الليلة الأولى:
قد وردت فيها صلوات كثيرة مذكورة في (الاقبال) ومن تلك الصلوات: اثنتا عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد مرة والتوحيد احدى عشرة مرة.
اليوم الأول:
ويفضل صيامه فضلاً كَثِيراً. وقد روي عن الصادق(عليه السلام): أنّ من صام أول يوم من شعبان وجبت له الجنة البتّة.
وقد روى السيد ابن طاووس عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أَجْراً جزيلاً لمن صام ثلاثة أيام من هذا الشهر يصلّي في لياليها ركعتين يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وسورة التوحيد إحدى عشرة مرة.
فضل شعبان وفضل اليوم الأوّل
واعلم أنه قد ورد في تفسير الإمام (عليه السلام) رواية في فضل شعبان وفضل اليوم الأوّل منه تشتمل على فوائد جمّة، وشيخنا ثقة الاسلام النوري (نور الله مرقده) قد أورد ترجمتها في نهاية كتابه الفارسي (كلمة طيّبة)، والرواية مبسوطة لايسعها المقام، وملخصها: أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد مرّ على قوم من أخلاط المسلمين وهم قعود في بعض المساجد في أول يوم من شعبان وهم يخوضون في أمر القدر وغيره وقد ارتفعت أصواتهم واشتد فيه محكمهم وجدالهم، فوقف عليهم وسلم فردّوا عليه وأوسعوا له وقاموا إليه يسألونه القعود عليهم فلم يحفل بهم، ثم قال لهم وناداهم: (( يامعاشر المتكلمين فيما لايعنيهم ولا يرد عليهم، ألم تعلموا أنّ لله عباداً قد أسكتهم من غير عَيٍّ ولا بَكَمٍ، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انكسرت ألسنتهم وانقطعت أفئدتهم وطاشت عقولهم وحامت حلومهم إعزازاً لله وإعظاماً وإجلالاً، فإذا أفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله بالاعمال الزاكية يعدّون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين، وانّهم براء من المقصّرين ومن المفرطين، إلاّ أنهم لايرضون لله بالقليل ولا يستكثرون لله الكثير، فهم يدأبون له في الاعمال، فهم إذا رأيتهم، قائمون للعبادة مروعون خائفون مشفقون وجلون، فأين أنتم منهم يامعشر المبتدعين ؟ أما علمتم أنّ أعلم الناس بالقدر أسكتهم عنه، وأنّ أجهلهم به أكثرهم كلاما فيه ؟
يامعشر المبتدعين، هذا يوم غرّة شعبان الكريم، سمّاه ربنا شعبان لتشعب الخيرات فيه ؛ قد فتح ربكم فيه أبواب جنانه وعرض عليكم قصورها وخيراتها بأرخص الأثمان وأسهل الأُمور فاشتروها، وعرض لكم إبليس اللعين شعب شروره وبلاياه فأنتم دائباً تتيهون في الغي والطغيان تمسكون بشعب إبليس وتحيدون عن شعب الخير المفتوح لكم أبوابه. هذه غرّة شعبان وشعب خيراته الصلاة والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبرّ الوالدين والقرابات والجيران وإصلاح ذات البين والصدقة على الفقراء والمساكين، تتكفلون ماقد وضع عنكم (أي أمر القدر) وماقد نهيتم عن الخوض فيه من كشف سرائر الله التي من فتش عنها كان من الهالكين. أما إنكم لو وقفتم على ماقد أعدّ ربنا عزَّ وجلَّ للمطيعين من عباده في هذا اليوم لقصرتم عما أنتم فيه وشرعتم فيما أُمرتم به)).
قالوا: ياأمير المؤمنين، وما الذي أعدَّه الله في هذا اليوم للمطيعين له ؟ فروى (عليه السلام) ماكان من أمر الجيش الذي بعثه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى الكفار، فوثب الكفار عليه ليلاً، وكانت ليلة ظلماء دامسة والمسلمون نيام، ولم يك فيهم يقظان سوى زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وقتادة بن نعمان وقيس بن عاصم المنقري وكل منهم يقظان في جانب من جوانب العسكر يصلّي الصلاة أو يتلو القرآن، وكاد المسلمون ان يهلكوا لأنهم في الظلام لايبصرون اعداءهم ليتّقوهم، وإذا بأضواء تسطع من أفواه هؤلاء النفر الأَرْبعة تضيء معسكر المسلمين فتورثهم القوة والشجاعة، فوضعوا السيوف على الكفار فصاروا بين قتيل أو جريح أو أسير ؛ فلما رجعوا قصّوا على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ماكان فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): إنّ هذه الأنوار قد كانت لما عمله إخوانكم هؤلاء من أعمال في غرّة شعبان ثم حدّثهم بتلك الأعمال واحداً فو احداً إلى أن قال: إنّ إبليس إذا كان أوّل يوم من شعبان يبثّ جنوده في أقطار الأَرْض وآفاقها يقول لهم: اجتهدوا فياجتذاب بعض عباد الله إليكم في هذا اليوم، وإنّ الله عزَّ وجلَّ يبث ملائكته في أقطار الأَرْض وآفاقها يقول لهم: سدّدوا عبادي وأرشدوهم وكلّهم يسعد إلاّ من أبى وطغى فإنه يصير في حزب إبليس وجنوده، وإنّ الله عزوجل إذا كان أول يوم من شعبان يأمر باب الجنة فتفتح ويأمر شجرة طوبى فتدني أغصانها من هذه الدنيا، ثم ينادي منادي ربنا عزوجل: ياعباد الله، هذه أغصان شجرة طوبى فتعلّقوا بها لترفعكم إلى الجنة، وهذه أغصان شجرة الزقوم فإيّاكم وإيّاها لاتؤديكم إلى الجحيم. قال: فوالذي بعثني بالحق نبيا إنّ من تعاطى باباً من الخير في هذا اليوم فقد تعلّق بغصن من أغصان شجرة طوبى فهو مؤدّيه إلى الجنة، وإنّ من تعاطى باباً من الشر في هذا اليوم فقد تعلّق بغصن من أغصان شجرة الزقّوم فهو مؤدّيه إلى النار.ثم قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلم): فمن تطوّع لله بصلاة في هذا اليوم فقد تعلق منه بغصن، ومن صام في هذا اليوم تعلّق منه بغصن، ومن أصلح بين المرء وزوجه، والوالد وولده، والقريب وقريبه والجار وجاره، والاجنبي والاجنبي، فقد تعلّق منه بغصن، ومن خفّف عن مُعسرٍ دَينه أو حطّ عنه فقد تعلّق منه بغصن، ومن نظر في حسابه فرأى دَينا عتيقاً قد آيس منه صاحبه فأدَّاه فقد تعلق منه بغصن، ومن كفل يتيما فقد تعلّق منه بغصن، ومن كفّ سفيها عن عرض مؤمن فقد تعلّق منه بغصن، ومن تلا القرآن أو شيئاً منه فقد تعلّق منه بغصن، ومن قعد يذكر الله ونعماءه ليشكره فقد تعلّق منه بغصن، ومن عاد مريضا فقد تعلّق منه بغصن، ومن بَرَّ فيه والديه أو أحدهما في هذا اليوم فقد تعلّق منه بغصن، ومن كان أسخطهما قبل هذا اليوم فأرضاهما في هذا اليوم فقد تعلق منه بغصن، وكذلك من فعل شيئاً من ساير أبواب الخير في هذا اليوم فقد تعلّق منه بغصن.
ثم قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلم): والذي بعثني بالحق نبياً وإنّ من تعاطى باباً من الشرِّ والعصيان في هذا اليوم فقد تعلّق بغصن من أغصان الزقّوم فهو مؤديه الى النار.ثم قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلم): والذي بعثني بالحق نبياً، فمن قصّر في الصلاة المفروضة وضيّعها فقد تعلّق بغصن منه، ومن جاءه في هذا اليوم فقير ضعيف يعرف سوء حاله فهو يقدر على تغيير حاله من غير ضرر يلحقه وليس هناك من ينوب عنه ويقوم مقامه فتركه يضيع ويعطب ولم يأخذه بيده فقد تعلّق بغصن منه، ومن اعتذر إليه مسيئ فلم يعذره ثم لم يقتصر به على قدر عقوبة إساءته بل زاد عليه فقد تعلّق بغصن منه، ومن ضرب بين المرء وزوجه أو الوالد وولده أو الأخ وأخيه أو القريب وقريبه أو بين جارين أو خليطين أو أختين فقد تعلّق بغصن منه، ومن شدّد على مُعسر وهو يعلم إعساره فزاد غيظاً وبلاءاً فقد تعلّق بغصن منه، ومن كان عليه دَين فأنكره على صاحبه وتعدّى عليه حتى أبطل دَينه فقد تعلّق بغصن منه، ومن جفا يتيماً وآذاه وهزم ماله فقد تعلّق بغصن منه، ومن وقع في عِرض أخيه المؤمن وحمل الناس على ذلك فقد تعلّق بغصن منه، ومن تغنّى بغنى يبعث فيه على المعاصي فقد تعلّق بغصن منه ، ومن قعد يعدّد قبائح أفعاله في الحروب وأنواع ظلمه لعباد الله فيفتخر بها فقد تعلّق بغصن منه، ومن كان جاره مريضا فترك عيادته استخفافاً بحقه فقد تعلّق بغصن منه، ومن مات جاره فترك تشييع جنازته تهاونا فقد تغلق بغصن منه، ومن أعرض عن مصاب جفاءاً وازدرأً عليه واستصغاراً له فقد تعلّق بغصن منه، ومن عقَّ والديه أو أحدهما فقد تعلّق بغصن منه، ومن كان قبل ذلك عاقّا لهما فلم يرضهما في هذا اليوم ويقدر على ذلك فقد تعلّق بغصن منه، وكذا من فعل شيئاً من ساير أبواب الشر فقد تعلّق بغصن منه. والذي بعثني بالحق نبيّاً، إنّ المتعلقين بأغصان شجرة طوبى ترفعهم تلك الاغصان إلى الجنة.
ثم رفع رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلم) طرفه إلى السماء مليّاً وجعل يضحك ويستبشر، ثم خفض طرفه إلى الأَرْض فجعل يقطب ويعبس، ثم أقبل على أصحابه فقال: والذي بعث محمداً بالحق نبيّاً، لقد رأيت شجرة طوبى ترفع أغصانها وترفع المتعلّقين بها إلى الجنة ورأيت منهم من تعلّق منها بغصن، ومنهم من تعلّق بغصنين أو بأغصان على حسب اشتمالهم على الطاعات، وإني لارى زيد بن حارثة فقد تعلّق بعامّة أغصانها، فهي ترفعه إلى أعلى أعلاها، فبذلك ضحكت واستبشرت.
ثم نظرت إلى الأَرْض، فوالذي بعثني بالحق نبيّا، لقد رأيت شجرة الزقّوم تنخفض أغصانها وتخفض المتعلّقين بها إلى الجحيم ورأيت منهم من تعلّق بغصن ومنهم من تعلّق بغصنين أو بأغصان على حسب اشتمالهم على القبائح، وإنّي لأرى بعض المنافقين قد تعلّق بعامّة أغصانها وهي تخفضه إلى أسفل دركاتها، فلذلك عبست وقطبت.
المصدر: مفاتيح الجنان