الشيعة الإمامية: طائفة دينية إسلامية ، تمتد جذورهم وأصالتهم إلى زمن بداية الرسالة وعهد رسول الله (ص) ، إذا تعد الشيعة أولى الفرق الإسلامية التي ظهرت في التاريخ الإسلامي ، واصطلح وتعارف على أن لفظة (الشيعة) إذا قيلت مطلقة دون تخصيص فإن الذهن ينصرف نحو الإثني عشرية أو الجعفرية لكونها الطائفة الأكبر من حيث عدد الأتباع من بين الطوائف الشيعية الأخرى ، وتُسمىّ بذلك تميزاً لهم عن الإسماعيلية والزيدية ، ولاعتقادهم بأن النبي (ص) قد نصّ على إثني عشر إماماً خلفاء من بعده ، بدءاً بالإمام علي (ع) وختماً بالإمام المهدي (عج) ، فكانت عقيدة الإمامة هي المميز الرئيس لها عن بقية الطوائف الإسلامية الاخرى.
1- الشيعة في اللغة: هي المشايعة والمناصرة والموالاة ، أي الأتباع والأنصار.
2-الشيعة اصطلاحاً: هم أتباع الإمام علي (ع) ، أي من شايع علياً وقدمه على جميع الصحابة ، واعتقد أنه الإمام من بعد رسول الله (ص) ، بوصية ونص مباشر منه (ص) وبإرادة إلهية(1).
لم يكن ظهور التشيع حصيلة لإفرازات سياسية أو صراعات فكرية أو جدالات كلامية ، بل هو امتداد حقيقي للفكر العقائدي للدين الإسلامي ، وأنه الاستمرار الصحيح لرسالة الإسلام .. لذا فإن التشيع بدأ في زمن رسول الله (ص) ، فقد ثبت في الروايات النبوية الشريفة أن النبي (ص) أول من أطلق لفظ الشيعة على من أحب علياً وتابعه ، وقد اعترف بذلك المخالفين وأثبتوه :
جاء في صواعق ابن حجر: (أن النبي (ص) قال: "ياعلي إنك ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين" (2) .
وجاء في الدر المنثور للسيوطي : "أن النبي (ص) قال: "إن هذا – وأشار إلى علي (ع) – وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة" (3) .
وجاء في تفسير الطبري: في تفسير سورة البينة :"أن النبي محمد (ص) قال في تفسير الآية: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}(4)هم أنت وشيعتك يا علي (5)..
وقد ثبت تاريخياً أيضاً أن اسم الشيعة كان على عهد النبي (ص) ، وكان يدل على مجموعة من الأتباع والموالين وهو لقب ثلة من الصحابة في بدء الدعوة الإسلامية وهم : أبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وعمار بن ياسر ، والمقداد بن الأسود ، وجابر بن عبدالله الانصاري ، وحذيفة اليمان ، وأبو أيوب الانصاري ، وسهل بن حنيف ، وأبا الهيثم بن التيهان ، وأبا الطفيل ..... وغيرهم ، وجميع بني هاشم(6).
منذ عهد الرسول (ص) كان الشيعة يسيرون على نهج الإمام علي(ع) ، لأنه الامتداد الطبيعي للرسول (ص) والرسالة ، ولذا يعتقد الإمامية بأن التشيع هو الإسلام الحقيقي ، ويؤكدون أن المذهب الشيعي لم يظهر بعد وفاة الرسول (ص) ، بل يعود تاريخ الشيعة إلى عصر الرسالة المحمدية وهو الإسلام ذاته ، وأن النبي (ص) وضع أساسه بنفسه على مدار حياته ، وأكده قبل موته في يوم غدير خم بنص جلي عندما أعلن الولاية لعلي (ع) من بعده .. كما يرون أن الطوائف والفرق الإسلامية الأخرى هي المستحدثة ، ووضعت أسسها من قبل الحكام والسلاطين وغيرهم بعد ذلك ، لتكون لبعض العلماء والفقهاء مكانة سامية عند الناس ، باعتبارهم أئمة في الدين ، ليصرفوا الأنظار عن أئمة أهل البيت (ع).
هناك الكثير من الأدلة على نشأة التشيع في زمن الرسول(ص)(7)ننتخب شذرة منها:
1- من مكملات دعوته ورسالته (ص) أن لا يترك الأمر فوضى من بعده ويهمل شؤون الخلافة.
2-من جملة متطلبات قيادة الأمة أن يختار لها النبي (ص) قائداً وإماماً من بعده.
3-أنه قد أثرت عن الرسول (ص) مجموعة ضخمة من الأخبار والروايات الصحيحة كحديث المنزلة والغدير التي تشير إلى الإمام علي (ع) خلفاً للنبي (ص) بقيادة الأمة.
4-تخلف خيار الصحابة عن بيعة الخليفة الأول ، واحتجاجهم بأن علياً أولى من غيره بمقام رسول الله (ص).
5-إن وصية النبي (ص) لعلي (ع) بأن يكون خليفة من بعده كانت شائعة في الأوساط الإسلامية في العصر الأول.
كل ذلك يدل على أن نشأة التشيع كان في عهد الرسول (ص) وهو الذي وضعها وأقامها بنصب الإمام علي (ع) خليفة من بعده.
لم يوال الشيعة أشخاصاً لمجرد أنهم ينتمون إلى أسرة معينة ، وإذا كانوا قد والوا من سمّاهم القرآن والنبي (أهل البيت) ، فلأن الأدلة الشرعية قد أمرت بذلك .. وأما سبب تمسك الشيعة بمذهب أهل البيت (ع) ، فقد قال السيد عبد الحسين شرف الدين : "الأدلة الشرعية أخذت بأعناقنا إلى الأخذ بمذهب الأئمة من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي والتنزيل ، فانقطعنا إليهم في فروع الدين وعقائده ، وأصول الفقه وقواعده ، ومعارف السنة والكتاب ، وعلوم الأخلاق والسلوك والآداب ، نزولاً على حكم الأدلة والبراهين ، وتعبداً بسنة سيد النبيين والمرسلين ، صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين .. ولو سمحت لنا الأدلة بمخالفة الأئمة من آل محمد ، أو تمكنا من تحصل نية القربة لله سبحانه في مقام العمل على مذهب غيرهم ، لقصصنا أثر الجمهور، وقفونا إثرهم ، تأكيداً لعقد الولاء ، وتوثيقاً لعرى الإخاء ، لكنها الأدلة القطعية تقطع على المؤمن وجهته ، وتحول بينه وبين ما يروم.(8)
التشيع في حقيقته هو النهج الذي خطه رسول الله (ص) ، وهو الإسلام كلّه في خطه الأصيل ، ولذلك قال (ص) : " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً" (9).
تعداد الشيعة في العصر الحاضر:
إن الشيعة طائفة كسائر الفرق والطوائف التي لها كيانها ، وهم اليوم منتشرون في طول الأرض وعرضها ، ويعدّون من الفرق الكبرى ، ولا يمكن حصر تعداد الشيعة اليوم بكافة أرجاء المعمورة لصعوبة ذلك ، (ولكن القرائن تشهد على أن الشيعة بطوائفها الثلاث : الإمامية والزيدية والإسماعيلية يؤلفون خمس أو ربع المسلمين ) (10) ، حيث تعتبر الإمامية هي الطائفة الأكبر ، وتليها الإسماعيلية ثم الزيدية بنسب صغيرة ، ويتراوح عدد الشيعة في العالم ما بين 250 مليون إلى 300 مليون نسمة(إحصاء اليوم 400 ميليون) ، وأكثرهم عدداً هم الإمامية المعروفون بالإثني عشرية .. يشكل الشيعة أغلبية سكان بعض البلدان كإيران والعراق وأذربيجان والبحرين ، وفي بعض البلدان هم من كبرى الطوائف كلبنان و الكويت ، كما يشكلون أقليات كبيرة في بعض البلدان كبقية دول الخليج وباكستان وأفغانستان والهند وغيرها .. وفي السنوات الأخيرة أخذ التشيّع في الانتشار في بلاد ينعدم فيها الوجود الشيعي أو يوجد بنسبة صغيرة جداً.
موجز عقائد الشيعة الإمامية:
روى الصدوق بسنده عن الفضل بن شاذان قال : سأل المأمون (الخليفة العباسي) الإمام علي بن موسى الرضا (ع) (الإمام الثامن لدى الشيعة) أن يكتب له محض الإسلام على سبيل الإيجاز والاختصار ، فكتب (عليه السلام) له : " إن محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إلها واحداً ، أحداً ، فرداً ، صمداً ، قيوماً ، سميعاً ، بصيراً ، قديراً ، قديماً ، قائماً ، باقياً ، عالماً لا يجهل ، قادراً لا يعجز ، غنياً لا يحتاج ، عدلاً لا يجور ، وأنه خالق كل شئ ، ليس كمثله شئ ، لا شبه له ، ولا ضد له ، ولا ند له ، ولا كفو له ، وأنه المقصود بالعبادة والدعاء والرغبة والرهبة .
وأن محمداً عبده ورسوله وأمينه وصفيه وصفوته من خلقه ، وسيد المرسلين وخاتم النبيين وأفضل العالمين ، لا نبي بعده ولا تبديل لملته ولا تغيير لشريعته ، وأن جميع ما جاء به محمد بن عبد الله هو الحق المبين ، والتصديق به وبجميع من مضى قبله من رسل الله ، وأنبيائه ، وحججه ، والتصديق بكتابه الصادق العزيز الذي : { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(11) وأنه المهيمن على الكتب كلها ، وأنه حق من فاتحته إلى خاتمته ، نؤمن بمحكمه ومتشابهه ، وخاصه وعامه ، ووعده ووعيده ، وناسخه ومنسوخه ، وقصصه وأخباره ، لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله .
وأن الدليل بعده والحجة على المؤمنين والقائم بأمر المسلمين ، والناطق عن القرآن ، والعالم بأحكامه : أخوه وخليفته ووصيه ووليه ، والذي كان منه بمنزلة هارون من موسى : علي بن أبي طالب (عليه السلام) أمير المؤمنين ، وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين ، وأفضل الوصيين ، ووارث علم النبيين ، والمرسلين ، وبعده الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، ثم علي بن الحسين زين العابدين ، ثم محمد بن علي باقر علم النبيين ، ثم جعفر بن محمد الصادق وارث علم الوصيين ، ثم موسى بن جعفر الكاظم ، ثم علي بن موسى الرضا ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم الحجة القائم المنتظر (صلوات الله عليهم أجمعين).
أشهد لهم بالوصية والإمامة ، وأن الأرض لا تخلو من حجة لله تعالى على خلقه في كل عصر وأوان ، وأنهم العروة الوثقى ، وأئمة الهدى ، والحجة على أهل الدنيا ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وأن كل من خالفهم ضال مضل باطل ، تارك للحق والهدى ، وأنهم المعبرون عن القرآن ، والناطقون عن الرسول (صلى الله عليه وآله) بالبيان ، ومن مات ولم يعرفهم مات ميتة جاهلية ، وأن من دينهم الورع والفقه والصدق والصلاة والاستقامة والاجتهاد ، وأداء الأمانة إلى البر والفاجر ، وطول السجود ، وصيام النهار وقيام الليل ، واجتناب المحارم ، وانتظار الفرج بالصبر ، وحسن العزاء وكرم الصحبة " (12) انتهى كلام الامام الرضا(ع).. ثم ذكر الإمام فروعا شتى من مختلف أبواب الفقه لا يهمنا في المقام ذكرها.
الهوامش :
(1)الشيعة في التاريخ ، للسيد عبد الرسول الموسوي ص 12.
(2) الصواعق المحرقة : 92.
(3) الدر المنثور 8 : 589.
(4) سورة البينة : 7.
(5) الطبري في تفسيره ، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ج 2 ص 356.
(6)الشيعة رواد العدل والسلام – الشيخ مجيد الصائغ ص 32 و ص 81.
(7)كتاب : حياة الإمام الباقر (ع) دراسة وتحليل للشيخ باقر شريف القرشي ج 2 ، ص 96 - 102
(8)- كتاب المراجعات ، المراجعة الرابعة.
(9) صحيح مسلم ح 4425 ، بحار الانوار 2 : 99. وقد صححه الالباني في سلسلة الاحاديث الصحيحة 4/355 حديث 1761 وذكر مجموعة من طرقه.
(10)الشيخ جعفر السبحاني ، بحوث في الملل والنحل ج 6 ص 753.
(11) سورة فصلت : آية 42
(12) عيون أخبار الرضا 2 : 121 – 122.
المصدر: كتاب رؤى مهدوية