كثرة الأولاد وما شاكل.
على الرغم من أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يعلم أنّه لن يرزق الأولاد إلّا من خديجة رضوان الله تعالى عليها مع ذلك تزوّج أكثر من إمرأة ولم يرزق الأولاد منهنّ علماً أنّ البعض منهنّ كانت أمّ لولد أي متزوّجة ورُزقت الولد من غير رسول الله ولم تُرزق منه حتّى يروى أنه العاص بن وائل عَيَرَ الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم بأنّه أبتر فنزل قوله تعالى:( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ).[ سورة الكوثر ]
هكذا إرادة السماء فيا لها من حكمة إلهية وسبحان ربّ العزّة عمّا يصفون.
٤ ـ إنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو المبلغ عن السماء والخليفة الإلهي والرسول المنتخب من قِبَل الله سبحانه وتعالى ، لذلك أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم اُختصّ بأمورٍ دون غيره من البعض حيث أنّ صلاة الليل كانت واجبةً على النبي الأكرم وكذلك أنّهُ حين قبض إلى الرفيق الأعلى صلّى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام صلاة الميّت بسبعَ تكبيرات عِلماً أنّ صلاة الميّت بخمس تكبيرات ، وكثير من الخصوصيّات التي اُختص بها الرسول دون غيره ومن ضمن تلك الخصوصيّات هي الزواج بتسعة من النساء وهذه اُختصّ بها الرسول دون غيره ولا نعرف الحكمة من ذلك وإنّما أردت أن أقول في هذا المقام هو انّ الله جلّ وعلا شَرعهُ لنبيّهِ دون غيره وهو الحكيم الخبير.
٥ ـ إنّ قانون الضمان الإجتماعي هو أحد القوانين الإنسانيّة التي تدعو إليه جميع المجتمعات من أجل الوصول بالإنسان إلى العيش الكريم واحترام حقوق الفرد ، وأفضل ما جاءت به السماء هو قانون الزواج حيث أنّ هذا القانون حفظ حقوق الطرفين وبالخصوص المرأة ، وأمر الزوج بأن يتكفّل كلّ ما تحتاج الزوجة من الأمور الحياتيّة من السكن والطعام والشراب واللباس وجعل نفقة الزوجة واجبةً على الزوج وذلك من أجل حفظ المرأة وتقديسها لا كما يدّعي البعض من أنّ الإسلام سلب حقوق المرأة وغير ذلك.
٦ ـ إنّ تعدّد الزوجات في ذلك الزمان كان من الأمور الاعتياديّة والسائدة وغير معيب و لم يكن يعتبر شيئا شاذّا في تلك العصور أو المجتمعات، ولو سلّطنا الضوء على التاريخ في ذلك الوقت لوجدنا أنّ الكثير كان لديه أكثر من زوجة واحدة ، أمّا الغرب الذي يرى أن تعدّد الزوجات شيئا منكرا ومعيبا وانتهاكا لحقوق المرأة ، فإنّ ذلك الإدعاء هو باطل ومن خلال تاريخ أوروبا والشعوب الأخرى فإنّ معظم تلك المجتمعات كانت تمارس العلاقات الجنسيّة عن طريق غير مشروع ولو تعرّضنا إليها لطال بنا الكلام، ولكن اتطرّق لنموذج واحد من هؤلاء حيث أنّه جاء في كتاب برنارد شو وكان يتكلّم عن النساء وذكر أنّه كان لديه علاقة مع ٤٥۰ إمرأة وعلاقة غير شرعيّة ، ألا يعد ذلك انتهاكا واحتقارا للمرأة وسلب جميع حقوقها وابتذالها بهذه الصورة النكرة ؟ كذلك أنّه مثل هذه الممارسات تؤدّي إلى ضياع النسب وانتشار الفساد والتفكك الأسري. والآن نجد أن الكثير من المجتمعات تُبيح الجنس وما يسمّى بالحريّة فماذا نقول عن تلك المجتمعات ؟
۷ ـ إنّ مقام الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم والعصمة و صفاته التي اُختصّ بها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم و التي بيّنا بعضها لا يمكن حمله أو التصوّر بأنّ الرسول الأكرم كان يتبع أهواءه وشهواته من تعدّد الزوجات وما شاكل من الأمور التي يمارسها بعض ضعاف الأنفس علماً الزوجات التي تزوّج منهنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سوف يأتي ذكر أعمارهنّ والأسباب التي قام بها الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بالزواج منهنّ وكلّ تلك الأسباب هي أسباب منطقيّة ويقرها العقل والشارع.
المصدر: مؤسسة السبطين العالمية و موقع بينات بتصرف