هكذا بشرت الأديان بالمهدي(عج) و بألقابه القائم و المنتقم و صاحب الدار!

الإثنين 30 إبريل 2018 - 11:33 بتوقيت مكة
هكذا بشرت الأديان بالمهدي(عج) و بألقابه القائم و المنتقم و صاحب الدار!

والملاحظ في عقائد هذه الأديان بشأن المصلح العالمي أنها تستند الى نصوص واضحة في كتبهم المقدسة القديمة وليس الى تفسيرات عرضها...

إنّ قضية الإمام المهدي المنتظر الذي بشّر به الإسلام وبشّرت به الأديان من قبل، قضية إنسانية قبل أن تكون دينية أو إسلامية ; فإنّها تعبير دقيق عن ضرورة تحقّق الطموح الإنساني بشكله التام.

وقد تميّز مذهب أهل البيت(عليهم السلام) بالاعتقاد بإمامة محمّد بن الحسن المهدي(عليه السلام) الذي ولد في سنة 255 هـ (1) ، واستلم زمام الأمر وتصدى لمسؤولياته القيادية سنة 260 هـ وهو الآن حيٌّ يرزق يقوم بمهامّه الرسالية من خلال متابعته الأحداث فهو يعاصر التطورات ويرقب الظروف التي لابدّ من تحققها كي يظهر الى العالم الإنساني بعد أن تستنفذ الحضارات الجاهلية كلّ ما لديها من قدرات وطاقات، وتتفتح البشرية بعقولها وقلوبها لتلقّي الهدي الإلهي من خلال قائد ربّاني قادر على قيادة العالم أجمع، كما يريد الله له.

البشارات بالمنقذ في الكتب المقدسة

والملاحظ في عقائد هذه الأديان بشأن المصلح العالمي أنها تستند الى نصوص واضحة في كتبهم المقدسة القديمة وليس الى تفسيرات عرضها علماؤهم لنصوص غامضة حمّالة لوجوه تأويلية متعددة(2).

وهذه الملاحظة تكشف عراقة هذه العقيدة وكونها تمثل أصلاً مشتركاً في دعوات الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ ، حيث إن كلّ دعوة نبوية ـ وعلى الأقل الدعوات الرئيسة والكبرى ـ تُمثل خطوة على طريق التمهيد لظهور المصلح الديني العالمي الذي يحقق أهداف هذه الدعوات كافة(3).

كما أنّ للتبشير بحتمية ظهور هذا المصلح العالمي تأثيراً على هذه الدعوات فهو يشكل عامل دفع لأتباع الأنبياء للتحرك باتجاه تحقيق أهداف رسالتهم والسعي للمساهمة في تأهيل المجتمع البشري لتحقيق أهداف جميع الدعوات النبوية كاملة في عصر المنقذ الديني العالمي.

ولذلك كان التبشير بهذه العقيدة عنصراً أصلياً في نصوص مختلف الديانات والدعوات النبوية.

الإيمان بالمهدي (عليه السلام) تجسيد لحاجة فطرية

إنّ ظهور الإيمان بفكرة حتمية ظهور المنقذ العالمي في الفكر الإنساني عموماً يكشف عن وجود أُسس متينة قوية تستند إليها تنطلق من الفطرة الإنسانية، بمعنى أنها تعبّر عن حاجة فطرية عامة يشترك فيها بنو الإنسان عموماً، وهذه الحاجة تقوم على ما جُبل عليه الإنسان من تطلّع مستمر للكمال بأشمل صوره وأنّ ظهور المنقذ العالمي وإقامة دولته العادلة في اليوم الموعود يُعبّر عن وصول المجتمع البشري الى كماله المنشود.

يقول العلاّمة الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر (قدس سره): «ليس المهدي (عليه السلام) تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوانٌ لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري أدرك الناس من خلاله ـ على الرغم من تنوع عقائدهم ووسائلهم الى الغيب ـ أنّ للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض تحقق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير وهدفها النهائي. وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مرِّ التاريخ استقرارها وطمأنينتها بعد عناء طويل.

بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي، والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتد الى غيرهم أيضاً وانعكس حتى على أشد الايدلوجيات والاتجاهات العقائدية رفضاً للغيب والغيبيات، كالمادية الجدلية التي فسرت التاريخ على أساس التناقضات وآمنت بيوم موعود، تُصفّى فيه كلّ تلك التناقضات ويسودُ فيه الوئامُ والسلامُ.

وهكذا نجد أن التجربة النفسية لهذا الشعور والتي مارستها الإنسانية على مرَّ الزمن من أوسع التجارب النفسية وأكثرها عموماً بين أفراد الإنسان»(4).

إذن الإيمان بالفكرة التي يجسدها المهدي الموعود هي من أكثر وأشد الأفكار إنتشاراً بين بني الإنسان كافة لأنها تستند الى فطرة التطلّع للكمال بأشمل صوره، أي أنها تعبّر عن حاجة فطرية، ولذلك فتحققها حتمي; لأنّ الفطرة لا تطلب ماهو غير موجود كما هو معلوم.

موقف الفكر الإنساني من غيبة المهدي (عليه السلام)

إنّ الفكر الإنساني لا يرى مانعاً من طول عمر هذا المصلح العالمي الذي يتضمنه الإيمان بغيبته وفقاً لمذهب أهل البيت (عليه السلام)، بل يرى طول عمره أمراً ضرورياً للقيام بمهمته الإصلاحيّة الكبرى كما لاحظنا في كلام المفكر الإيرلندي برناردشو. وعليه فالفكر الإنساني العام لا يرفض مبدئياً الإيمان بالغيبة إذا كانت الأدلة المثبتة لها مقبولة عقلياً.

وقد تناول العلماء ايضاح الإمكان العقلي لطول عمر الإمام المهدي وعدم تعارضه مع أي واحد من القوانين العقلية، كما فعل الشيخ المفيد في كتابه «الفصول العشرة في الغيبة»(5) والعلاّمة الكراجكي في رسالته «البرهان على طول عمر إمام الزمان (عليه السلام)» التي تضمنها كتابه كنز الفوائد في جزئه الثاني(6)، والشيخ الطبرسي في «اعلام الورى»(7)، والسيّد الصدر في بحثه عن المهدي(8) وغيرهم كثير، بل قلّما يخلو كتاب من كتب الغيبة من مناقشة هذا الموضوع والاستدلال عليه.

الفكر الديني يؤمن بظهور المصلح العالمي بعد غيبة

إنّ الإجماع على حتمية ظهور المصلح العالمي مقترنٌ بالإيمان بأنّ ظهوره يأتي بعد غيبة طويلة، فقد آمن اليهود بعودة عزير أو منحاس بن العازر بن هارون، وآمن النصارى بغيبة المسيح وعودته، وينتظر مسيحيو الأحباش عودة ملكهم تيودور كمهدي في آخر الزمان، وكذلك الهنود آمنوا بعودة فيشنوا، والمجوس بحياة أوشيدر، وينتظر البوذيون عودة بوذا ومنهم مَن ينتظر عودة إبراهيم (عليه السلام) وغير ذلك(9).

إذن قضية الغيبة قبل ظهور المصلح العالمي ليست مستغربة لدى الأديان السماوية، ولا يمكن لمنصف أن يقول بأنها كلّها قائمة على الخرافات والأساطير، فالخرافات والأساطير لا يمكن أن توجد فكرة متأصلة بين جميع الأديان دون أن ينكر أي من علمائها أصل هذه الفكرة، فلم ينكر أحدٌ منهم أصل فكرة الغيبة وإن أنكر مصداق الغائب المنتظر في غير الدين الذي اعتنقه وآمن بالمصداق الذي إرتضاه.

إنّ إنتشار أصل هذه الفكرة في جميع الأديان السماوية كاشفٌ عن أرضية اعتقادية مشتركة رسخها الوحي الإلهي فيها جميعاً. ودعمتها تجارب الأنبياء (عليهم السلام) التي شهدت غيبات متعددة مثل غيبة إبراهيم الخليل وعودته، وغيبة موسى عن بني إسرائيل وعودته إليهم بعد السنين التي قضاها في مدين، وغيبة عيسى (عليه السلام) وعودته في آخر الزمان التي أقرّتها الآيات الكريمة واتفق عليها المسلمون من خلال ورودها في الأحاديث النبوية الشريفة، وغيبة نبي الله إلياس التي قال بها أهل السنّة كما صرّح بذلك مفتي الحرمين الكنجي الشافعي في الباب الخامس والعشرين من كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان)، وصرّح كذلك بإيمان أهل السنّة بغيبة الخضر (عليه السلام) وهي مستمرة الى ظهور المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان حيث يكون وزيره.

بل إنّ إنتشار فكرة غيبة المصلح العالمي في الأديان السابقة قد تكون مؤشراً على وجود نصوص سماوية صريحة بذلك كما سنلاحظ ذلك في نموذج النبوة الواردة في سفر الرؤيا من الكتاب المقدس والتي طبقها الباحث سعيد أيوب على المهدي الإمامي(10).

أما الاختلاف في تشخيص هوية المصلح الغائب فهو ناشئ من الخلط بين النصوص المخبرة عن غيبات بعض الأنبياء (عليهم السلام) وبين النصوص المتحدثة عن غيبة المصلح العالمي، بدوافع عدة سنشير إليها لاحقاً.

البشارات وأوصاف المهدي الإمامي

وردت في البشارات أيضاً اشارات الى ألقاب اختص بها المهدي الإمامي (عليه السلام) مثل وصف «القائم»(11) والذي جاء فيها البشارة التالية من سفر أشعيا النبيّ ـ وقد تقدّم حديث القاضي جواد الساباطي عن دلالتها على المهدي وفق عقيدة الإمامية الاثني عشرية فهي تشير الى المعاني التالية: «2 ـ ويحلُ عليه روح الرب، وروح الحكمة والفهم، وروح المشورة، والقوة، وروح المعرفة ومخافة الرب. 3 ـ ولذته في مخافة الرب، ولا يقضي بحسب مرأى عينيه ولا بحسب مسمع اُذنيه، 4 ـ ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه... 6 ـ ويسكن الذئب والخروف، ويربض النمر مع الجدي، والعجل والشبل معاً وصبي صغير يسوقها... 9 ـ لا يسيئون ولا يفسدون في كلّ جبل قدسي لأنّ الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر. 10 ـ وفي ذلك اليوم سيرفع (القائم) راية الشعوب والاُمم التي تطلبه وتنتظره ويكون محله مجداً»(12).

ومثل وصف «صاحب الدار» المعدود من ألقاب الإمام المهدي(عليه السلام)(13)، فقد وردت ضمن بشارات عن إنتظار المنقذ العالمي الذي لا يختصّ به المسيحيون إشارة الى عدم هذا الاختصاص وتحدّثت عن ظهوره المفاجئ وهي في «إنجيل مرقس، 13: 35»(14)

ومثل وصف "المنتقم لدم الحسين (عليه السلام) المستشهد عند نهر الفرات» كما ورد في بشارة في «سفر أرميا ، 46 / 2 ـ 11."

وقد صرّح بذلك الاُستاذ الأردني عودة مهاوش في دراسته (الكتاب المقدس تحت المجهر) وذكر أنّها تتعلق بالمهدي المنتقم لدم الحسين (عليه السلام(15).

وهناك نظائر كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.

الإهتداء الى هوية المنقذ على ضوء البشارات

إذن معرفة هذه الخصوصيات تقودنا الى إثبات أنّ المصلح العالمي الذي بشرت به جميع الديانات هو المهدي بن الحسن العسكري (عليهما السلام) كما تقوله عقيدة أهل البيت(عليهم السلام) لأنّ البشارات السماوية لا تنطبق على العقائد الاُخرى، فتكون النتيجة هو أنّ الديانات السابقة لم تبشر بظهور المنقذ العالمي في آخر الزمان بعنوانه العام وحسب بل شخّصت أيضاً هويته الحقيقية من خلال تحديد صفات وتفصيلات لا تنطبق على غيره (عليه السلام)، وهكذا تكون هذه البشارات دليلاً إضافياً على صحة عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) بهذا الشأن.

ونكتفي هنا بالإشارة الى بعض البشارات الواردة في العهدين القديم والجديد (أسفار التوراة والأناجيل) بهذا الصدد، بحكم كونها معتبرةً عند أكبر وأهم الديانات السابقة على الإسلام أي اليهودية والنصرانية; ولأنّ هذين العهدين الموجودين حالياً قد مرّا بالكثير من التحقيق والتوثيق عند علماء اليهود والنصارى واُجريت بشأنها الكثير من الدراسات ودونت الكثير من الشروح لهما، ونسخها كثيرة ومتداولة بترجمات كثيرة لمختلف اللغات، غير أنّ الاعتماد على الاُصول العبرية أدق لوقوع أخطاء ولبس في الترجمات.

فالإقتصار على العهدين لا يعني إنحصار البشارات ـ التي لا يمكن تفسيرها بغير المهدي المنتظر(عليه السلام) طبق عقيدة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ـ بهما ، بل على العكس فإنّ أمثالها موجودة في مختلف كتب الأديان الاُخرى وبتصريحات ودلالات أوضح ذكرتها الدراسات المتخصصة في هذا الباب(16). ولكنها غير مشهورة عند الجميع ونسخها غير متداولة وأغلبها لم تترجم عن لغاتها الاُم إلاّ قليلاً. على أنّ الاقتصار على النماذج المتقدّمة من العهدين القديم والجديد فيه الكفاية في الاستدلال على المطلوب، والتفصيلات موكولة للمراجع المتخصصة.

الإستناد الى ما صدّقه الإسلام من البشارات

1 ـ ومن الثابت إسلامياً أنّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد بشّر بالمهدي الموعود من أهل بيته ومن ولد فاطمة ـ سلام الله عليها(17) ـ ، لذلك فإن البشارات الواردة في كتب الأديان السابقة ـ والتي لم تطالها يد التحريف ـ ما دامت منسجمة مع ما صرّحت به النصوص الشرعية الإسلامية. لا مانع من الإستناد إليها والإحتجاج بها.

2 ـ يُضاف الى ذلك أنّ القرآن الكريم نفسه قد بشّر بالدولة الإلهية العالمية وإقامتها في آخر الزمان كما صرّحت بذلك آياته الكريمة التي دلّ عددٌ منها على المهدي الموعود وحتمية وجوده وغيبته، وهذا يعني تصديق ما ورد في بشارات الأديان السابقة الواردة بالمضمون نفسه، الأمر الذي يعني صدورها من نفس المصدر الذي صدر منه القرآن الكريم، وبالتالي الحكم بصحتها وعدم تطرق التحريف إليها، فلا مانع حينئذ من الإستناد إليها والإحتجاج بها في إطار المضامين التي صدّقها القرآن الكريم.

3 ـ إنّ بعض هذه البشارات ترتبط بواقع خارجي معاش أو ثابت تاريخياً، بمعنى أنّ الواقع الخارجي الثابت جاء مصدِّقاً لها. فمثلاً البشارات التي تشير الى أنّ المصلح العالمي هو الإمام الثاني عشر من ذرية إسماعيل وأنه من ولد خيرة الإماء وأنّ ولادته تقع في ظل اوضاع سياسية خانقة ومهددة لوجوده فيحفظه الله ويغيّبه عن أعين الظالمين الى حين موعد ظهوره وأمثالها، كلها تنبّأت بحوادث ثابتة تاريخياً، وهذا يضيف دليلاً آخر على صحتها، مادام أنّ من الثابت علمياً أنها مدونة قبل وقوع الحوادث التي أخبرت عنها، فهي في هذه الحالة تثبت أنها من أنباء الغيب التي لا يمكن أن تصدر إلاّ ممّن له ارتباط بعلاّم الغيوب تبارك وتعالى. وبذلك يمكن الحكم بصحّتها وعدم تطرق التحريف إليها، وبالتالي يمكن الإستناد إليها والإحتجاج بها(18).

تأثير البشارات في صياغة العقيدة المهدوية

أما القضية الثانية; فهي ترتبط بالاعتراض القائل بأنّ: الإستناد الى هذه البشارات في إثبات عقيدة اهل البيت في المهدي(عليه السلام) يفتح باب التشكيك والادّعاء بأنّ هذه العقيدة تسللت الى الفكر الاسلامي من الاسرائيليات ومحرفات الأديان السابقة.

والجواب على هذا الإعتراض يتّضح من الإجابة السابقة، فهو يصح إذا كانت العقيدة الإمامية المهدوية تستند الى تلك البشارات وحدها في حين أنّ الأمر ليس كذلك.

ولو قلنا بأنّ كلّ فكرة اسلامية لها نظير في الأديان السابقة هي من الأفكار الدخيلة في الإسلام; لأدى الأمر الى إخراج الكثير من الحقائق والبديهيات الإسلامية التي أقرّها القرآن الكريم وصحاح الأحاديث الشريفة وهي موجودة في الأديان السابقة، وهذا واضح البطلان ولا يخفى بطلانه على ذي لب. فالمعيار في تشخيص الأفكار الدخيلة على الإسلام هو عرضها على القرآن والسنّة والأخذ بما وافقهما ونبذ ما خالفهما ، وليس عرضها على ما في كتب الديانات السابقة ونبذ كلّ ما وافقها مع العلم بأنّ فيها ما لم تتطرق له يد التحريف وفيه ما ثبت صدوره عن نفس المصدر الذي صدر عنه القرآن الكريم.

يُضاف الى ذلك أنّ عقيدة الإمامية في المهدي المنتظر(عليه السلام) تستند الى واقع تاريخي ثابت، فكون الإمام المهدي هو الثاني عشر من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) ثابت تاريخياً وحتى ولادته الخفية من الحسن العسكري (عليهما السلام) قد سجلها المؤرخون من مختلف المذاهب الإسلامية وأقرها علماء مختلف المذاهب حتى الذين لم يذعنوا أنّه هو المهدي الموعود وإن كان عدد الذين صرّحوا بأنه هو المهدي من علماء أهل السنّة غير قليل أيضا(19).

نتائج البحث

نصل الى القسم الأخير من البحث، وهو تسجيل النتائج الحاصلة منه في النقاط التالية:

1 ـ إنّ أصل فكرة الإيمان بالمصلح العالمي في آخر الزمان وإقامة الدولة العادلة التي تحقق السعادة الحقّة للبشرية جمعاء تستند الى جذور فطرية في الإنسان تنبع من فطرة تطلّعه الى الكمال، ولذلك لاحظنا إجماع مختلف التيارات الفكرية الإنسانية حتى المادية منها على حتمية تحقق هذا اليوم الموعود. 2 ـ إنّ القول بوجود المهدي الموعود بالفعل وغيبته ـ وهو الذي يؤمن به مذهب أهل البيت (عليهم السلام( ويتميز عن عقيدة أهل السنّة في المهدي الموعود ـ غير مستبعد لا في الفكر الإنساني الذي يرى أنّ من الضروري أن يكون عمر المصلح العالمي طويلاً، ولا من الفكر الديني الذي اقترن إيمانه بالمصلح العالمي بالإيمان بأنه يعود بعد غيبة . بل إنّ وقوع الغيبات في تاريخ الأنبياء (عليهم السلام( يدعم هذا القول ويعززه.

3 ـ  إنّ سبيل حلّ الاختلاف هو تمييز البشارات الواردة بشأن المصلح العالمي عن غيرها المرتبطة بغيره من الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام(، ثم تحديد الصورة التي ترسمها بنفسها للمصلح العالمي بعيداً عن التأثر بالمصاديق المفترضة سلفاً. ثم عرض المصاديق عليها لمعرفة هويته الحقيقية إستناداً الى الواقع التاريخي القابل للإثبات وبعيداً عن حصر هذه المصاديق المفترضة برموز دين معين، بل عرض كلّ مصداق مرشح من قبل أي دين او مذهب على الصورة التي ترسمها نصوص البشارات بصورة تجريدية.

4ـ إنّ تلك البشارات السماوية تهدي ـ بناءً على هذا المنهج العلمي ـ الى أنّ المصلح العالمي الذي تبشّر به هو الإمام الثاني عشر من عترة خاتم الأنبياء ـ صلوات الله عليه وآله ـ وهو صاحب الغيبة التي يضطر إليها بسبب تربّص الظلمة به لتصفيته.

6 ـ إنّ الإستناد الى هذه البشارات في إثبات صحة عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي المنتظر(عليه السلام) يشكل دليلاً آخر في إثبات هذه العقيدة يضاف الى الأدلة العقلية والقرآنية وما صح لدى المسلمين من الأحاديث الشريفة، ولا مانع من الإستدلال بهذه البشارات بعدما ثبت أن التحريف في الديانات السابقة لم يشمل كلّ نصوصها الموحاة، فيمكن الإستناد الى ما صدقته النصوص الشرعية الإسلامية مما ورد في كتب الديانات السابقة.

7 ـ إنّ في الإستناد الى بشارات الأديان السابقة في إثبات صحة عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي الموعود وإضافته الى الأدلة الشرعية والعقلية الاُخرى، ثمارٌ عديدة، منها: الكشف عن أهمية هذه العقيدة وترسيخ الإيمان بها لدى أتباعها، ومنها: إعانة أتباع الديانات والمذاهب الأُخرى على الإهتداء لمعرفة هوية المصلح العالمي الذي بشرت به نصوص كتبهم المقدسة ودعوتهم الى الإسلام من هذا الطريق، والإحتجاج عليهم بالنصوص المعتبرة عندهم وهو احتجاج أبلغ في الدلالة ، ومنها: إيجاد محور توحيدي لدعاة الإصلاح الديني من أتباع مختلف الديانات يعزز جهودهم وينسقها، يقوم على أساس الإيمان بهذا المصلح العالمي ووجوده فعلاً ورعايته لجهود المُمهدين لظهوره طبقاً للعقيدة الإسلامية الأوسع شمولية وتفصيلاً في عرض هذه الفكرة العريقة في الفكر الديني والإنساني.

يقول العلاّمة الشهيد آية الله العظمى السيّد محمّد باقر الصدر: وإذا كانت فكرة المهدي أقدم من الإسلام وأوسع منه، فإن معالمها التفصيلية التي حددها الإسلام جاءت أكثر اشباعاً لكلّ الطموحات التي إنشدّت إلى هذه الفكرة منذ فجر التاريخ الديني، وأغنى عطاءاً وأقوى إثارة لأحاسيس المظلومين والمعذّبين على مر التاريخ. وذلك لأنّ الإسلام حوّل الفكرة من غيب الى واقع، ومن مستقبل الى حاضر، ومن التطلع الى منقذ تتمخض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول الى الإيمان بوجود المنقذ فعلاً، وتطلعه مع المتطلعين الى اليوم الموعود الى اكتمال كلّ الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم.

فلم يعد المهدي (عليه السلام) فكرة ننتظر ولادتها، ونبوءة نتطلع الى مصداقها، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليته، وإنساناً معيّناً يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويراناً، ويعيش آمالنا وآلامنا ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا، ويشهد كلّ ما تزخر به الساحة على وجه الأرض من عذاب المعذّبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويكتوي بذلك من قريب أو بعيد، وينتظر بلهفة اللحظة التي يُتاح له فيها أن يمد يده الى كلّ مظلوم وكلّ محروم وكلّ بائس ويقطع دابر الظالمين.

وقد قُدّر لهذا القائد أن لا يُعلن عن نفسه ولا يكشف للآخرين هويته ووجوده على الرغم من أنه يعيش معهم انتظاراً للحظة الموعودة.

ومن الواضح أن الفكرة بهذه المعالم الإسلامية تقرّب الهوّة الغيبية بين المظلومين ـ كلّ المظلومين ـ وبين المنقذ المنتظر، وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعورهم النفسي قصيراً مهما طال الإنتظار.

ونحن حينما يُراد منّا أن نؤمن بفكرة المهدي بوصفنا تعبيراً عن إنسان حيّ محدد يعيش فعلاً كما نعيش، ويترقب كما نترقب، يُراد الإيحاء إلينا بأنّ فكرة الرفض المطلق لكلّ ظلم وجور، والتي يمثلها المهدي، تجسدت فعلاً في القائد الرافض المنتظر، الذي سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم كما في الحديث، وإنّ الإيمان به إيمان بهذا الرفض الحيّ القائم فعلاً ومواكبة له...»(20).

الهوامش

(1) ستأتي الإشارة الى توثيق وتخريج هذه التواريخ من مراحل حياة الإمام المهدي(عليه السلام( في الفصول القادمة فانتظر.

 (2( راجع النصوص الخاصة بالمهدي الموعود من كتاب «بشارات عهدين» بالفارسية للشيخ محمّد الصادقي ، وراجع أيضاً كتاب «أهل البيت في الكتاب المقدّس»، لأحمد الواسطي: 121 وما بعدها وكتاب «الإمام المهدي في كتب الأُمم السابقة والمسلمين» لمحمّد رضا حكيمي: 52 ـ 57 ، «عقيدة المسيح الدجّال» لسعيد أيوب: 379 ـ 380 .

(3( لمعرفة تفصيلات هذا التمهيد يُراجع كتاب تاريخ الغيبة الكبرى للسيّد محمّد الصدر، في حديثه عن التخطيط الإلهي لليوم الموعود قبل الإسلام : 251 وما بعدها.

(4( بحث حول المهدي: 53 ـ 54 .

(5)الفصول العشرة في الغيبة، المفيد: 91 ـ 107 .

(6)كنز الفوائد، الكراچكي 2: 114 ـ 134.

(7) إعلام الورى بأعلام الهدى، الطبرسي 2: 304 ـ 310 المسألة السادسة.

(8)بحث حول المهدي، الشهيد الصدر: 63 ـ 89 .

(9) راجع كتاب دفاع عن الكافي للسيّد العميدي: 1/180 ـ 181، وإحقاق الحقّ، 13: 3ـ4. والإمام المهدي

في كتب الأُمم السابقة والمسلمين، محمّد رضا حكيمي: 52 ـ 57، والإمامة وقائم القيامة، د. مصطفى غالب:270 ـ 271 .

 (10)عقيدة المسيح الدجّال في الأديان، سعيد أيوب: 379 .

(11)اختص هذا اللقب بأئمة العترة الطاهرة، وإذا اُطلق كان المراد منه الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر(عليه السلام(، راجع كتاب النجم الثاقب لآية الله الميرزا حسين النوري 1: 211 من الطبعة المترجمة الى العربية، وقد ذكر الميرزا النوري أنّ هذا اللقب مذكور في الزبور الثالث عشر وغيره، نقل ذلك عن كتاب ذخيرة الألباب للشيخ محمّد الاسترآبادي.

(12)أهل البيت في الكتاب المقدس: 123 ـ 127، فقد نقل النص كاملاً من سفر أشعيا باللغة العبرية وذكر ترجمته والإشارة الى مدلولاته.

(13)النجم الثاقب 1 : 198.

(14) بشارات عهدين : 277.

(15)الكتاب المقدس تحت المجهر: 155 .

(16)راجع ما نقله الشيخ الصادقي في كتابه بشارات عهدين من كتب الأديان الاُخرى.

(17)بل أثبتت دراسات عدد من علماء أهل السنّة تواتر هذه الأحاديث الشريفة، مثل كتاب «التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجّال والمسيح» للإمام الشوكاني، وكتاب «الإشاعة في أشراط الساعة» للبرزنجي، وكتاب «التصريح» للكشميري وقال به الكتاني في كتابه «نظم المتناثر من الحديث المتواتر»: 236 ـ 239/289 ونقل القول بالتواتر عن الحافظ السخاوي والآبري والشوكاني وغيرهم الكثير.

(18) هذا الحكم يصدق أيضاً على الأحاديث الشريفة المروية عن الرسول الأكرم وأئمة العترة ـ صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ـ والتي تنبأت بولادة المهدي من الحسن العسكري وغيبته، فثبوت صدورها وتدوينها قبل وقوع الولادة والغيبة بما يزيد على القرن وأكثر ثم تحقق ما أخبرت عنه عملياً يثبت صحتها حتى لو كان ثمة نقاش في بعض أسانيدها، لأنّ تصديق الواقع لها دليل على صحة صدورها من ينابيع الوحي المتصلة بالله تبارك وتعالى الذي لا يعلم الغيب سواه ولا يطلع على غيبه إلاّ من ارتضى، وقد استدل العلماء بهذا الدليل الوجداني على صحة الغيبة وصحة إمامة المهدي ابن العسكري (عليهما السلام( مثل الشيخ الصدوق في إكمال الدين: 1 / 19، والشيخ الطوسي في كتاب الغيبة : 101 ـ 107، والطبرسي في أعلام الورى، وابن طاووس في كشف المحجة وغيرهم.

(19)ذكر الشيخ القندوزي الحنفي في ينابيع المودة الكثير من علماء أهل السنّة القائلين بأنّ المهدي الموعود هو ابن الحسن العسكري وأنه حي وغائب، كما ذكر الميرزا النوري في كتاب كشف الأستار أربعين عالماً منهم ونقل تصريحاتهم في ذلك، وكذلك فعل العلاّمة نجم الدين العسكري في كتابه المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنّة والإمامية، وجمع أقوالهم وتصريحاتهم السيّد ثامر العميدي في الجزء الأوّل من كتابه (دفاع عن الكافي). وكذلك السيّد الأمين العاملي ج5 من المجالس السنية والاُستاذ الدخيّل في: الإمام المهدي(عليه السلام( .

(20)بحث حول المهدي: 12 ـ 14.

المصدر: رواق الحجاج بتصرف

إقرأ أيضا:ما هو سر الاختلاف في تشخيص هوية المنقذ العالمي؟

إقرأ أيضا : سلاح الامام المهدي (عج)...بين الواقع والخيال

إقرأ أيضا: كيف نكون من قيادات الإمام المهدي(عج)؟

 

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 30 إبريل 2018 - 11:03 بتوقيت مكة