تكتيكٌ يقضي بوضع الإستهداف المباشر للوجود الإيراني في سوريا على رأس الأولويات. وهو ما أجمعت عليه قيادتي الجيش والإستخبارات وبقي مُعلقاً بإنتظار الوقت المناسب. في 9 نيسان 2018، أصدر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر لشؤون الأمن تعليماته بشن الجيش غارات على مطار “التيفور” ما أدى الى استشهاد مستشارين ايرانيين في الحرس الثوري بينهم عقيد في سلاح الجو الإيراني. ساعات وخرجت التصريحات الإيرانية من رأس النظام والدولة لتؤكَّد على أن إيران سترد. وعلى الرغم من مرور 10 أيام على الحادثة، ما يزال الكيان الإسرائيلي يعيش حالة الترقُّب والقلق من الرد الإيراني.
عدة علامات ظهرت خلال الأيام الأخيرة دلَّت على أهمية الحدث نُشير لها فيما يلي:
أولاً: إشارة الأمين العام لحزب الله على مفصلية الخطوة الإسرائيلية وما سيتبعها من نتائج.
ثانياً: خروج تصريحات إيرانية مؤكدة على الرد من قِبل شخصيات معنية بملفات المنطقة كآية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي وقائد قوة القدس اللواء قاسم سليماني، ما ثبَّت أن الرد حتمي.
ثالثاً: توقُّع “تل أبيب” الرد واعطائها تعليمات للتأهب، وهو ما ظهر على التحركات العسكرية الإسرائيلية.
إضافة الى العلامات، خرجت عدة تحليلات مُفسرة الخطوة الإسرائيلية، نُلخصها في التالي:
أولاً: هدفت “تل أبيب” لترسيخ معادلتها الرافضة لأي خطوة عسكرية تهدف لكسر توازن القوة أو تخطي السقف الأحمر الإسرائيلي. وهو ما ربطه الخبراء بحادثة إسقاطها لطائرة مسيرة في 10 شباط ادعَّت حينها “تل أبيب” أنها ايرانية وتحمل متفجرات.
ثانياً: أرادت “تل أبيب” توجيه رسالة الى القيادة السورية مفادها أن أي خطر استراتيجي على الكيان لن يمنع الجيش الإسرائيلي من التدخل المباشر ومحاولة إزالته بالشكل المناسب.
ثالثاً: قصدت “تل أبيب” إيصال رسالة الى حلفاء إيران في محور المقاومة مفادها أن الجيش الإسرائيلي يمكنه استهداف التواجد الإيراني مباشرة في سوريا، وهو ما يعني ضرب رهان الحلفاء على جدوى الحماية الإيرانية لهم من جهة، وكسر معادلة استهداف تواجد الحلفاء فقط دون إيران من جهة أخرى.
رابعاً: اختبار ردة الفعل الروسية تجاه معادلات الصراع بين محور المقاومة والكيان الإسرائيلي، مع وجود قناعة اسرائيلية بأن روسيا لن تتدخَّل!
خامساً: إيجاد حدث يمكن أن يُغطي على الواقع الإسرائيلي الداخلي المتأزم لا سيما فيما يخص ملف الفساد الذي يطال رئيس الوزراء نتنياهو.
كل هذه التحليلات، حاولت تقديم قراءة للخطوة الإسرائيلية. وهي أجمعت بالنتيجة على أن القيادة الإسرائيلية قامت بخطوة جديدة نقلت معها الصراع الى مرحلة مختلفة. خطوة قد تكون انطلقت من قناعة إسرائيلية بأن طهران ليست بوارد الرد لأسباب تتعلق بالواقع السوري وعدم رغبة اللاعبين كافة على التصعيد من جهة، وتتعلق بمساعي روسيا الى إبقاء الصراع ضمن سقف لا يؤدي الى التصعيد من جهة أخرى. لكن هل أخطأت “تل أبيب” في حساباتها تجاه الطرف الإيراني؟
تكمن المعضلة في استشراف المستقبل، فيما يخص قيام “تل أبيب” بوضع نفسها في مواجهة طهران، في الحسابات المُعقدة للأزمة السورية بالإضافة الى ما يجري في المنطقة والعالم. لكن الأيام العشر التي مرَّت، زادت من قناعة المراقبين بأن إيران سترد. وهو ما أدخل “تل أبيب” في أزمة كابوس الرد.
من الناحية العسكرية، لا يمكن ان ترد إيران مباشرة بعد الإستهداف في الوقت الذي تتأهب فيه “تل أبيب” متوقعة الرد. وايران لن تسكت عن محاولة الجيش الإسرائيلي تحويل معادلات الصراع كما يشاء. فالواقع يقول أن “تل أبيب” نجحت في ترسيخ معادلة “التدخل لمنع الخطر الإستراتيجي”. لكنها دخلت في الوقت نفسه في لعبة النزاع مع إيران، التي تُجيد نسج المعادلات بعقلٍ بارد. ما يعني أن القيادة الإسرائيلية أدخلت نفسها في أزمتين. أزمة انتظار الرد، وأزمة كيفية الرد.
بالنتيجة، قامت “تل أبيب” بخطوة جديدة مُستفزة نقلت الصراع الى مرحلة مختلفة. خطوة لم يُعطها الكثيرون أهميتها المطلوبة مع ما تعنيه من حسابات دقيقة في ظل الواقع المُعقَّد والذي قد يكون متناقضاً بين الحلفاء أنفسهم في مسائل معينة. وهو ما يعني أن “تل أبيب” نجحت في استغلال عقدة الصراع وتشابك المصالح، لكنها تسرَّعت في رهاناتها. كل ما تقدَّم بالإضافة الى فهم العقل الإيراني، يكفي لتأكيد حتمية الرد الإيراني، والذي سيكون بحده الأدنى بنفس مستوى الإستهداف الإسرائيلي. خطوةُ ستكون كافية لإيجاد تحوُّلٍ في مسار الصراع، قد تكون بدايته انتقال محور المقاومة من استراتيجية الدفاع الى استراتيجية الهجوم. وبإنتظار ذلك الفعل المفتوح الأجل، ستعيش تل أبيب كابوس الرد!
محمد علي جعفر
العهد
24-101