أهمية ثبوت الهلال
يتوقف على رؤية الهلال كثير من الأحكام الشرعية منها الصوم والحج ومضاعفة الدية وكثير من العبادات المستحبة التي وردت في أوقات محددة من الشهور الهجرية، ومن هنا بحث الفقهاء في طرق ثبوت الهلال. تزداد أهمية رؤية الهلال في شهر رمضان المبارك خاصة بالنسبة إلي نهايته؛ لأن الصوم يحرم على المكلفين في عيد الفطر إن ثبت الهلال ويجب عليهم إن لم يثبت.
ليست الأهمية منحصرة على زماننا الراهن بل كانت في زمان أئمة أهل البيت (ع)، وتشهد لذلك الروايات المنقولة عنهم (ع). كان الشك والتردد في ثبوت الهلال سائدا على المجتمع الشيعي بل المجتمع الإسلامي برمته ولايزال بل زاد الطين بلة بعد تطور التواصل الاجتماعي إلى درجة أن هذا المجتمع أصبح متشتتا حيث يصوم البعض ويقوم آخر بصلاة العيدويسافر ثالث للفرار من الشك.
هذا إلى جانب أن الناس بحاجة إلى الشهور في أمور معاشهم كما تبين ذلك في الآية المباركة: ﴿یَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِي مَواقِیتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾
ذُكرت أكثر من مائة حديث في وسائل الشيعة حول الهلال وأحكامه. خاطب الإمام السجاد (ع) الهلال وناجاه في الدعاء الثالث والأربعين من صحيفته. ووردت أدعية يستحب الدعاء بها عند رؤية الأهلة منها هلال رجب المرجب ورمضان المبارك.
طرق ثبوت الهلال
تثبت بداية الشهر الهجري في فقه الإمامية بأحد الطرق الآتية:
رؤية المكلف نفسه
حصول الاطمئنان
شهادة عدلين
أن يمضي ثلاثون يوما من بداية الشهر المنصرم
اعتبار حكم حاكم الشرع
ذهب المشهور من الفقهاء إلى اعتبار حكم حاكم الشرع بينما ذهب بعضهم الآخر إلى عدم اعتباره وساقوا عليه أدلة. قال البحراني إن الشهيد الأول في الدروس ذهب إلى اعتبار هذا الطريق؛ وذلك لعموم الأدلة التي تدل على وجوب العمل بحكم الحاكم الصادر وفق علمه الذي قد يحصل بشهادة عادلين. ووافقه الفاضل الخراساني في هذا الرأي، ثم قال البحراني يحتمل عدم الاعتبار لقول الإمام الصادق : "لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين".
اعتبار الحسابات الفلكية
دراسة فلكية لرؤية الهلال
هناك علاقة بين الكواكب الثلاث "الأرض والشمس والقمر، توجب أن يرى الإنسان الهلال أحيانا ولايراه أخرى. إذا اقترب القمر من الشمس نهاية الاقتراب يقع وجهه المظلم تجاه الأرض، ولايراه أهلها، وهذه الحالة هي ما عبر عنها في علم الفلك بالمحاق أو الاقتران، وكلما يخرج القمر من المحاق أكثر يراه الناس أضخم، ولهذا تصعب رؤيته على الناظر في بداية خروجه، ولايُرى إلا كالقوس الصغير الضئيل.
يطلق التعبير "تحت الشعاع" في علم الفلك على الفترة التي يخرج القمر من المحاق حتى يكون مرئيا، وتستغرق حالة المحاق وتحت الشعاع معا ثماني وأربعين ساعة تقريبا. يرى الناظر من على الأرض الكواكب في منطقة كشريط تسمى في علم الفلك "منطقة البروج أو دائرة البروج" فعلى هذا ان انطبق القمر حين دورانه حول الشمس على هذه المنطقة يراه الناظر وإلا لايراه، وهذا أوجب أن يكون احتمال الرؤية أكثر كلما يبتعد الإنسان من شرق الأرض.
شروط رؤية الهلال
يحسب عمر القمر من حين الاقتران والمحاق، فكلما خرج عن المحاق أكثر ازداد عمره أكثر، وكلما ازداد عمره سهلت رؤيته، ومن هنا اعتبر عمر القمر من شروط رؤيته. هناك شروط أخرى نذكر بعضها:
ارتفاع الهلال
من مصطلحات علم الفلك "الارتفاع"، والمراد منه الزاوية الحاصلة من بُعد الشيء عن الأفق، فالمراد من ارتفاع الهلال الزاوية الحاصلة من بعده عن الأفق. ارتفاع الهلال من المتغيرات التي لها دخل في الرؤية، وبما أن طبقات الجوّ القريبة من الأفق أكثر كثافة من غيرها فإذا قل ارتفاع الهلال يواجه نوره هذه الطبقات، وبالتالي تقل أشعته الواصلة إلى العين، وتصعب رؤيته.
البعد الزاوي
المراد منه الزاوية الحاصلة من بُعد القمر عن الشمس. للبعد الزاوي دخل في رؤية الهلال؛ لأنه إذا بعد عن الشمس مقدارا خاصا خرج من تحت الشعاع، وصار قابلا للرؤية.
فترة المكث
تغرب الأهلة الليلية بعد غروب الشمس، والفترة الزمنية بين غروب الشمس وغروب الأهلة تسمى مكثا. كلما كان المكث أكثر يُظلم الليل أزيد ويبقى القمر في السماء أكثر فيتمكن الناظر أن يرى الهلال أسهل. يستغرق مكث الأهلة الضئيلة أربعين دقيقة أو أقل، وتصعب رؤية هذه الأهلة بعد غروب الشمس مباشرة، فعلى الراصد أن يصبر دقائق حتى تتوفر ظروف الرؤية.
سمك الهلال
من المصطلحات المستخدمة في علم الفلك عرض الهلال أو سمْكه. يشبه الهلال طاسة متضخم وسطها. كلما تضخم سمك الهلال أكثر تمكن رؤيته أسهل. لاتدل ضخامة سمك الهلال في الليلة الثانية أو الثالثة على الخطأ في الرؤية في الليلة الأولى؛ لأن ذلك يتعلق بموقع الهلال في مداره البيضوي وبعده من الشمس.
زمن غروب الشمس
بما أن الهلال الليلي يشاهد بعد غروب الشمس فكلما تأخرت الشمس في غروبها أكثر زاد عمر الهلال وبعده الزاوي من الشمس أكثر، فعلى هذا الأساس كلما نقترب من الغرب تسهل الرؤية أكثر.
بعد القمر من الأرض
بما أن مدار القمر حول الأرض بيضوي ليست سرعة دورانه ثابتا، فعلى هذا إن كان القمر حين اقترانه من الشمس أسفل مداره (حالة الحضيض) تزيد سرعة بُعده من الشمس، وتكون رؤيته أسهل بمرات مما لو اقترن من الشمس وهو أعلى مداره (حالة الأوج).
أسباب صعوبة رؤية الهلال
*أن الأهلة في أوائل الشهور أو أواخرها قليلة السمك جدا.
*أن هذه الأهلة قريبة من الشمس فهي محاطة بأشعتها.
*أن الفصل بين القمر والأفق قليل، ولهذا تواجه أشعته طبقات الجو الأكثر كثافة، وبالتالي تصعب رؤيته؛ لما في الجو من الغبار والبخار والتلاطم.
*أن اقتراب القمر من الشمس وقلة فترة مكثه فوق الأفق يوجبان أن تكون فرصة الراصد للرؤية ضئيلة.
الأرقام القياسية في رصد الهلال
هناك ظروف صعبة جدا لرصد الهلال، كما إذا كان مكث الهلال أقل من ثلاثين دقيقة فمن رصده في هذه الظروف سجل الرقم القياسي باسمه، ومن الذين سجلوا أرقاما قياسية عليرضا الموحد نجاد من إيران؛ لأنه استطاع أن يرى هلال الجمادي الثاني عام 1422هـ بمنظار ثنائي العينية 150 ×40 رغم أن عمر الهلال كان اثنتي عشرة ساعة والربع، وكان البعد الزاويّ من الشمس 7.6 درجات، وكذلك محسن القاضي مير سعيد؛ لأنه رصد هلال رجب مع أنه كان ضئيلا جدا لصغر عمره (11ساعة و40 دقيقة).
لجنة الاستهلال وفرق الرصد
شكل الامام الخامنئي لجنة لتنظيم أمور الاستهلال، وحينما كان هلال الجمادي الثاني عام 1422هـ (2001/8/20) في ظروف لو كان يراه الفلكيون الإيرانيون لسُجّلت الأرقام القياسية المتعددة باسم إيران، دعمتهم هذه اللجنة، ووفرت لهم إمكانيات واسعة، فنجحوا في هذه الأرصاد، وهذا أوجب أن تتكون فرق لرصد الهلال في كل الشهور، وقد تتشكل قرابة مائة وخمسين فريقا متزودين بالكاميرات البصرية المتطورة (Optical camera) في الأزمنة المهمة، مثل آخر رمضان، وهم يتفرقون إلى أنحاء إيران، وبعضهم يرصدون على متن الطائرة. تعلن هذه اللجنة نتائج أرصادها في موقع الامام الخامنئي.