حاولت أمريكا خلال مراحل الأزمة السورية أن تعتمد على حلفائها في تمثيلها في الملف السوري عبر دعم المعارضة والمنظمات الإرهابية وتشجيع الأكراد على الانفصال وكذلك تشجيع الدول الخليجیة مثل السعودية وقطر والإمارات بدفع المليارات إلى قوى الإرهاب لإطالة أمد الأزمة وإضعاف الحكومة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد وكذلك إضعاف دور المقاومة متمثلة بحزب الله وقوى الفصائل الأخرى، هذا المشروع لم يسجّل نجاحاً، حيث استطاعت الحكومة السورية وبالتعاون مع الأصدقاء من روسيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية وفصائل المقاومة حسم أغلب المعارك ضدّ الإرهاب وما يسمى "المعارضة" وباتت تسيطر على أغلب الأراضي السورية، وما ساعد على هذه الانتصارات تلك الانتصارات الأخرى التي تحققت على الإرهاب في العراق وطرده من جميع الأراضي التي كان يحتلّها.
حاولت أمريكا أن تجعل من ميليشيا الأكراد في سوريا معادلاً عسكرياً في الأزمة السورية بإغرائهم بحكم ذاتي أو بالانفصال لكن هذا المشروع بات ضعيفاً نسبة للتقدم الذي حصل على جميع الجبهات من قبل القوات النظامية للحكومة السوریّة.
تتطلع إدارة دونالد ترامب لإرسال قوة عربية إلى سوريا تحلّ في المدى الأبعد مكان الألفي جندي أمريكي الموجودين في شمال وشرقي البلاد، وإن كان المقترح ليس بالجديد فعمره ثلاث سنوات، وقد تم اقتراحه للمرة الأولى في اجتماع الجامعة العربية في ربيع 2015 وبعد ذلك بشهر في قمة كامب ديفيد بين باراك أوباما والقيادات الخليجية (أيار 2015)، عندها تم تضمين البيان الختامي تعهداً ببناء "قوة عسكرية طارئة" للتحالف الإسلامي ضد الإرهاب الذي شكلته السعودية ذلك العام ويضم 41 دولة، وتم التخطيط لهذه القوة نظرياً لتشبه القوة الأساسية العسكرية لحلف الشمال الأطلسي (ناتو) وتكون بحجم 40 ألف جندي أما الدول التي من المفترض أن تشارك فيها فهي السعودية ومصر والسودان والمغرب والأردن.
ولا شك أن الهدف من هذا الاستحضار يأتي في سياق الرد على المحور التركي ـ الروسي ـ الإيراني، بما هو معلن وغير معلن أكبر من وجود عسكري حيث تدخل في سياق إعادة رسم الحدود والنفوذ الجغرافي في سوريا والعراق، فالمحرك الاستراتيجي للخطة، وهو مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون، الذي تبنّى فكرة القوة العربية وذهب إلى حد استخدامها لإعادة رسم حدود سوريا والعراق في مقال له في تموز/ الماضي في صحيفة وول ستريت جورنال بعنوان "أمريكا بحاجة إلى استراتيجية ما بعد داعش"؛ يقول بولتون في مقاله إن الوقت حان "لتضغط أمريكا على مصر والأردن ودول الخليجیة لزيادة عدد القوات لإعادة ترسيم حدود سوريا والعراق بما يتناسب مع مصالح أمريكا وتخطي عقدة الحدود التي رسمها الأوروبيون منذ قرن من الزمن بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الامبراطورية العثمانية.
صحيح أن الخطة لا تزال في بدايتها، والمفاوضات الحالية حول نوع هذه القوة العسكرية، إذا ما كانت مهامها تدريبية أم قتالية، وماهية دورها إلى جانب القوات الأمريكية.
فالانسحاب الأمريكي مستبعد من سوريا في المدى القريب، والجدول مفتوح زمنياً "حتى تحقيق الأهداف" كما قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي.
وإن هناك موانع كثيرة تقف أمام هذا المشروع أهمها:
- العلاقة بين مصر وسوريا مازالت جيدة، ولمصر أولوية في سيناء ووادي النيل لمحاربة الإرهاب.
- إن الجيش السعودي وخاصة قواته البرية لم تجرّب سابقاً في أي حرب وغير مؤهلة قتالياً ودفاعياً لإمساك الأراضي.
- الحرب مع اليمن ونتائجها لم تشجع على الانخراط في حرب أخرى أكثر صعوبة وتعقيداً.
- وجود قوات في محيط عدائي لها بين القوات النظامية السورية، والقوات الروسية والإيرانية وفصائل المقاومة، وبقايا القاعدة وداعش، وقوات حماية الشعب الكردية لا يمكن لها أن تقاوم هذا الواقع الأمني الميداني الصعب.
- إن السعودية تعاني من وضع داخلي في ظل تحولات محمد بن سلمان واعتقال العشرات من كبار رجال الدولة والأمن ورجال الأعمال ورجال دين.
- حساسية العراق من وجود قوات أجنبية على حدوده يمكن أن تخلق له فوضى على الحدود وتخلق بيئة لنمو الإرهاب.
المراقبون للشأن الامريكي يرون أن واحدة من الاسباب التي تمنع انخراط أمريكا بشكل مباشر في الملف السوري وحتى الشرق أوسطي هو انشغالها في منطقة المحيط الهادي حيث لأمريكا خمس ولايات مطلّة على المحيط الهادي وهي: ولاية واشنطن، وولاية أوريجون، وولاية كاليفورنيا، وولاية ألاسكا، وهاواي. وتقابلها في الجانب الآخر دول جنوب شرق آسيا وفي مقدمتها الصين التي تشكّل هاجس أمريكا الأول وكذلك كوريا الشمالية، كما أن أمريكا مازالت لم تحسم موقفها في أفغانستان وتعاني من عجز في ميزانها التجاري.
بشكل عام فإن السعودية هي الدولة الأكثر رغبة في المشاركة بالقوات التي تحل مكان القوات الأمريكية شمال وشرق سوريا وهذا ما أدلى به وزير خارجية السعودية لمرات وفي عدة مناسبات لكن الرغبة في التواجد شيء والواقع الميداني شيء آخر حيث ليس هنالك من غطاء دولي لتواجد مثل هذه القوات؛ لذا فإن وجودها غير الشرعي سيتيح للقوات السورية ومن يؤازرها عسكرياً في مواجهتها باعتبار أنها قوات غازية وفيها انتهاك لسيادة دولة ونظن أن السعودية إذا ما أصرت على موقفها هذا ستكون قد ورّطت نفسها في معركة خاسرة لا محالة.
* محمود الهاشمي/ الوقت