الرابع من شهر شعبان...ذكرى ميلاد سليل الشجاعة

الجمعة 20 إبريل 2018 - 13:15 بتوقيت مكة
الرابع من شهر شعبان...ذكرى ميلاد سليل الشجاعة

بعد مدّة ذكر له عقيل امرأة من بني كلاب تتوفّر فيها هذه الصفات ، اسمها فاطمة بنت حزام بن خالد. وكان كلّ آبائها فرسان...

مرّت سنوات على وفاة بضعة الرسول ، السيدة الزهراء عليها السلام. وبعد مرور ما يربو على عشر سنوات على تلك الحادثة المؤلمة ، لم يزل حزن فراق الزهراء يغمر قلب علي عليه السلام.  وقد كُتب لآل الرسول مصير يدعو إلى الدهشة ؛ فقد كان بنو هاشم يعيشون مظلومين وهم في ذروة المجد والعظمة.

وعندما عزم علي على الزواج من امرأة اخرى ، كانت قضيّة عاشوراء ماثلة أمام ناظريه. فاستدعى أخاه عقيل، الذي كان عارفاً بأنساب العرب وقبائلهم وأرهاطهم وصفاتهم. وخصالهم ، وقال له : انظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها فتلد لي غلاماً فارساً.

بعد مدّة ذكر له عقيل امرأة من بني كلاب تتوفّر فيها هذه الصفات ، اسمها فاطمة بنت حزام بن خالد. وكان كلّ آبائها فرسان. وأمّا من جهة اُمّها فكانت من عائلة معروفة بالشرف والشجاعة. كان اسمها فاطمة الكلابيّة ، ثمّ اشتهرت لاحقاً باسم أمّ البنين. حيث انجبت أربعة بنين أحدهم العبّاس.

ذهب عقيل ليخطبها من أبيها ، فرحب الأب بهذه الخطوبة واستجاب لها بفخر واعتزاز. فتزوّج أمير المؤمنين عليه السلام بهذه المرأة الشريفة.

وبلغ من عظمتها ومعرفتها وتبصرها بمقام أهل البيت انّها لما أدخلت على أمير المؤمنين وكان الحسنان مريضين أخذت تلاطف القول معهما وتلقي إليهما من طيّب الكلام ما يأخذ بمجامع القلوب وما برحت على ذلك تحسن السيرة معهما وتخضع لهما كالأمّ الحنون (1).

يُقال انّهم عندما كانوا ينادونها فاطمة ، قالت لهم : لا تدعوني فاطمة فيتجدّد في قلبكم حزن اُمّكم فاطمة ، وانّما اعتبروني خادمة لكم.

وكانت ثمرة هذا الزواج أربعة بنين هم العبّاس ، وعبد الله ، وجعفر ، وعثمان. وقد قتلوا كلّهم بعد سنوات ، في واقعة كربلاء.

وكان الابن البكر لهذا الزواج هو العبّاس ، الذي نسرد هاهنا فضائله ومناقبه.

"كانت فاطمة الكلابيّة ـ اُمّ البنين ـ من النساء الفاضلات العارفات بحقّ أهل البيت ، مخلصة في ولائهم ، ممحضة في مودّتهم ، امتثالاً لأمر القرآن الكريم الذي جعل أجر الرسالة مودّتهم. وكان لها عندهم الجاه الوجيه والمحل الرفيع. وعاشت بعد الامام علي مدّة طويلة ـ أكثر من عشرين سنة ـ ولم تتزوّج من غيره ، حفظاً لحرمته (2).

كانت اُمّ البنين على درجة عالية من الإيمان ، وكانت تحبّ أبناء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أكثر من حبّها لأولادها. وعندما وقعت حادثة كربلاء ، كانت تترقّب الأخبار التي تصل من الكوفة. وكلّ من كان يخبرها بوفاة أبنائها كانت تسأله ابتداءً عن خبر الحسين ، إذ كانت أخبار الحسين أهمّ عندها من أخبار أبنائها. كان العبّاس إبناً لمثل هذه المرأة الفاضلة العارفة بحقّ أهل البيت ، وأبوه هو علي بن ابي طالب عليهما السلام.

ولد أوّل مولود لأُم البنين في الرابع من شعبان سنة ۲٦ من الهجرة ، وقتل مع أخيه الحسين عليهما السلام في أوّل سنة ٦۱ من الهجرة وعمره اربع وثلاثون سنة ...

ملأت ولادة العباس بيت علي عليه السلام وقلبه نوراً وأملاً ؛ لأنّ أمير المؤمنين كان يرى انّ ابنه هذا سيكون حامل لواء ابنه ذاك ، والمضحّي بنفسه دونه في كربلاء التي كانت في انتظارهم. وسيبذل العبّاس بن علي نفسه دون الحسين بن فاطمة.

وعندما ولد العباس ، أخذه علي عليه السلام وأذّن وأقام في أُذنيه. وقرأ اسم الله ورسوله فيهما ، فعقده مع الدين والتوحيد والرسالة ، وسمّاه العبّاس (3).

وفي اليوم السابع من ولادة أبي الفضل عليه السلام ، قام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بحلق شعره ، والتصدّق بزنته ذهباً أو فضّة على المساكين وعقّ عنه بكبش ، كما فعل ذلك مع الحسن والحسين عليهما السلام عملاً بالسنّة الإسلاميّة (4).

ذكر صاحب كتاب [ قمر بني هاشم ] انّ اُمّ البنين رأت أمير الؤمنين في بعض الأيّام اجلس أبا الفضل عليه السلام على فخذه وشمر عن ساعديه وقبلهما وبكى فأدهشها الحال لأنّها لم تكن تعهد صبيّاً بتلك الشمائل العلويّة ينظر إليه أبوه ويبكي من دون سبب ظاهر، ولما أوقفها أمير المؤمنين على غامض القضاء وما يجري على يديه من القطع في نصرة الحسين عليه السلام بكت وأعولت ... (5).

وعند مولد العبّاس امتلأت دار علي عليه السلام فرحاً وحزناً ؛ الفرح كان لمجيء هذا المولود الجديد ، والحزن والدموع لما سيلقاه مُستَقبلاً في كربلاء من قطع يديه وقتله.

نشأ العباس في دار علي عليه السلام في حجر أمّه المؤمنة الوفيّة ، وإلى جانب الحسن والحسين عليهما السلام ، وتعلّم من آل رسول الله ، من أبناء هذه الاُسرة الطيّبة ، دروساً عظيمة في الإنسانيّة والإخلاص وسموّ الأخلاق.

وقد كان لتربية الإمام علي عليه السلام من غير شك ، تأثير بارز في صياغة الشخصيّة الفكريّة والنفسيّة لهذا الفتى. وجاء إدراكه العالي انطلاقاً من هذه التربية النبيلة.

كان نبوغه الذاتي وتربيته العائلية سبباً لتكامله أخلاقياً وروحياً ، ونمت تلك الجوانب من شخصيّته إلى جانب نمو قواه الجسميّة والعضليّة حتّى غدا شاباً كاملاً وممتازاً وصالحاً. لم ينحصر تفوقه في طوله الفارع فحسب ، وانّما كان بارعاً في عقله وفي معالمه الإنسانيّة أيضاً. كان يعلم لأيّ يوم عظيم قَد ادُّخِر ، حتّى يبذل نفسه في نصرة حجّة الله. فهو قد وُلِد من أجل يوم عاشوراء.

كانت هذه الحقيقة نصب عيني علي عليه السلام حينما أراد الزواج بأُم البنين. وعندما كان علي على فراش الشهادة ، ذكّر عباس بـ « سرّ الدم » هذا ، وهمس في اُذنه.

لما كانت ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان عام ٤۰ هـ ، وأشرف علي عليه السلام على الموت ، أخذ العبّاس وضمّه إلى صدره الشريف وقال : ولدي وستقرّ عيني بك في يوم القيامة ، ولدي إذا كان يوم عاشوراء ودخلت المشرعة إيّاك ان تشرب الماء وأخوك الحسين عطشان ... (6).

كان هذا أوّل درس عاشوراء تعلّمه ليلة شهادة علي عليه السلام ، وبقي في ذهنه على الدوام إلى يوم عاشوراء.

لعلّه في تلك اللحظات الأخيرة من عمر علي ، حين التفّ أولاده حول فراشه ، وكان يساورهم القلق من المستقبل ، لعلّه أوصى كلّ واحد منهم بما ينبغي. ولا يُستبعد انّه أخذ بيد العبّاس ووضعها في يد الحسين عليه السلام ، وقال له : يا عباس ! نفسك ونفس الحسين في كربلاء. إيّاك ان تفارقه وتتركه وحيداً !

كان لعبّاس شرف النسب والمحتد ، وكثيراً ما كان يحظى برعاية علي عليه السلام وأمّه ، أم البنين. وكانت هذه المرأة امرأة شريفة وعارفة بحقّ أهل البيت ومخلصة في ولائهم. وفي المقابل كان لها عندهم الجاه الوجيه والمحل الرفيع ، وقد زارتها زينب بعد وصولها المدينة تعزّيها بأولادها الأربعة ، كما كانت تزورها أيّام العيد (7). وهذا ما يدلّ على عظيم منزلتها عندهم.

الهوامش

(1)العبّاس بن علي ، ص ۱۳۳.

(2)العبّاس بن علي ، ص ۱۳۳.

(3)العبّاس بمعنى الأسد الهصور ، وتأتي أيضاً بمعنى الكثير العبوس وتقطيب الوجه ؛ لأنّه كان عبوساً على الظالمين والأعداء.

(4)العبّاس بن علي ، ص ۲٥.

(5)العبّاس بن علي ، ص ۱۳۸.

(6)معالي السبطين ، ص ۲۷۷.

(7)العبّاس بن علي ، ص ۲۳.

المصدر : شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام للتراث والفكر الإسلامي

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الجمعة 20 إبريل 2018 - 13:15 بتوقيت مكة