ومن هذا المنطلق سنحاول في هذا المقال الإجابة عن بعض المخاوف بشأن إمكانية تجمع المتطرفين المنتسبين لداعش في جمهوريات آسيا الوسطى الخمس في محاولة لإنعاش الخلافة الممزقة غرب آسيا. وتستند هذه الفرضية على أن اللعب على وتر تفجّر نيران داعش في آسيا الوسطى قد يكون عبارة عن سيناريو جديد تنفذه بعض الدول غير الديمقراطية في المنطقة وبعض اللاعبين الاقليمين بهدف الحفاظ على الحكومات الاستبدادية في المنطقة، وفي نفس الوقت، تعزيز المصالح الاستراتيجية لهذه القوى.
داعش وآسيا الوسطى
في أواخر سنوات الاتحاد السوفياتي (منتصف الثمانينيات)، كان وادي فرغانة الذي يقع بين الجمهوريات الثلاث أوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان، ولا يزال مركزاً لتجميع وتجنيد المتطرفين المرتبطين بالحركات السلفية، حيث شهد هذا الوادي تشكيل جماعات إرهابية مثل حزب التحرير (فرع آسيا الوسطى)، الحركة الإسلامية لأوزبكستان (IMU) وحركة الجهاد الإسلامي (IJU).
كما أن التطورات في أفغانستان وطاجيكستان تأثرت بشكل كبير بالمتطرفين في آسيا الوسطى (ولا سيما المنبثقين من وادي فرغانة). وبعوامل مثل سقوط النظام الشيوعي في كابول من قبل المقاتلين الأفغان (1991)، الحرب الأهلية المدمرة بين الجماعات الأفغانية (1992-1995)، وأخيراً نهج نظام طالبان مع ميل واضح نحو السلفية الراديكالية (1996-2001) إلى جانب بداية الحرب الأهلية في طاجيكستان، بين عامي 1994 و1997، بين حكومة علي رحمن و "حزب الحركة الإسلامية في طاجيكستان" وفرت المنصة اللازمة للدعاة المتطرفين لنشر الفكر الإرهابي في آسيا الوسطى.
ومع تأسيس نظام طالبان وتلقيه الدعم السياسي والمالي والعسكري المباشر وغير المباشر من باكستان والسعودية والإمارات وأمريكا وبعض الدول الأوروبية، تم تشكيل تحالف بين طالبان وتنظيم القاعدة وتشكيل مجموعات مثل (IMU) والمقاتلين الشيشان والعرب الأفغان وذلك من أجل مواجهة الوجود السوفيتي في أفغانستان. وبعد هجمات 11 سبتمبر وسقوط نظام طالبان، أصبح مقرهم الرئيسي في باكستان إلى جانب عدد كبير من الجماعات الإرهابية الصغيرة في أفغانستان مثل شبكة حقاني وحزب الإسلام، وقلب الدين حكمتيار والباكستاني، وجيش الطيبة، وعسكر جنجوي، وطالبان-بنجابي (من وحدات طالبان الباكستانية)، لديهم البنية الأساسية للتطرف في أفغانستان وآسيا الوسطى. ومن قلب هذه المنظمات خرج فرع تنظيم داعش الإرهابي في أفغانستان وآسيا الوسطى إلى العلن بهدف المساعدة في إنشاء ولاية خراسان من الحدود الشرقية لإيران إلى الصين.
ويعد أول ظهور لفعاليات عناصر داعش في هذه المنطقة إلى عام 2013، وذلك بعد مبايعة الجماعات الإرهابية في أفغانستان وباكستان لأبو بكر البغدادي، أما اليوم وبعد أفول نجم داعش في غرب آسيا، تحدثت العديد من التقارير الأمنية عن نقل أفراد هذا التنظيم إلى أفغانستان وذلك بمساعدة واشنطن، خاصة إلى الأقاليم الشمالية التي لها حدود طويلة مع الجمهوريات الثلاث تركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان. وبطبيعة الحال، إن بعض هذه العناصر هم من مواطني آسيا الوسطى، لكن أعدادهم أقل بكثير من أعداد العناصر الذين يحملون الجنسية الأوروبية والشمال إفريقية والغرب آسيوية.
وفي السنوات الثلاث الماضية قيل إن ما بين 4000 إلى 5000 إرهابي من آسيا الوسطى قاتلوا إلى جانب تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق، لكن كم هو عددهم الآن؟ وكم منهم عاد إلى بلده الأصلي؟ لنفترض إلى أن ما بين 500 إلى ألف من الطاجيك أو التركمان قد عادوا إلى وطنهم، هل سيكون بمقدور هؤلاء التأثير على ميل تلك البلدان ذات الأنظمة غير الديمقراطية نحو التطرف؟ ووفقاً لتقارير أمنية، إن العديد منهم، بما في ذلك غولموراد خيلوفوف، وهو ضابط كبير في وحدة الشرطة الخاصة في طاجيكستان التي دربتها "CIA" وانضم إلى داعش في عام 2015، يريد البقاء في سوريا لأنه يعلم أن الأنظمة في آسيا الوسطى لن تسمح لهم بالترويج أو القيام بعمليات عسكرية هناك.
وإلى جانب الوسائل الإعلامية الداعشية، تقوم مراكز الأبحاث في أمريكا بتضخيم خطر داعش في آسيا الوسطى في محاولة منها لدعم وإعطاء الشرعية للقوات الأمريكية في توسيع نفوذها في آسيا الوسطى وتسهيل عملية تقرب الإدارة الأمريكية من حكومات آسيا الوسطى، كما تسعى هذه الحكومات الديكتاتورية إلى تضخيم خطر داعش في محاولة منها للتغطية على مشكلات زيادة الفقر والتمييز السياسي والعرقي والديني والنهب السياسي وما إلى ذلك، وعلى رأس هذه الحكومات طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان. ومن هذا المنطلق يظهر لنا أن ظهور تنظيم داعش في آسيا الوسطى هو ليس سوى لعبة جديدة سيكتب لها الفشل أيضاً.