إن عظمة السيدة زينب الكبرى وقيمتها لا تكمن في صبرها وتحملها، فكل النسوة اللاتي كن في ذلك المخيم صبرن، ولو لم يصبرن فماذا كن سيفعلن؟ إن قيمة السيدة زينب الكبرى وأهميتها تكمن في معرفتها ووعيها، حيث كانت تدرك ما كانت تفعله، كانت تدرك أي عمل عظيم تقوم به من خلال حضورها في تلك الواقعة وصبرها على ما جرى فيها. هذا هو الأمر المهم.
بعض النساء الأخريات اللاتي كن آنذاك هناك، واستشهد أبناؤهن وأزواجهن وتحملن ذلك، هذا التحمل ليس أمرا سهلا، لكنهن لم يكن عالمات بعظمة هذا الصبر ودوره في التاريخ الإسلامي.
رأيتن ماذا فعلت السيدة زينب، لو لم تكن هناك لما بلغتنا هذه القضية، حيث كان السكوت والتعتيم الإعلامي يلفان الأوضاع، ويقلبان الحق باطلا والباطل حقا، وكان بيان السيدة زينب وخطبها أول من أزاح تلك الظلمة وذلك التعتيم، كان كالبرق الساطع في الظلمة الداكنة، كانت السيدة تعرف ماذا تفعل.
وعندما سئلت عن حادثة كربلاء وقيل لها: كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟ قالت: ما رأيت إلا جميلا.
نعم… كانت تدرك حقيقة أنها عندما خسرت الحسين وسائر إخوانها وأولادها وأبناء إخوانها وأصحابها، لم تكن تلك خسارة إلا لشخصهم وكان يتبع تلك الخسارة المؤقتة تحصيل أمر معنوي أزلي.
في الحقيقة إن السيدة زينب هي التي صنعت حادثة كربلاء. ونحن بحاجة لهذا الوعي عند نسائنا، لتعلم أم الشهيد معنى صبرها ومدى تأثيره وأهميته في إعداد الإنسان. ولتعلم زوجة الشهيد أي دور لها وأي أهمية. ولتعلم الفتاة العفيفة الطاهرة أي دور وأهمية لعفتها وطهارتها في بناء المجتمع. لتعلمن اللاتي يضبطن أحاسيسهن، ويحفظن قلوبهن، ويحركن أدمغتهن وأفكارهن من أجل الله ويصرفن طاقاتهن في سبيله، ليعلمن قيمتهن وأهميتهن.
الفكر الثوري لم يجد عمقه الكافي عند النساء. فعلى النساء أن لا يواجهن القضايا السياسية والدينية والاجتماعية بعين عمياء وأذن صماء، بل عليهن أن يكتسبن الوعي والإدراك، وهو الذي يحفظ هدير الأحاسيس الثائرة. فعندما يضاف إلى الأحاسيس السابقة فكر ومنطق ووعي، فإن تلك الأحاسيس ستبقى موجودة دائما وبصورة صحيحة.
أما إذا كانت الأحاسيس مجردة وبعيدة عن الوعي والإدراك والفكر والمنطق والعلم، فإن هذه الأحاسيس قد تظهر يوما وتختفي يوما آخر. وقد تكون صحيحة في يوم ما، وتكون خاطئة ومنحرفة في يوم آخر، حيث لا يمكن الاعتماد على مثل تلك الأحاسيس.
زماننا هذا عجيب، إنه كالربيع بالنسبة للشتل والشجر. فإن بذرنا اليوم بذرة طيبة في أرض مجتمعنا فإنها ستنمو بسرعة، وإن تقاعسنا عن البذار سنخسر.
إذن أي عمل حسن نؤديه اليوم فإن ثوابه مضاعف. لذا يجب على المرأة أن تعلم أن صبرها ومقاومتها وكلامها ونظراتها وسكوتها وإنفاقها في سبيل الله بل وحتى إمساكها عن الإنفاق حيث يجب الإمساك كل ذلك إنما هو لسبب وجيه. عند ذلك سيكون عملها مفيدا وذا معنى.
يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "مقارنة مختصرة بين زينب الكبرى وبين زوجة فرعون يمكن أن تجلي لنا عظمة مقام السيدة زينب الكبرى. زوجة فرعون حينما كانت تحت ضغوط التعذيب الفرعوني قالت ﴿رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله﴾ والواقع أنها طلبت الموت وأرادت أن تفارق الحياة.
أما السيدة زينب عليها السلام فقد رأت بعينيها يوم عاشوراء كل أحبتها يسيرون إلى المذبح ويستشهدون، هجوم الأعداء وهتك الحرمات ومسؤولية رعاية الأطفال والنساء. مقابل كل هذه المصائب لم تقل السيدة زينب عليها السلام (رب نجني) بل قالت: "اللهم تقبل منا هذا القربان".
المصدر: ملتقى البحرين