إنّ جميع الأديان السماوية نزلت على مبنى ومسار واحد وهو تشريع من قِبل الله عزّ وجلّ، وإنّ الدين اللاحق هو مكملٌ للدين السابق، لكن وبعد بعثة النبيّ الخاتم محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله) وضع الله هذا الدين للبشرية للأبد، وقال: "إِنَّ الدِّینَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِینَ أُوْتُواْ الْکِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَیْنَهُمْ وَمَن یَکْفُرْ بِآیَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِیعُ الْحِسَابِ".(1)
مسألة الحجاب في الأديان السماوية
وفقاً لهذه الآية نجد أن الديانات الإلهية قبل الإسلام قد شُرّعت كلها من جانب الله وعلى طريق الاعتدال، ولكن –للأسف- بعد مضي بعض الوقت قام بعض العلماء الحريصون بالدنيا في هذه الأمم بتشويه وتحريف هذه الأديان وإزالتها من طريق الحقّ.
الحجاب عند اليهود
ومن هذه الديانات هي الديانة اليهودية التي أتباعها من قبيلة بني إسرائيل غالباً. هذا الشعب صارم جداً في أحكامه سواء أكانت هذه الأحكام خرافية، أو حقيقية ومتبقاة من التوراة الحقيقية.
ومن الأحكام التي كانت بني إسرائيل تلتزم بها هي "حكم الحجاب" التي ننقلها عن "ويليام ديورانت"،(2) ونقارنها مع الأحكام الإسلامية في هذا الموضوع.
كتب ديورانت في كتابه "قصة الحضارة" حول قوم اليهود وكتاب قانونهم المسماة باﻟ"التلمود":
يقول ديورانت في هذا الكتاب حول الحجاب في الديانة اليهودية على أنّه إذا كانت المرأة قد ارتكبت مخالفة للقانون اليهودي، على سبيل المثال: كانت تخرج من البيت بين الناس، أو تعمل الحياكة، أو أي عمل آخر خارج البيت دون ارتداء شيء فوق رأسها، أو تتكلم مع أيّ صنف من الرجال، أو إذا كان صوتها عالٍ جداً، حيث يسمع صوتها الجيران، في هذه الحالات كان للرجل الحق في طلاقها دون دفع المهر لها.
هذا الحكم حكم صعب جداً للمرأة في تعاملها مع الآخرين، لكنّنا نقارن هذا الحكم مع الأحكام الإسلامية في ثلاثة أجزاءٍ:
الجزء الأول من هذا الحكم هو أنّه: لو خرجت المرأة من البيت دون ارتداء شيء فوق رأسها للرجل الحق في طلاقها دون دفع المهر لها!
لكن الإسلام في هذه الحالة -عدم مراعاة المرأة الحجاب في خارج المنزل- يعتبرها مذنبة، ولكن في بداية الأمر يوصّي الزوج أن يدعوها بالمعروف، وينهيها عن هذا المنكر؛ لكي تكفّ عن القيام بذلك، وإذا كان الرجل أيضاً يريد الطلاق يجب عليه دفع المهر لها كاملةً.
الجزء الثاني هو عمل المرأة خارج البيت، فمثلاً: الحياكة التي أشير إليها في كتاب التلمود كانت إحدى أنشطة المرأة في تلك الأزمنة، وكان للرجل الحق في طلاقها دون دفع المهر لها!
لكن هنا أيضاً يجوّز الإسلام بنشاط المرأة خارج المنزل بشريطة أمرين: الأول هو أنّه لو كان عمل المرأة خارج المنزل شرط في عقد الزواج، فليس للرجل منعها من العمل خارج المنزل، والثاني هو مراعاة الحجاب الكامل والتمسك بالحدود الشرعية في تعامل المرأة والرجل والمراقبة على ذلك، فيكون لها أن تعمل خارج المنزل بلا مانع.
الجزء الثالث: إذا كان صوتها عالٍ جداً، حيث يسمع صوتها الجيران، في هذه الحالة كان للرجل الحق في طلاقها دون دفع المهر لها.
توجد في هذا الحكم قاعدة عامّة وهي منع تكلم المرأة مع كافة الرجال دون تمييز بين أصنافهم، في حين هناك صنفان من الرجل يواجهان المرأة: الأول هم المحارم الذين يجوز لهم التكلّم مع المرأة في الإسلام، والصنف الثاني هم الرجال غير المحارم الذين يجوّز الإسلام التكلم معهم في نطاق خاص كالعمل مع مراعاة ما ذكرناه.
وحتى بالنسبة إلى نساء النبي (صلى الله عليه وآله) اللاتي يجب أن يلتزمن بهذه القوانين، ويتمسكن بها أكثر وأكثر بالنسبة إلى قرائنهن الأخريات من النساء، يقول الله عزّ وجلّ: "لا جُناحَ عَلَیهِنَّّ فِي آبائِهِنَّّ وَلا أَبنائِهِنَّّ وَلا إِخوانِهِنَّّ وَلا أَبناءِ إِخوانِهِنَّّ وَلا أَبناءِ أَخَواتِهِنَّّ وَلا نِسائِهِنَّّ وَلا ما مَلَکَت أَیمانُهُنَّّ وَاتَّقِینَ اللّهَ إِنَّّ اللّهَ کانَ عَلی کُلِّ شَيءٍ شَهِیداً"،(3) أي: إن نساء النبي (صلى الله عليه وآله) اللواتي يشار إليهن ﺑ"أمّهات المؤمنين" لا جُناح عليهنّ أن يتحدّثن مع محارمهنّ من دون حجاب! ونقطة أخرى أنّ الإسلام جعل في محادثة المرأة مع غير المحارم من الرجال قيد الصوت العالي بحيث لا تثير الشهوة في قلوب الرجال المرضى بقوله: "فَلا تخْضعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً"(4).
مع كل هذه التفاصيل المذكورة يمكن للمرء أن يعرف الحكم العَقلاني والمنطقي، ويمكن له أن يعرف أيّ حكم قائم على الخرافة والجهل. فلماذا يُعيّرون المُسلمات على ارتدائهنّ الحجاب، ولا يُعيّرون غيرهنّ من النساء اليهوديات على ارتدائهنّ الحجاب؟!
الهوامش :
(1) آل عمران: 19.
(2) فيلسوف، مؤرخ وكاتب أمريكي من أشهر مؤلفاته كتاب قصة الحضارة.
(3) الأحزاب: 55.
(4) الأحزاب: 32.