جميع مُخطَّطات التدخُّل العَسكري في سورية والعِراق وليبيا واليمن جاءت تحت ذريعة مُحارَبة الإرهاب، و”الدولة الإسلاميّة” أو “داعش” على وَجه الخُصوص، وانتهى هذا التَّنظيم تقريبًا، وخَسِر عاصِمَته الأولى (الرقّة)، والثانية (المُوصل) ومُعظَم الأراضي التي كان يُسيطِر عليها، بينما تتعاظَم هذهِ المُخطَّطات وتتناسل بدَعم أمريكي وغربي وإقليمي أيضًا، والهَدف استنزاف العَرب والمُسلمين، وتَمزيق دولِهم وشُعوبهِم.
***
هُناك أحاديث تتردد بقُوة في أروقَة مراكَز البحث الغربيّة والروسيّة معًا عن وجود خُطط أمريكيّة لإقامَة ثلاثة كيانات جَديدة في سورية:
ـ الأوّل: كَيان كُردي في شمال سورية يشمل الحسكة والقامشلي، ويمتد حتى منبج وعفرين، وتُريد أمريكا إنشاء قُوة من 30 ألف جندي من الأكراد لحِماية هذا “الكوريدور”، وتَوظيف قواعِدها الـ20 في المِنطَقة في خِدمة تَدريب هذه القُوات وتَسليحِها.
ـ الثّاني: إقامة كيان أو جيب عربي سُنّي يَكون نُواة لدولة قبائل “شمّر” تمتد من جَنوب الحسكة وحتى دير الزور على طُول شَرق الفرات، تُسيطر على حُقول النفط والغاز في المِنطقة التي يُوجَد في جَوفِها نِصف احتياطات الطَّاقة السُّوريّة، وهذا ما يُفسِّر الاهتمام الأمريكي المُبالَغ فيه بالسيد أحمد الجربا، أحد شُيوخ قبائِل شمّر البارِزين.
ـ الثَّالث: تأكيد مصدر عسكري روسي نقلت عنه وكالة “سبوتنيك” الرسميّة، أنّ المُسلَّحين في جنوب غرب سورية، والجيش السوري الحُر، ومُقاتِلي “جبهة النصرة”، يُخطِّطون لشَن هُجوم واسِع بِدعم أمريكي لإقامة كيان جديد يَضُم مُحافظات السويداء والقنيطرة ودرعا، وتكون الأخيرة عاصِمَته، وأنّه جرى تشكيل قُوة عسكريّة قَوامُها 12 ألف مُقاتِل، وقالت السيدة ماريا زاخاروفا، المُتحدثة باسم الخارجيّة الروسيّة امس الخميس أن “بِلادها تَملُك معلومات حول مُحاولات المُعارضة السوريّة وتنظيم جبهة النصرة إقامة مِنطَقة حُكم ذاتي جنوب سورية بِدعم أمريكا”.
الاجتماع الرباعي الذي انعقد في طهران اليوم، تَزامَن مع قِيام الطَّائِرات الحَربيّة العِراقيّة في ضَرب أهداف وقواعِد لمُقاتِلي تنظيم “داعش” داخِل سورية، ممّا يعني أن الحِلف العَسكري والأمني الجَديد الذي يتبلور حاليًّا، وتُغَيّب عنه تُركيا، ربّما يَتحوَّل إلى حِلف عَسكري للتَّصدي للقُوات الأمريكيّة إذا بَقيت في سورية بطَريقة مُباشِرة أو غَير مُباشِرة، أو لأي قُوات عربيّة “سُنِّية” يُمكِن أن تَحِل مَحلّها.
التَّطوُّر اللَّافِت، هو التَّقارب السُّوري العِراقي بِرعاية إيرانيّة ومُبارَكة روسيّة، ممّا يُؤَشِّر إلى احتمال خُروج العِراق من تَحت المِظلَّة الأمريكيّة بِشَكلٍ نِهائي، وهُناك تقارير إخباريّة من داخِل العِراق تقول أن السيّد حيدر العبادي، رئيس الوزراء، الذي يُعتَبر حليف أمريكا في العِراق بَدأ يُخَطِّط لنَقل البُندقيّة إلى الكَتِف الإيراني، وأنّ إدانة السيد مُقتدى الصدر للعُدوان الثُّلاثي على سورية يأتي تَناغُمًا مع التَّوجُّه الجَديد رغم تَشكيك البَعض، والقَول بأنّه تَكتيكٌ انتخابِي مَحْض.
إدارة الرئيس ترامب التي تَقترِب من مَوعِد الانسحاب من الاتّفاق النَّووي الإيراني، تُريد مُحارَبة إيران بِقُوّات العَرب وأموالهم، وهذا ما يُفسِّر مُطالَبتها لدُوَل مِحور “الاعتدال” بإرسال قُوات إلى شمال شرق سورية للتَّصدي للميليشيات العَسكريّة السُّوريّة والعِراقيّة المَدعومة إيرانيًّا، ودعم الكَيانين المُفتَرضين العَربي والكُردي “السُّنِّيين” شَرق الفُرات.
***
الخِشية كُل الخِشية أن تتورط السعوديّة في الشَّمال الشَّرقي السُّوري، والأُردن في الجَنوب الغَربي رضوخًا للإملاءات والإغراءات الأمريكيّة مَعًا، وآخر الإغراءات، عَرض من الرئيس ترامب تُصبِح من خِلاله السعوديّة “حليف استراتيجي” لأمريكا من خارِج حِلف النِّاتو، وفي الخانَة نَفسِها التي تَضُم إسرائيل والأُردن وكوريا الجَنوبيّة.
ربّما تكون إسرائيل حصلت على أربعة مِليارات دولار سَنويًّا كمُساعَدات أمريكيّة، وأحدَث ما في التَّرسانة الأمريكيّة من طائِرات حَربيّة وصَواريخ وتِكنولوجيا عَسكريّة، ولكن ما الذي حَصل عليه الأُردن غير الجُحود، وطائِرات “إف 16” قَديمة مُتهالِكة، وبعض الدَّبّابات التي خَرجت من الخِدمة لانتهاء عُمرِها الافتراضيّ، يُسَدد قيمَتها من مُساعَدة سَنويّة في حُدود مِليار دولار؟ والسُّؤال الآخر هو عمّا ستَحصُل عليه السعوديّة التي تُبادر بتَقديم مِئات المِليارات لامريكا لشِراء الأسلحة لخَوض حُروب أمريكا الحاليّة والقادِمة ضِد إيران، سَواء غير مُباشِرة في سورية واليمن، وربّما مُباشِرة في إيران.
لا نَعتقِد أن تحذيرنا، وغَيرنا، سيَجِد آذانًا صاغِية، وعَلينا أن نتذكَّر دائِمًا أن أمريكا خَسِرت حُروبها في سورية والعِراق، وقد لا تَكسَب حَربَها في إيران بالتَّالي، وستُورث هذه الهَزائِم، وفَواتيرها، وتَبعاتِها، لحُلفائِها العَرب.
أمريكا ابتزّت مُعظَم دُول الخًليج (الفارسي) ماليًّا وأمنيًّا وعَسكريًّا على مَدى 7 سنوات في سورية، و7 أُخرى في ليبيا، و3 سَنوات في اليمن، ويبدو أنّها لم تَشبَع من المال والدَّم العَربيّين، وما زالَت تَطمَع بالمَزيد، ومن المُؤلِم أنّها تَجِد من يَتجاوب مع ابتزازها.
بقلم عبد الباري عطوان
المصدر:راي اليوم