الإمام السيد علي الخامنئي
لقد كان العراق رازحاً تحت نير الهيمنة الاستعمارية لقرون طويلة تتلاعب به القوى وتستحوذ على خيراته وتستحقر شعبه. فإن المستكبرين في العراق كانوا قد «أقاموا حكومة ملكية وجاءوا بشخص غير عراقي (حيث لم تكن عائلة فيصل عائلة ملكية عراقية) ونصبوه حاكماً على الناس، بيد أنّ الإنجليز هم الذين كانوا يحكمون في حقيقة الأمر. فالسياسة كانت سياسة بريطانية، والإرادة إرادة البريطانيين، والشعب العراقي آنذاك كان مستسلماً خاضعاً لقبضة حكومة أجنبية. فانظروا، هل توجد إهانة لشعبٍ أشد من هذه الإهانة؟» (3/11/2001)
وهكذا استمر الوضع حتى ظهور حزب البعث في العراق وإمساك صدام حسين بزمام الحكم، حيث تدعي أمريكا بأن وكالة المخابرات الأمريكية كان لها دور في الانقلاب الذي دبّره حزب البعث العراقي في 17 تموز 1968، وواصلت دعمها بعد ذلك ولاسيما للرئيس صدام التكريتي بكل ما أوتيت من قوة. فإن الأمريكان والإنجليز «هم الذین جهّزوا صداماً القاسي الظالم ودعموه بکلّ ما یُمهِّد له القیام بتلك الأعمال الإجرامیة القاسیة، وأنّهم هم الذین أرخوا له العنان لیقومَ بمذبحة عام واحد وتسعین الرهیبة ولم یزجروه حتی برمشة عین. وهم الذین ساعدوه لیستخدم السلاحَ الکیمیاوي ضدّ الإیرانیین، بل وضدّ شعب العراق في حلبجة وغضّوا الطرف عنه، وهم الذين قدّموا له في حرب السنوات الثمان التي فرضها علی الجمهوریة الإسلامیة کلّ ما یدعمه من سلاح وإعلام، وتغاضوا عن کل المصائب التي کان یصبّها علی الشعب العراقي لیلاً ونهاراً.» (11/4/2003)
ولكن بعد أن تضاربت مصالحهم ووجدوا أن صدام راح يشكّل خطراً لهم ولاسيما بعد الهجوم على الكويت والتخطيط للهجوم على سائر بلدان المنطقة التي تعتبر حليفة لأمريكا، عزموا على إزاحته ليتعبّد لهم طريق السيطرة على هذا البلد والاستيلاء على ثروته وموارده الطبيعية الهائلة ومحو هويته الإسلامية والوطنية. «إنّهم في الواقع یعملون للسیطرة علی العراق وللسیطرة علی النفط... إنّهم یخطّطون لمحو الهویّة الإسلامیة والوطنیة للعراق وتحویله إلی مرکز للتسلط الأمریکي علی کل الشرق الأوسط.» (11/4/2003)
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو أنّ الاستكبار هل نجح في تحقيق مآربه وأهدافه؟
منذ سنوات طوال والعراق لم يشهد أي انتخابات، والناس كانوا مهمَّشين بالكامل، لا يمارسون أيّ دور في تقرير مصيرهم وفي تعيين الحاكم عليهم، وكان الحكام على مدى هذه الأزمنة خاضعين لهيمنة الاستكبار، واليوم نجد الشعب العراقي يحضر عند صناديق الاقتراع ويشارك في الانتخابات ويحدّد مصيره بنفسه. وإنّ «الهدف الأساس مما يجري راهناً في العراق هو حرمان الشعب العراقي من مكاسبه التي حصل عليها رغم التواجد الأمريكي وتدخلاته ومن أهمها سيادة الشعب. فإن أمريكا مستاءة من المسار الحالي الذي يجري في العراق بما في ذلك إجراء الانتخابات وتعيين الخيارات التي يثق بها الشعب، لأنها تصبو إلى عراق خاضع لهيمنتها يحكم فيه من هو منقاد للإرادة الأمريكية.» (22/6/2014) وهذا خير دليل على فشلها في هذا المضمار.
ومن أهم أهداف أمريكا تقسيم العراق تسهيلاً لفرض السيطرة عليه والتغلغل إليه، ولكنها أخفقت في هذا الجانب أيضاً. «يجتمع مجلس الشيوخ الأمريکي ويصدّر قراراً بضرورة تقسيم العراق.. وما شأنکم؟! وما دور الشعب العراقي إذن؟ إن تجزئة بلد إسلامي مهم وتقسيمه وتحويله إلی ثلاثة بلدان ممکنة الاحتلال والتوغل وجعلها ألعوبة في أيديهم... تعتبر أکبر خيانة للعالم الإسلامي ولشعب العراق.» (13/10/2007) «يهدف الأمريكان إلى تقسيم العراق وتأسيس دوليات صغيرة تكون طوع أمرهم، وهذا أمرٌ لن يتحقق بحول الله وقوته.» (17/8/2015)
ومن أهدافهم دحر روح المقاومة في نفوس العراقيين وعدم تصدّيهم للمؤامرات الاستكبارية، ونحن نرى ظهور جماعات وفصائل مقاومة منذ الهجوم الأمريكي، ولقد بلغت ذروتها بعد دخول داعش أرض العراق - داعش التي قامت أمريكا بتأسيسها ودعمها وتمويلها وتسليحها - وتشكيل الحشد الشعبي الذي يحتفل اليوم بالقضاء على هذه الجرثومة الخبيثة. «لقد أفاق شباب العراق ولا يوجد أدنى شك في أنهم لن ينصاعوا لهيمنة أمريكا. فإن قوات الحشد الشعبي في العراق رمز جلي وواضح لصحوة الشباب العراقي وقوته.» (٢٤/١١/٢٠١٥)
ومن أكبر أهداف الاستكبار إبعاد الشعبين الإيراني والعراقي عن بعضهم الآخر وتشويه صورة الثورة الإسلامية في إيران لدى أبناء الشعب العراقي، ولقد أخذت تلوح اليوم مؤشرات التقارب بين الشعبين في مختلف الساحات وتجلّى هذا التقارب بأبهى صوره في المسيرة الأربعينية. فإن «المسيرة الأربعينية نموذج من التواصل النابع عن الود والوئام بين الشعبين الإيراني والعراقي.» (٢٤/١١/٢٠١٥)
وفي نهاية المطاف نقول بأن الأمريكيين فيما يخص جبهة المقاومة كانوا «قد عزموا على اقتلاع جذور المقاومة في منطقة غرب آسيا، وكانوا على ثقة بأنهم سيحققون هذا الأمر، ولكننا وقفنا وقلنا لا نسمح بذلك. ولقد ثبت اليوم للعالم أجمع أن أمريكا أرادت ولم تستطع ونحن أردنا واستطعنا..» (8/2/2018)
المصدر: نشرية حزب الله/العدد التاسع