مجتبى السادة
يطرح في هذا المقام تساؤلات : لماذا غاب الإمام؟ ماهي الاسباب التي أدت الى غيابه؟ وماهي العلة الرئيسه للغيبة؟ ..
من المؤكد تاريخياً أن الأئمة (ع) اضطهدوا جميعاً وشردوا ، وكان يمارس بحقهم القسوة والظلم ، فقد سجن بعضاً منهم وحوصر الآخر ، وقد استشهدوا جميعا إما بالسيف أو بالسم .. ومع كل ذلك كان اتصالهم بشيعتهم مستمراً ، وأياديهم على الأمة ظاهرة ، وكلما رحل واحد منهم خلف مكانه آخر ، وفي مرض الإمام الحسن العسكري (ع) اهتمت السلطة العباسية بالبحث عن ولده ، الذي وعد الله في كتابه وعلى لسان رسوله بأنه سينشر العدل ويقضي على الظلم والجور ، وعلى يديه تزول دول الضلال ، وهكذا كانت القوات العباسية تفتش عن طفل للإمام العسكري (ع) لتقتله ، أو تبحث عن جنين له لتقضي عليه ، ففي هذه الظروف والأجواء ، كيف يتسنى للإمام المهدي الظهور ، وقد وصل الأمر إلى أشد حالاته وأصعب مراحله؟ كفرعون موسى ونمرود إبراهيم. فمن أهم أسباب غيبة الامام الحجة (عج):
1-انحراف الأمة عن نهج رسول الله (ص):إن العلة الأساسية للغيبة هي عدم التزام الأمة بشرع الله وتضييعها لحقوق أهل البيت (ع) ، فحصلت الغيبة حفظاً لآخر الخلفاء الربانيين (الإمام الثاني عشر) ، فالإمام المهدي اذا قتل فليس له من يخلفه .. علماً بأن علة الخوف من القتل ستنتفي عندما تتوفر الشروط الموضوعية التي ستوجد في عصر الظهور وهي غير متوفرة الآن ، حيث أن الأمة لا تزال مصرة على موانع الظهور.
2-لا بيعة لظالم في عنقه: فالإمام المهدي بواسطة غيبته ، يكون مستغنياً عن التقية مع حكام عصره ، فلا تكون في عنقه بيعة لأحد منهم ، لأن زمان ظهوره هو زمان ظهور الحق المطلق بأجلى صوره ، فلا يحتج أحد عليه عند خروجه بأنه نقض البيعة ، وكذلك عدم وجود حقٍ لأحدٍ من الظالمين عليه أيضاً ، حتى يلزم مراعاته أخلاقياً .. فالغيبة تعني الاستقلال وعدم التقيد بالتقية أو البيعة.
3-امتحان العباد واختبارهم وتمحيصهم: فمسألة غيبة الإمام والاعتقاد بها من موارد الامتحان ، حيث تحتاج إلى نفس مؤمنة مطمئنة والى عقل كامل يؤمن الدليل ، عن الإمام الكاظم (ع) قال:" لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة ، حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ، إنما هي محنة من الله امتحن الله بها خلقه"(1) .
ومما امتحن الله تعالى به الأمم السابقة غيبة أنبيائهم وأوصياء انبيائهم لاختبار حالهم ، وجرت هذه السنّة الإلهية والحقيقة الامتحانية في الأمة المحمدية بغيبة آخر الأوصياء.
إن الغيبة في الواقع تعد حرماناً كبيراً للناس من الفوائد المترتبة لوجود الإمام ، فإذا صد الناس الإمام عن أداء واجبه واضطروه الى الغيبة ، وحالوا بينه وبين أداء رسالته ، فعليهم يقع اللوم وعلى عاتقهم تقع المسؤولية .. إن الغيبة في الحقيقة هي إبعاد أهل البيت (ع) من قبل الظالمين عن القيام بدورهم ومسؤليتهم الربانية ، لا ابتعاد أهل البيت (ع) عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها.
- هنا نؤكد إن الإشكالات أو الشبهات التي تثار حول جدوى إمام غائب ، إنما تصدر عن الذين لم يدركوا المعنى الحقيقي للإمامة ، ولا يرون فيه سوى مفتياً أو منفذاً لحدود الله .. طوبى للمؤمنين المتمسكين بحبل أهل البيت (ع) في غيبة قائمهم ، وطوبى للثابتين على ولايتهم.
الهوامش :
(1)بحار الانوار ، ج 52 ص 113.
المصدر: كتاب رؤى مهدوية