وتهدف هذه الزيارة إلى معرفة رأي الخبير، غافين شميدت، حول الحضارة الأولى على كوكب الأرض، ليجد أن مدير مركز غودارد الحالي يمتلك نظرية مختلفة عما عهده الباحثون والمؤرخون على مر التاريخ.
وقالت الصحيفة، في تقريرها، إن فرانك قام بزيارة شميدت؛ بهدف الاطلاع على رؤية مختلفة تتعلق بظاهرة الاحتباس الحراري من منظور علم الأحياء الفلكي. وشمل هذا البحث عدة تساؤلات حول ما إذا كانت أي حضارة صناعية عاشت على الكوكب تركت لنا نصيبا من الأدلة على نشاطاتها السابقة من خلال وضع بصمة ضمن المناخ. وقد عمد شميدت إلى إعلام فرانك بحقيقة أن الحضارات لا تقتصر على تلك التي دونها التاريخ فقط.
وأفادت الصحيفة بأننا اعتدنا التفكير بشأن الحضارات القديمة في إطار صورة نمطية ترتبط حصرا بالتماثيل الغارقة والأنقاض المغمورة بالمياه في أعماق البحار. لكن هذه القطع الأثرية توفر دليلا ملموسا على آلاف السنين الفارطة فقط. وفي حال أعدنا عقارب الزمن لملايين السنين، سيمسي الوضع أكثر تعقيدا، وتنكشف المزيد من الحقائق المتشعبة.
وأضافت الصحيفة أن المؤشرات التي تشير إلى وجود حضارات قديمة تعود في أقصى مراحلها إلى 1.8 مليون سنة قبل الميلاد، وتم اكتشاف أقدم هذه الأدلة على الإطلاق في صحراء النقب، في حين تحول كل ما سبق العصر الرباعي لحقبة الحياة الحديثة إلى ركام. وفي المجمل، يعود أقدم ظهور للإنسان العاقل على وجه الأرض إلى 300 ألف سنة ماضية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحضارة الحالية ستترك العديد من المؤشرات التي تدل على وجودها لمدة تزيد على 100 مليون سنة قادمة، ويرجع ذلك إلى الأثر العميق الذي نحتته حضارة 7 مليار شخص على كوكب الأرض. ففي الواقع، يمكن للباحثين المستقبليين النظر في مستوى النيتروجين في الرواسب التي ترتبط بعصرنا؛ لأن أغلب الزراعات الحالية تعتمد بشكل كبير على الأسمدة، كما يمكن تبين وجود حضارتنا الحالية من خلال ركام الأقمار الصناعية الذي سيحوم في مدار الكوكب.
ونوهت الصحيفة إلى أن المخلفات البلاستيكية في المحيطات تتجزأ وتتحول إلى جسيمات متناهية الصغر، وتستقر في قاع المحيط؛ لتكون طبقة جيولوجية يمكن دراستها لبيان أثر وجود حضارتنا الحالية بعد مئات ملايين السنين. فضلا عن ذلك، تستقر الملوثات التي تنجم عن التصنيع في صلب الصخور، بحيث يمكن لتحليل كيميائي مستقبلي بسيط أن يكشف أسرار حضارتنا من الألف إلى الياء.
وذكرت الصحيفة أنه منذ 65 مليون سنة، مرت الأرض بمرحلة بلغت خلالها درجات الحرارة مستويات غير اعتيادية تتجاوز معدل حرارة الكوكب في الوقت الحالي بحوالي 15 درجة فهرنهايت. ومن خلال دراسة بعض المستحثات، اتضح أن مستويات الجليد تناقصت على نحو مهول، فيما بقي المحيط دون أكسجين لآلاف السنين قبل انتعاشه مرة أخرى.
وتطرقت الصحيفة إلى أن هذه الأحداث والكوارث التي تركت بصمة في التاريخ الجيولوجي لكوكب الأرض لا تدل بالضرورة على وجود حضارة إنسانية في الحقب القديمة. في الأثناء، أثبت ذلك أن ارتفاع درجات الحرارة القياسي كان نتيجة ازدياد معدل ثاني أكسيد الكربون في الجو، وهو ما يحيل إلى العديد من التساؤلات المتعلقة بتلك الفترة.
وأفادت الصحيفة بأن هناك لغزا يكمن بين ثنايا تاريخ كوكب الأرض. ففي حال شهد الكوكب حضارة صناعية في وقت ما من التاريخ القديم، قد لا نتمكن من تبين وجودها؛ نظرا لامتدادها على فترة قصيرة من الزمن. ووفقا للباحثين اللذين قادا هذه الأبحاث، يعد التوصل إلى اكتشاف حضارة أخرى أمرا صعبا للغاية. في الوقت ذاته، يقتضي الأمر البحث عن المستحثات التي تتضمن أدلة على هذه الحضارة بشكل صريح، وعدم الاقتصار على انتظار مصادفتها بصفة عرضية.
وبينت الصحيفة رفض آدم فرانك لنظرية غافين التي تفيد بوجود حضارة بشرية قبل 50 مليون سنة. لكن غافين شدد بدوره على ضرورة رؤية الأمور من منظور علم الأحياء الفلكي، ودراسة التغيرات التي طرأت على مناخ الكوكب وبين الحضارات، التي من المرجح أن تكون وراء هذه التغييرات. واستند شميدت إلى حاجة الحضارات إلى استثمار ثروات الأرض، وترك العديد من المخلفات والآثار التي صادف العديد من علماء الآثار والجيولوجيا الكثير منها.
وأقرت الصحيفة بأن اعتماد الإنسان على مصادر طاقة نظيفة سيقلل من حجم تأثيره على الفضاء المحيط به، ما سيتسبب في ندرة الأدلة التي ستكشف خبايا هذه الحضارة في المستقبل. بعبارة أخرى، عادة ما ينجم عن التأثير المحدود لحضارة فيما حولها تجاهل تام من طرف سجلات التاريخ لها، وهو ما يفسر عدم تفطن الإنسان الحديث لبعض الحضارات في الماضي.
ولم يتوقف بحث شميدت وفرانك عند هذا الحد، حيث توصلا إلى فرضيات تحيل على وجود حضارات صناعية في الكواكب الأخرى. فضلا عن ذلك، أدى اعتماد هذه الحضارات على الوقود الأحفوري إلى تغيير ملامح الكوكب وتقليل مستويات الأكسجين، ليصبح مناخه غير قابل لإيواء أي نوع من أنواع الحياة.
وفي الختام، أفادت الصحيفة بأنه عند التساؤل بشأن الحضارات المفقودة في الماضي السحيق، نحن نسأل أيضا عن قدرة القوانين الفيزيائية للكون على قيادة عملية تطور طبقات الغلاف الجوي بالاعتماد على إمكانياتها الإبداعية، بما في ذلك ظهور الحضارات.