ترامب يطلق آخر قذيفة هاون على دمشق .. التوماهوك يذوق ما ذاقته الميركافا

الأحد 15 إبريل 2018 - 14:27 بتوقيت مكة
ترامب يطلق آخر قذيفة هاون على دمشق .. التوماهوك يذوق ما ذاقته الميركافا

مقالات - الكوثر: أعترف ان ترامب فاجأني .. بالرغم من أن كل التوقعات في معظمها مالت الى ترجيح ضربة صاروخية ولو محدودة الا أنني قلّبت الأمر من عدة وجوه وكنت أكثر ميلا الى أن ترامب يوجه صواريخه مثل عنترة لكنه ينظر بزاوية عينه الى صفقة وثمن يقبضه او تنازل من محور المقاومة كيلا يضرب.

لأن الضربة ان وقعت إهانة لروسيا التي تموضعت في سورية وانتقلت الى حالة الانخراط المباشر في الحرب ضد عملاء أميريكا الذين كانوا يشكلون مراكز وقواعد اميريكية متحركة .. فكما قلت فان كل منطقة يمترس فيها الإرهاب تحولت الى قاعدة عسكرية للغرب و"إسرائيل" يضرب من خلالها ويهدد من خلالها ..

حذرني البعض ألّا أبالغ في تفاؤلي بأن ترامب لن يضرب ونصحني بعض من تحاورت معهم أن أمسك العصا من الوسط واترك مجالا صغيرا للمناورة والاحتياط .. وكأنني في ناد للقمار أو في مركز للرهان لسباق الخيل فلا أراهن بكل ماأملك على حصان واحد مهما كان أصيلا وسريعا .. ولكنني قلت انني لا أراهن ولا أقامر بل أتعامل مع علم السياسة وليس فن السياسة .. وفي علم السياسة فان نجاح الضربات الصاروخية ليس مضمونا بوجود دفاع جوي متطور .. كما أن مابين ترامب وبين توجيه ضربة الى سورية حربا عالمية .. وبعد الزر الصاروخي الذي يضغط عليه ترامب ويهز مصالح روسيا فان على اصبعه ان تنتقل لتتهيأ على الزر النووي اذا ماجن جنون الروس وأحسوا بالاهانة .. فالأمر ليس مزحة على الاطلاق .. فالروس يخوضون أهم معركة لهم وهي معركة الرئة الباقية لروسيا .. فاغلاق سورية في وجوههم باسقاط جيشها هي عملية خنق لموسكو .. ولذلك سيحصل اشتباك روسي أميريكي لاأعرف اين يصل وأين ينتهي ..

وفي الصباح الباكر أيقظتني صواريخ ترامب والصواريخ التي واجهت صواريخ ترامب .. الا أن الهاتف انضم الى صواريخ ترامب بعد 10 دقائق من سماع أصوات الانفجارات وكان أحد أولئك الذين دخلوا الرهان وكان يريد أن يتأكد من أنني سأعتذر اليه .. وأنني أخطأت في أنني لم أترك هامشا للمناورة والتراجع ..

ولكن لايهمني ان خسرت النقاش والرهان بل يهمني أن أقرأ سلوك ترامب وعقله وحركته بشكل صحيح .. لأن الخطأ في قراءة عقل العدو يعني أننا صرنا في موقع خطر اذ دخلنا زمنا صرنا لانقرأ فيه الواقع السياسي ويمكن أن نجر الناس الى قرارات خاطئة والى آمال عريضة تسقط في خيبات كبيرة .. وتقود الناس الى أوهام تقتلهم .. ومن واجب الكاتب ان يحدد أين اخفقت قراءته وأين اصابت وان يعتذر ان ضلل الناس حتى من دون قصد .. وعليه أن يحدد ان كان عليه الاستمرار في نفس اتجاه القراءة أو في مراجعة أدوات قراءته ومعلوماته ووسائل تحليله للمعطيات .. لأن القراءة السياسية تشبه العملية العسكرية .. فاصطدامك بالعدو على غير توقع يعني ان خرائطك خاطئة وأن معلوماتك تعاني من ثغرات وأن استطلاعك يتميزبالضعف .. وعليك ان توقف الهجوم وان تنسحب انسحابا تكتيكيا .. وأن تغير ضباطك وجنودك الذين اشرفوا على العمل العسكري ..

ولذلك انتظرت بضعة ساعات لأعرف بالضبط كل تفاصيل العدوان .. وعرفت كما عرف الجميع أن العدوان كان فضيحة عسكرية للاميريكيين .. لأن الصواريخ التي بلغ عددها 110 تعرضت لامتحان قاس وصعب وهذه الصواريخ التي تصل حمولتها الى مايجاوز 60000 كغ لم تتسبب الا بإصابة 3 مدنيين في حمص .. رغم أن هذه الكمية من المتفجرات كافية لاقتلاع مدينة كاملة وتسويتها بالأرض .. كما أن الصواريخ لم تسقط على مراكز السيطرة والقيادة .. ولم تصب المقرات الرئاسية لتوجيه ضربة شديدة الرمزية والمعنوية للشعب والجيش .. لأنها اما كانت تواجه قبة حديدية حول المقرات الحساسة أو أنها كانت تدرك أن الزر النووي في العالم هو في يد الرئيس الأسد .. لأن اصابة القصر الرئاسي ستعني أن الجحيم سينطلق في العالم كله وهذا مايخشاه ترامب وكل فريقه .. وكلنا نذكر غزو صربيا وليبيا والعراق عندما كانت الصواريخ تسقط بلا نهاية على القصور الرئاسية والجسور الرئيسية .. وكانت ليالي الكروز والتوماهوك تتوالى بلا توقف ..
كما أن الضربات الصاروخية التي اتجهت نحو الأهداف العسكرية الهامة السورية كالمطارات تم اسقاطها جميعا .. ولم تصل الا بعض الصواريخ التي اتجهت نحو مؤسسات علمية وتعليمية ذات طابع بحثي لأنها لاتتمتع بحماية مظلة الدفاع الجوي .. وكل هذا تم بتفعيل الدفاعات الجوية السورية الروسية المنشأ ..

الضربة مهينة سياسيا بالرغم من أن الألم الذي تسببت به محدود جدا .. لكنها من الناحية العسكرية تحولت الى فرصة سورية ذهبية ودليل أننا عندما رفعنا سباباتنا في وجه ترامب وحذرناه من ألا يختبر قدرتنا على صفعه واهانته كنا على حق .. فالساعات التي تلت الضربة كشفت أن الجيش الأميريكي قد تلقى إهانة قاسية بفقدان قدرته الصاروخية على الحاق الأذى ببنية الجيش السوري وسلاحه وتحركاته .. ودخل الجيش الاميريكي امتحانا قاسيا عندما أخفقت الصواريخ المجنحة الذكية مفخرة الصناعات العسكرية الاميريكية في الوصول الى أي هدف .. وقد أسقطت بصواريخ دفاع جوي سوري في أكبر كمين صاروخي في تاريخ الصواريخ .. ولم تضطر الدفاعات الروسية الى التدخل الا بشكل محدود لأنها لم تجد ان هناك حاجة لمساعدة الدفاعات السورية ..

وماحدث هو ان ترامب تحدى الجميع في أنه سيوجه ضربة مهينة الى سورية وحلفائها ولكن الذي حدث هو أن ترامب تلقى إهانة بالغة وعرض هيبة اميريكا أكثر للانكسار .. لأن احتفاظه بقدرة التهديد والردع سقط اليوم وخسره .. وهذه خسارة لاتقدر بثمن لأن القدرة على الردع والتهديد أهم من تنفيذ التهديد .. فاذا كان التوماهوك قد خرج من المعركة فانه سيخرج معه القدرة على التهديد .. ويجعل الحركة السياسية ثقيلة .. والثقة بالقدرة على انجاز ضغط سياسي من دون قوة عسكرية ضعيفة ..

ولذلك فانني أجد الاعتداء كان اهانة معنوية لأنه تجاهل كل التحذيرات والخطوط الحمر وتحدى حتى أبسط حدود المنطق .. لكن الإهانة انعكست واصابت الجيش الأميريكي في كبريائه لأن صواريخه التي كانت مدعاة تباهيه واعتزازه بنفسه انضمت الى الميركافا الإسرائيلية التي أحيلت الى التقاعد في وادي الحجير على يد مقاتلي حزب الله .. وعرضت هيبة الردع الاميريكي لثغرة كبيرة .. ونالت من آمال المعارضة السورية التي كانت تنتظر أن تحملها صواريخ التوماهوك يوما وتسقطها على كرسي الحكم بالمظلات .. وماحدث سيجعل استنادها الى قوة اميريكا الرادعة مثل الاستناد الى شجرة هرمة منخورة..

لانزال في المرحلة المبكرة لمعرفة تداعيات العملية العدوانية .. لكن لاجدال في أن الخبراء العسكريين في الولايات المتحدة وروسيا منكبون الآن على مراجعة ماحدث وتحليل الدرس السوري البليغ .. وفيما يحتفل البيت الأبيض بانجازه السياسي وتغريدات ترامب فان الكواليس العسكرية الاميريكية لاتشاركه هذه الفرحة على عكس التخبة العسكرية الروسية السعيدة بنهاية اسطورة التوماهوك .. خاصة أن هناك من ينظر في اميريكا بعين الاسى لما انتهى اليه صاروخ التوماهوك الذي أنهى سيرته الذاتية في فجر 14 نيسان 2018 .. وهدد سقوطه اليوم بهذا الشكل المذل الوجود الأميريكي في الجزيرة السورية .. لأن أحد أهم الأهداف من العدوان الثلاثي هو توجيه رسالة ردع للقيادة السورية وحلفائها من أن التوجه نحو الجزيرة لارغام الاميريكيين على الانسحاب سيعني ضربة تأديبية مماثلة .. ولكن انهيار التوماهوك بهذا الشكل المهين الذي ذكرنا بنهاية عصر الفانتوم على يد صواريخ سام السوفييتية عام 1973 سيعني للأميريكيين أن عملية الردع والتهديد خرجت من الحسابات .. وأن الوجود الاميريكي في الشرق فقد غطاء الردع الصاروخي ومظلة التوماهوك .. وأن توجيه ضربات سورية للأميريكيين في الجزيرة السورية سيجعل قدرتها على الرد والتهديد بالصواريخ محدودا .. فالتوماهوك حجز لنفسه بطاقة الدخول الى متحف الأسلحة العسكرية .. مثل دبابات الميركافا .. ودبابة بانزر الألمانية .. والبندقية العثمانية .. وكان زهران علوش أكثر فعالية من صواريخ ثلاثة دول كبرى لأنه آذى دمشق وآلمها أكثر من 110 صاروخ توماهوك التي كلها كان تأثيرها لايساوي قذيفة هاون .. أطلقها زعران علوش وأبو همام بويضاني .. وكانت 110 صواريخ توماهوك هي آخر قذيفة هاون انفجرت على رصيف للمشاة وجرحت ثلاثة من المارة .. وعادت حركة الشارع الى طبيعتها خلال نصف ساعة ..

المعركة مستمرة .. ولن تتوقف الا بنهاية عصر أميريكا في الشرق وهي تنسحب في الباصات الخضراء مع الارهابيين .. ويخرج التوماهوك أيضا من حروب الردع والقهر .. المعركة مستمرة .. ونحن نسدد بدقة .. ونلعب
أوراقنا بذكاء يستحق الاحترام .. واذا لم تصدقوا فاسألوا التوماهوك .. بعد ليلة الرعب التي عاشها فوق دمشق ..

نارام سرجون

شام تايمز

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الأحد 15 إبريل 2018 - 14:20 بتوقيت مكة